هل يدعم الربيع العربى الجامعة العربية؟ - رغيد الصلح - بوابة الشروق
الإثنين 3 يونيو 2024 4:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يدعم الربيع العربى الجامعة العربية؟

نشر فى : الإثنين 29 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 29 أبريل 2013 - 8:00 ص

منذ ان ولدت جامعة الدول العربية عام 1945 حملت معها عامل ضعف تمثل فى عجزها عن تطبيق مبدأ الثواب والعقاب سواء فى علاقتها بالدول الاعضاء وغير الاعضاء الا فى حالات استثنائية كما حدث عندما علقت عضوية مصر بعد معاهدة كامب دافيد. هذا العجز ادى إلى نقص مقيم فى التزام الدول الاعضاء فى الجامعة بالمبادئ والمعاهدات والاتفاقيات والمقررات التى تم التوافق عليها. ولقد تضمنت أكثر المشاريع التى وضعت لاصلاح الجامعة اشارات مباشرة إلى هذه المعضلة. وكرر التقرير المهم الذى وضعته «اللجنة المستقلة لإصلاح الجامعة العربية»  برئاسة الأخضر الابراهيمى هذه الملاحظة وأكد عليها فى أكثر من مجال.

 

●●●

 

فى السابق، لم يكن صانعو القرار فى المنطقة العربية يأبهون كثيرا لدور الجامعة. وكان من المألوف التعبير عن هذه النظرة من خلال المساهمة بدون تردد فى الموافقة على القرارات مع التغاضى، بدون تردد ايضا، عن تنفيذها. اما الآن وفى اعقاب الاحداث الليبية والسورية والمواقف التى اتخذتها الجامعة تجاه هذه الاحداث، فيبدو وكانه نبتت لها اسنان وأنها أصبحت قادرة على ردع الخارجين عن سلطتها. استطرادا يتوقع البعض ان تمحض القيادات الاقليمية البعد العربى درجة أعلى من الاهتمام عندما تصوغ سياساتها وقراراتها وأن تدخل الجامعة فى حساباتها السياسية. فهل تصح هذا التوقعات؟ هل يساهم موقف الجامعة تجاه احداث ليبيا وسوريا فى تطوير فاعليتها  ومصداقيتها وتعميق الرابطة بين الدول العربية؟

 

إذا اردنا ان نعتبر بالسابقة التاريخية أى أثر الموقف العربى تجاه معاهده كامب دافيد على اوضاع الجامعة العربية، فان هذه السابقة تدلنا على أنها لم تفض إلى تطور حاسم فى تاريخ الجامعة. فلم نلمس فارقًا بارزًا فى فاعلية الجامعة وفى استجابة الدول الاعضاء لقراراتها بعد تجميد عضوية مصر، أكبر الدول العربية وأهمها.  بالمقارنة، فانه المرجح ألا تتغير الجامعة العربية تغييرا حاسما عندما ينتهى الصراع فى سوريا،  وألا ترتقى من صيغة «المؤتمر الدائم للدول العربية» كما دعاها احد مهندسى ميثاق الجامعة الرئيسيين، إلى صيغة كونفدرالية ما دامت العوامل التالية لا تزال تؤثر على الاوضاع العربية:

 

أولا: ان النظام الاقليمى العربى هو نظام «دولتي» أى ان الاساس فيه هو الدول العربية والتركيز فيه هو على سيادتها واستقلالها وليس على التعاون والتضامن والرابطة العربية المشتركة بين هذه الدول. ويستند هذا النظام إلى الدول الريعية وشبه الريعية العربية التى تحدث عنها حازم ببلاوى فى كتابه الشهير حول هذا الموضوع. ويمنح هذا النموذج من الدول النخب السياسية فيها شعورا بالاكتفاء الذاتى وبأن مشاريع الأقلمة ترمى إلى تحويل بعض ثرواتها إلى دول المنطقة الفقيرة.

 

ولقد مرت الدولة الريعية العربية بعدة مراحل كما يقول ماتيو غراى، الباحث فى جامعة جورج تاون، فى بحث حول تطور الدولة الريعية. وتحولت هذه الدولة من مرحلة بدائية فى السبعينات إلى مرحلة جديدة خلال القرن الحالى بحيث اصبحت «أكثر تجاوبا مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية العالمية والاقليمية والمحلية»، ومن ثم ارسخ مما كانت عليه، واقدر على صد نداءات التعاون الاقليمى. هذا لايعنى ان الدولة العربية الريعية «المتجددة» هى، حقا، فى غنى عن هذا التعاون والتكامل، ولكنه يعنى انها اصبحت أكثر قدرة على تجاهل الموجبات الاستراتيجية والإقتصادية للاقلمة على صد مشاريعها.

 

●●●

 

ثانيا: لان المنطقة العربية تمر بمتغيرات عاصفة تؤثر على العلاقات العربية ــ العربية. وفى هذه الاجواء المضطربة المرشحة للاستمرار زمنا لن يكون من السهل على الدول العربية ان تطور نظامها الاقليمى حتى ولو رغبت بعض الدول فى تحقيق هذه الغاية.  فلا ريب ان بناء التكتلات الاقليمية يتطلب وجود أجواء مناسبة وعلاقات ودية بين الدول المشاركة فيها والنخب السياسية الفاعلة فيها. هكذا كانت العلاقات بين الدول التى اسست السوق الاوروبية المشتركة  والدول التى اسست ميركوسور وآسيان والجامعة العربية نفسها. اما الآن فتبدو دول الجامعة بعيدة عن هذه الصورة خاصة لجهة العلاقات بين دولها الرئيسية.

 

●●●

 

ثالثا: لان مواقف القوى الكبرى خاصة الاطلسية ذات النفوذ الواسع فى المنطقة كانت ولا تزال تقف موقفا سلبيا تجاه قيام التكامل الاقليمى العربى. وفيما بدا خروجا عن هذا الموقف التاريخى الذى التزمته اكثر القوى الاطلسية، فقد كتب مرة يوشكا فيشر، وزير خارجة المانيا بين عامى 1998 و2005 مقالا بعنوان «مطلوب: جان مونيه عربى»، حث فيه على ولادة قيادة تسير بالمنطقة إلى التكامل الاقليمى اقتداء بالتجربة الاوروبية. ونوه فيشر بالعوامل التى تجعل التكامل العربى اسهل منالا بكثير من التكامل الاوروبى.

 

لقد اصاب فيشر فى مقاله الى ابعد حد. ولكنه أغفل أمرين مهمين: اولا، اهمية الدور الذى لعبه الامريكيون المتعاطفون مع المشروع الاوروبى فى ولادة تلك التجربة.وثانيا، الدور السلبى الذى لعبته القوى الكبرى الأطلسية فى إفشال مشاريع  التكامل العربية. وتردد خلال الزيارة الأخيرة لكاترين آشتون، مسئولة الخارجية فى الاتحاد الاوروبى لدول المغرب العربى، أن الاتحاد فى صدد مراجعة هذا الموقف، الا انه لم يظهر على شاشة العلاقات العربية-الاوروبية ما يؤكد هذه التكهنات، وبانتظار تبدل حاسم فى السياسة العربية للقوى الاطلسية الكبرى فسوف يبقى موقفها عقبة رئيسية تعترض نهوض النظام الاقليمى العربى فى المستقبل المنظور.

 

●●●

 

رابعا: تعانى الدعوة إلى تحقيق التكامل العربى من غياب او انكفاء الفاعل الاقليمى العربى اى الحامل السياسى لهذه الدعوة. فليس هناك حتى هذا التاريخ، كما قال فيشر من مونيه عربى او من نظير عربى للآباء المؤسسين للمنظمات الاقليمية الناجحة فى العالم. كذلك، خلافا لتوقعات بعض الذين ظنوا ان العاملين فى المؤسسات الاقليمية الرسمية والاهلية سوف يتحولون، مع الوقت والتجربة، إلى نواة لقوى التكتل الاقليمى، فان شيئا من هذا لم يحدث فى المنطقة العربية. هذا لا يعنى شحا فى الهيئات والجماعات التى تتطلع إلى تحقيق المزيد من التعاون والتكامل بين الدول العربية.

 

●●●

 

من بين هذه الهيئات والجماعات يبدو الاتحاد العام لغرف الزراعة والتجارة والصناعة فى البلاد العربية هو الاقرب إلى الاضطلاع بدور الفاعل الاقليمى العربى. فالاتحاد ، لا ينفك يدعو، وبصورة منهجية، فى سائر انشطته إلى تحقيق التكامل الاقليمى العربى، هذا فضلا عن انه يتمتع بالامكانات المطلوبة للقيام بدور الشريك فى تحقيق هذا الهدف. رغم هذه المواقف فان نشاطات الاتحاد ودعواته لم تفلح حتى الآن فى تحريك قوى أهلية وسياسية كافية لحمل اصحاب القرار العربى على تحريك قطار التكامل الاقليمى العربى والسير به نحو اهدافه المرتجاة. ان هذا الوضع قابل للتبدل اذا ما اتجه الاتحاد، واتجهت الجماعات المعنية بالتكتل الاقليمى مثل الاتحادات المهنية والعمالية والزراعية والنوادى الثقافية والمراكز الفكرية العابرة للدول العربية إلى بناء تجمع يحث على وضع الدعوة إلى التكامل العربى موضع التنفيذ. عندها تكتسب هذه الدعوة الوزن الكافى لكى تدخل فى حسابات أصحاب القرار فى الدول العربية، ويصبح لها من الجاذبية ما يجعلها تستقطب اهتمام الاجيال الجديدة من الشباب العربى الذى اثبت جدارة فى صنع أحداث المنطقة، وتنبت معطيات جديدة تقلل من مفعول العوامل الأربعة التى اشرنا إليها اعلاه فى اعاقة الاقلمة العربية.

 

 

 

كاتب لبنانى

رغيد الصلح كاتب ومحلل سياسي لبناني
التعليقات