العدالة بين الرضا والاطمئنان - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الإثنين 8 ديسمبر 2025 7:23 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

العدالة بين الرضا والاطمئنان

نشر فى : الإثنين 29 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 29 أبريل 2013 - 8:00 ص

 على الرغم من أن أزمة قانون السلطة القضائية تفتح الكثير من أبواب النقاشات والاحتجاجات القانونية والسياسية، وبالرغم ايضا من أن هذه الأزمة تؤكد أن هذه النقاشات والاحتجاجات تخضع فى غالبيتها لآليات الاستقطاب والتغول فى ما يلزم نقاشه وما لا يلزم، فإن أحدا من أى طرف من الأطراف لم يناقش فكرة الرضا عن القانون بين فئات الشعب المختلفة، والتى ستتأثر به بالأساس وسيكون حاكما لجزء مهم من مستقبلها، واكتفى الجميع بمتابعة صراعات وأهداف القوى المختلفة سواء داخل ما يعتقد انه فئة (القضاة) أو بين التيارات السياسية المتناحرة التى ترغب إلى جر القضاء لمعركتها الكريهة. 

 

سألت أحد كبار شيوخ القضاء الإدارى عن الازمة والذى عمل طويلا فى مجال التشريع ويعد بحق من فقهاء القانون فى البلاد، فكشف لى وجها آخر من الأزمة، وهو ضرورة رضاء المواطنين عن أى قانون، حتى يستطيعوا تطبيقه والاطمئنان له حين الاحتكام إليه، وهى الفكرة الغائبة تماما عن كل النقاشات أو حتى الصراعات، وضرب لى مثلا بقوانين المرور التى لا يلتفت اليها أحد ولا يضعها فى اعتباره وهو يقود سيارته والسبب من وجهة نظره انها قوانين فوقية غير متفق عليها، وبالتالى لا يميل أحد لتطبيقها، وتحديدا هذا ما يخشاه على القانون الجديد بغض النظر عن الدوافع السياسية التى أحاطت إقراره وإصداره، فسيكون من الجائز أن تحدث مقاومة عنيفة عند بدء تطبيقه، وهو يشير صراحة إلى فلسفة التشريع التى ترتكن إلى آراء وكلاء الشعب مع الأخذ فى الاعتبار برغبات أصحاب الشأن إذا كان القانون يخص فئة ما، لذا فهو يؤكد ضرورة تأجيل هذا النقاش لحين انتخاب مجلس النواب، وهدوء الصراع السياسى حتى يكون القانون ممكنا ومتاحا لرضا المواطنين، الذين هم المستهدفون من التشريع فى الأساس. 

 

وفكرة الاطمئنان بشكل عام، من الواضح أنها الفكرة الغالبة لفهم العدالة والخضوع لها، فالقضاء الانجليزى على سبيل المثال يعكس ذلك فى مقولة شهيرة لواحد من كبار فقهائه المعاصرين، إذ يقول هذا القاضى أن المهم فى أى حكم، ليس الوصول إلى الحقيقة، لأن الحقيقة من الممكن ان تتوه لأى سبب من الاسباب، أو تحت أى ظرف من الظروف، ولكن المهم ان يقتنع الخصوم ان الهيئة القضائبة فعلت أقصى ما لديها وبذلت كل جهودها، ولم تبخل بمراجعة الأحداث والوقائع، والتفت لكل التشريعات قبل ان تصدر حكمها، هنا يخضع الجميع للقانون وللقضاء ويشعر بالرضا حتى لو لم يكن الحكم فى صالحه، وهذا ما لم نشعر به وسط ضجيج الحديث عن ضرورة وسرعة إصدار هذا القانون. 

 

إن فكرة الرضا عن القانون والاطمئنان إلى أن القائمين على تطبيقه فعلوا كل ما لديهم، هو جوهر العدالة، وأعتقد أن مصر وشعبها بعد ثورة مثل ثورة يناير من حقها أن تصل لهذه الحالة فى كل ما يتعلق بشئون القضاء، حتى لو تطلب ذلك وقتا طويلا بعض الشىء، فالأمر يستحق، ليس فقط فيما يتعلق بقانون السلطة القضائية، بل بأى قانون سيكون هذا الشعب صاحب هذه الثورة خاضعا له ومطالبا بتطبيقه.. وبصراحة لا أعرف لماذا لا يعمل الساسة الذين يديرون أمورنا الآن، على أن نكون راضين بقوانيننا ومطمئنين لحكمهم، ولماذا تغيب العدالة عنا قسرا فى كل ما يحيط بنا، ولماذا يصر هؤلاء الساسة على خلق مناخات طاردة لفكرة اطمئنانا ورضانا وإحساسنا بالعدالة، هل فعل هذا الشعب ما يستحق عقابه بشكل مستمر من نظام إلى نظام، أم أننا بالفعل مازلنا فى حالة مخاض ثورى وأن الثورة لم تصل محطتها الأخيرة بعد؟ أعتقد أن تحقيق العدالة فقط هو القادر على تقديم إجابات مطمئنة لهذه الأسئلة الغاضبة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات