يكفى القمة أنها انعقدت.. - رغيد الصلح - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 10:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يكفى القمة أنها انعقدت..

نشر فى : الجمعة 29 يوليه 2016 - 11:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 29 يوليه 2016 - 11:30 ص
كما كان متوقعا، فإن انعقاد القمة العربية فى نواكشوط ــ موريتانيا والنتائج التى أسفرت عنها تحولت إلى مناسبة مختارة لقصف النظام الإقليمى العربى بسيل من التقييمات السلبية والانتقادات الساخرة والتوقعات المتشائمة. وكالعادة لم يصدر القصف عن أفراد وجماعات مناهضة لـ«المشروع العربى»، ولكن أيضا وفى حالات كثيرة وملحوظة، من مصادر تتعاطف مع الفكرة العربية، ولكن ليس مع مؤسستى القمة والجامعة اللتين تعتبران، فى نظر هؤلاء، عقبة أمام تحقيق فكرة الوحدة العربية.

الأرجح أن الذين حضروا للقمة لم يتغاضوا عن ثغراتها، ولكنهم دعوا الناقدين إلى الأخذ بعين الاعتبار ظروف انتقادها. فهذه القمة كانت قمة بديلة عن قمة الرباط وأن التحضير لها تم فى زمن قصير نسبيا لم يتجاوز بضعة أسابيع. ثم إن القمة جاءت فى وقت تتعرض فيه مشاريع التكامل فى كل مكان (الاتحاد الأوروبى، ميركوسور، نافتا... الخ) إلى ضغوط ومتاعب تطرح فكرة التكامل الإقليمى على بساط البحث والنقاش. أخيرا لا آخرا، فإنه حرى بنا أن نتذكر بأن قمة نواكشوط تنعقد فى المنطقة العربية التى قل إن مرت بما يلم بها اليوم من مصاعب وحروب ومآسٍ كبرى مما يضاعف من مشاكل التحضير للقمم السياسية. بالطبع تحتاج المنطقة إلى «قمة عناية فائقة»، ولكن قمة من هذا النوع تحتاج إلى جهود استثنائية لا تتوافر اليوم فى المنطقة العربية ولا حتى فى المجتمع الدولى. أخذا بعين الاعتبار هذا الواقع، فإنه حرى بالحريصين على استمرار النظام الإقليمى العربى أن يعتبروا مجرد انعقاد القمة العربية ــ نعم مجرد انعقادها ــ فعلا ايجابيا.

***
من المفروض فى القمة الدورية ــ قمة نواكشوط أو غيرها ــ أن تضع برنامجا سنويا للعمل العربى المشترك يبدأ بتحديد التحديات والمعضلات الماثلة أمام المجتمعات العربية، ثم يمر بتوصيف العلاجات المناسبة لهذه المعضلات والأمراض، وصولا إلى تبيان كيفية الوصول إلى هذه العلاجات وطرق استخدامها. ولقد أصاب البيان فى تحديد أهم التحديات والمخاطر التى تحيق بالمنطقة العربية، وتوقف عند نوعين من الأخطار: الحروب العابرة للأقطار والمشتعلة داخلها، والثانى هو الأخطار الإقليمية بما فيها أخطار السلاح النووى والاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية والتدخل الإيرانى فى الدول العربية وإرهاب الجماعات المتطرفة. كذلك أصاب البيان فى دعوته إلى التركيز على العمل السياسى والمصالحات الوطنية للخلاص من مآسى الحروب الداخلية العربية ــ العربية. كما أصاب البيان أيضا فى الدعوة إلى ادخال الإصلاحات الداخلية على منظومة العمل العربى المشترك وتطويرها، وحبذا لو أطلق البيان بعض الإشارات بصدد الإصلاحات المطلوبة بحيث يمكن الاسترشاد بها مستقبلا. والإصلاحات المطلوبة باتت ضرورية من أجل تأهيل مؤسسات العمل العربى المشترك للاضطلاع بالمهام المطلوبة خاصة لجهة إعادة السلام إلى المنطقة والعمل على إعادة إعمارها.

فى هذا السياق الأخير تتسم مسألة آليات اتخاذ القرار فى مؤسسات العمل العربى المشترك بأهمية بالغة. ذلك أن التجارب تدل على أن اختيار نمط اتخاذ القرار القائم على المساواة والإنصاف يساعد على استتباب العلاقات الطبيعية والعاقلة بين«الأشقاء» العرب. أما تطبيق أنظمة لاتخاذ القرار غير عادلة وغير منصفة وواضحة يزرع المتاعب فى مؤسسات العمل العربى المشترك. وحتى الآن عمل فى مؤسسات العمل العربى المشترك بنظام لاتخاذ القرارات عبر التصويت فى القضايا الإجرائية، أما فى القضايا الموضوعية فقد أخذ بقاعدة التوافق، وإلا فإن القرار يلزم من يقبل به. وهذا ينطبق على اتخاذ القرار على مستوى القمة بصورة خاصة. ولقد لبث هذا القرار الأخير مصدر ارتباك فى عمل الجامعة، إذ مفروض فيها أن تكون مؤسسة قائمة بذاتها وتملك الاستمرارية. بالمقابل فإن قاعدة «القرار يلزم الموافق عليه فقط» تحول الجامعة إلى لقاءات بعيدة عن الديمومة وعن المأسسة معا.

لقد حاولت الجامعة العربية أن تستبدل هذه القاعدة عام 2006 عندما وافق وزراء الخارجية العربية على إقرار قاعدة التصويت بأغلبية الثلثين فى القضايا الموضوعية أيضا، ولكن هذه المحاولة لم تذهب بعيدا، إذ قل أن سمعنا عن قرارات اتخذت وفقا لقاعدة الثلثين. ويجدر بالذكر أن آسيان «رابطة دول جنوب شرق آسيا» التى أخذت عند تأسيسها فى الستينيات بقاعدة التوافق فى صنع القرارات ومنحت، بالتالى، كل دولة من الدول الأعضاء فيها حق الفيتو عند التصويت، سعت بدورها إلى تطبيق قاعدة الأكثرية إلا فإنها لم تذهب بعيدا فى هذا المضمار إذ جرت العودة إلى قاعدة التوافق خاصة بعد أن توسعت فتنوعت مصالح ومواقف الدول الأعضاء فيها. أما التكتل الإقليمى الذى سار خطوات على طريق التصويت الأكثرى فهو الاتحاد الأوروبى. ويملك الاتحاد الأوروبى حق التصويت بالأكثرية فى القضايا غير الاشتراعية، والتصويت النوعى الذى يتطلب موافقة ممثلى 55% من الدول الأعضاء على مشاريع القرارات المعروضة على الاتحاد وهيئاته الاشتراعية وسلطاته التنفيذية. ولا ريب، فى تقديرى، أن نظام التصويت فى الاتحاد الأوروبى هو أفضل من نظام التصويت فى آسيان والجامعة العربية، وإذا أريد للجامعة وللنظام الإقليمى العربى الصلاح فمن الأفضل المباشرة باقتباس النظام الأوروبى ولكن مع التدرج فى تطبيقه.
رغيد الصلح كاتب ومحلل سياسي لبناني
التعليقات