الهجرة من إسرائيل.. موسم القلق الوجودي المفتوح! - مواقع عربية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 8:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهجرة من إسرائيل.. موسم القلق الوجودي المفتوح!

نشر فى : الجمعة 29 مارس 2024 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 29 مارس 2024 - 7:25 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب مالك ونوس، تناول فيه أن هاجس مغادرة الإسرائيليين أرض فلسطين لا يزال حاضرا وهذا ما كشفته عملية السابع من أكتوبر. ويقول الكاتب إن التفكير فى الهجرة من إسرائيل يظل ساكنا فى العقول حتى تحل الأزمة التى تستدعى مغادرة الأرض، وهذا يوضح ضعف الإيمان وعدم الانتماء للأرض.. نعرض من المقال ما يلى:
من الأمور التى كشفتها عملية «طوفان الأقصى» أن هاجس مغادرة الإسرائيليين اليهود أرض فلسطين هو هاجس حاضر، وربما موجِّه لسلوكهم وخططهم التى تبقى ساكنة فى باطن عقولهم إلى أن يحل مستجدٌّ أمنى أو اقتصادى يدفعها إلى الظهور.
آخر ملامح حضور هذا الهاجس هو ما أدلى به الحاخام اليهودى، يتسحاق يوسف، قبل أيام، من تهديد يُلوّح بموجبه بمغادرة الشبان المتدينين الكيان الإسرائيلى إذا فُرِضَ التجنيد الإجبارى على أبناء طائفة الحريديم. فإذا كان هذا يشير إلى ضعف تمسك المتدينين اليهود بالأرض التى زعموا أن إلههم وعدهم بها، فما هو موقف غير المتدينين إذا استمرت هذه الحرب لمدة أطول وكثرت تداعياتها على كيانهم؟
يُعيدنا كلام هذا الحاخام إلى مشهد تدافع الإسرائيليين وهم يُهرولون هربا من باحات الحرم الإبراهيمى، أو باحات المسجد الأقصى، وقد علت وجوههم مسحة الخوف والذعر والقلق فى صباح السابع من أكتوبر الماضى، حين بدأ تاريخٌ فلسطينى جديدٌ عنوانه «طوفان الأقصى»؛ مشهدٌ يُوحى أن هؤلاء ربما تلقوا الأخبار على نحو جعلهم يعتقدون أن حربا أوسع مما يتصورون قد اندلعت، وستصل إليهم خلال ساعات، عابرةً الحواجز الجهنمية وحقول الألغام، ثم الأراضى والمدن والبلدات الحصينة، وقد وصلت إلى يافا وهى فى طريقها من غزة إلى الخليل وبيت لحم والقدس.
إنّه القلق الوجودى، الذى لم يكن ليخرج من أعماقهم ويظهر على وجوههم لولا الإدراك الذى فى داخلهم، والقائل: «لقد حلّت اللحظة المنتظرة، تلك اللحظة المخيفة، وهذا المكان ليس لنا، إننا عابرون فيه، سنخليه وقد أتى أصحابه أخيرا، لقد أصبحوا على التخوم».
استنادا للكاتب شلومو ساند، يُعدّ باطلا الادعاء القائل بحق اليهود فى فلسطين لأنهم طردوا منها قبل آلاف السنين. هذا الكاتب خلص إلى أن ثمة عملية طويلة بأسسٍ وأركان قامت عليها، أدت إلى «اختراع الشعب اليهودى»، وهو عنوان كتابه الصادر سنة 2011 عن دار الأهلية للنشر والتوزيع فى عمان بالتعاون مع «مدار»، المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية، والذى يقدم لنا فيه رواية تاريخية معاكسة للرواية الإسرائيلية المكرَّسة. وحين مات شوليك، لم يحظَ جثمانه بصلاةٍ يهودية، بل أنشد رفاقه نشيد «الأممية» فوق قبره. أما ابن شوليك، الكاتب شلومو ساند، فقد بقى ينازع لكى تكون له هويته التى ترضيه خارج هذا الكيان الملفَّق. لذلك غادر إلى باريس وبقى فيها سنوات، لكن، بسبب الشوق، قرّر العودة. يحكى ساند عن نفسه قائلا: «برغم غربته، غلبته الأشواق وحبه لشوارع المدينة التى تربى فيها، فعاد للمكان المؤلم الذى تكوّنت فيه هويته»، (ص 30)، عاد لكى يؤكد أن «الوطن الذى يدعى بأنه «وطن لليهود»، ليس سوى مجرد وهمٍ يحتاج للتوثيق»، (ص 30)، فكان هذا الكتاب.
ميزة الأصوات، مثل صوت شلومو ساند، أنّها لم تُصدّق الرواية الإسرائيلية والأساطير التى سيقت لتكوين الشعب اليهودى وتأسيس إسرائيل، تلك الأصوات التى كانت تدعو إلى السلام مع الفلسطينيين وتعارض الاستيطان فى الضفة الغربية، وبلغ بها الأمر حد الدعوة إلى مغادرة إسرائيل، لطالما كان يُنظر إليها على أنها أصوات قليلة، ولا تشكل تهديدا للكيان.
بقى هذا الأمر مستمرّا، وبقيت المغادرة النهائية فردية إلى أن وقعت عملية «طوفان الأقصى»، وبدأت عمليات نزوح الإسرائيليين داخليّا، وعزم مئات الآلاف منهم على المغادرة النهائية إلى دول فى أوروبا وأمريكا، بحثا عن الأمان الذى باتوا يفتقدونه بسبب الحروب الدورية الإجرامية التى تشنها حكوماتهم باسمهم على الشعب الفلسطينى فى غزة كما على عدد من شعوب المنطقة.
من هنا، لم يكن غريبا أن تظهر حملة «لنغادر البلاد معا» الإسرائيلية التى تُشجّع الهجرة العكسية المعروفة بالعبرية باسم «يريدا» (النزول)، مقابل الهجرة اليهودية إلى فلسطين والمعروفة باسم «عليا» (الصعود) وتعنى الهجرة إلى إسرائيل. وتدعو الحملة الأولى الإسرائيليين إلى مغادرة الكيان للإقامة الدائمة فى دول أخرى والعمل أو الاستثمار فيها.
ومع أن هذه الحملة ظهرت فى السنوات الأخيرة، مع صعود اليمين الدينى المتطرف وإمساكه بالسلطة وضغطه لإجراء التعديلات القضائية، إلا أن نشاطها توسَّع وتعمَّق مع الحرب الأخيرة على غزة. كما توسع مع غياب أى أفق لانتهاء الحرب. ووصل عدد الإسرائيليين الذين غادروا دولة الاحتلال، منذ 7 أكتوبر الماضى، حتى 17 ديسمبر الماضى إلى 370 ألفا، بحسب صحيفة «زمان إسرائيل» عن سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية.
وثمة إحصائيات تشير إلى أن عدد اليهود الذين تركوا إسرائيل منذ العام 1948 حتى العام 2022 بلغ 756 ألفا، أى بحدود عشرة آلاف فى السنة، بينما غادر خلال الفترة الممتدة من 7 أكتوبر حتى الآن، حوالى المليون، أى بمعدل خمسة آلاف يوميا وهو الرقم الذى تؤكده حالات طلب اللجوء (10% من طلبات اللجوء فى ألمانيا هذه السنة تعود لإسرائيليين ويسرى الأمر نفسه على البرتغال).
ويُشير استطلاع للرأى إلى أن حوالى 33% من الإسرائيليين يفكرون فعليا بالهجرة بسبب سياسات حكومة نتنياهو، علما أن نصف سكان الكيان العبرى ما زالوا يحملون جوازات سفر بلدانهم الأصلية (أشكيناز)، وبالتالى هم جاهزون لاستخدامها فى حال اندلاع أى أزمة (عسكرية أو أمنية)، وهذا الأمر مرشح للتفاقم مع استمرار حرب غزة واقترابها من بداية شهرها السابع.
فى الخلاصة، إذا استمرت الحرب، بفعل إصرار نتنياهو على تحقيق أهدافها المستحيلة، سيستمر شعور الإسرائيليين بعدم الاستقرار وغياب الأمان، وستظهر احتجاجات قد يقابلها اليمين المتطرف، من أنصار الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بالقوة فتندلع حرب أهلية تكررت التوقعات بحدوثها، فتزداد بسببها موجة الهجرة من إسرائيل. حينها سننتظر مؤرخا على شاكلة شلومو ساند، ليكتب لنا تاريخ دولةٍ جمعت يهود العالم فوق أرض فلسطين على مدى عقود.. ثم اندثرت حين آن الأوان لسكانها لكى ينصرفوا!

النص الأصلي

التعليقات