العراق فى ضوء تفاعل الداخل وضغوط الخارج - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العراق فى ضوء تفاعل الداخل وضغوط الخارج

نشر فى : الثلاثاء 29 مايو 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 مايو 2018 - 9:37 م

تتواصل المشاورات بين قادة الكتل السياسية التى فازت فى الانتخابات العراقية لتشكيل الحكومة القادمة وذلك فى ظل تفاعل وحراك سياسى داخلى وضغوط خارجية لصياغة كتلة أغلبية، ولا شك أن تقدير أبعاد ذلك التفاعل وتلك الضغوط يتطلب بدايةً النظر فى أهم مؤشرات نتائج تلك الانتخابات، والتى من أهمها ما يلى:

أولا: إن 27 تحالفا أو كتلة انتخابية قد شاركت فى العملية الانتخابية وشملت 205 كيانات انتخابية، ولم يتمكن أى منها من الحصول على أغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة، وينص القانون العراقى بأن الكتل المتحالفة بعد نتائج الانتخابات والتى تحوز على 50%+1 من مقاعد البرلمان يكون لها الحق فى تشكيل الحكومة.

ثانيا: استمرار حضور وتفوق نفس القوى السياسية التى تصدرت المشهد السياسى منذ الاحتلال الأمريكى وكذلك الشخصيات القيادية التى تولت المناصب الرئيسية فى الدولة العراقية، مع تغيير فى الإطار السياسى الذى يعبر عنها، حيث فازت القوى القديمة بحوالى 85% من مقاعد البرلمان، ولم يتجاوز التغيير 15% من هذه المقاعد.

ثالثا: من الواضح انقسام القوى الشيعية فى تحالفات أربعة رئيسية وانفراط تحالفاتها حتى الآن، مع استمرار تشتت الكتلة السنية وعدم وجود كتلة كبيرة تعبر عنها، واستعادة الحزبين الكرديين لنفوذهما على حساب القوى المعارضة لهما فى الإقليم.

رابعا: لا توجد قائمة واحدة فى الكتل الفائزة تعبر عن مكون سياسى معين ولكنها تضم خليطا من القوى السياسية، وهو ما يعنى وجود تغير فى الخريطة السياسية.

خامسا: أنه بالرغم من تصدر ائتلاف «سائرون» بزعامة «مقتدى الصدر» للنتائج، فإنه يحتاج إلى تحالف واسع لصياغة الأغلبية، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هذا الائتلاف يضم الحزب الشيوعى العراقى الذى حصل على 13 مقعدا.

سادسا: إن ائتلاف النصر بزعامة «حيدر العبادى» يضم داخله عناصر أكثر ارتباطا بإيران، خاصة بعض قيادات حزب الدعوة خاصة السيد البياتى، وكذلك السيد أراس حبيب المعروف بأنه رجل المخابرات الإيرانية فى العراق.

وتشير تفاصيل المشاورات حتى الآن إلى أن السيناريوهات التى ستدور حولها عملية تشكيل الحكومة العراقية القادمة، سوف تتخذ المسارات التالية:

السيناريو الأول: صيغة المحاصصة والتى تتوافق مع الرغبة الإيرانية، والتى تضم الكتل الشيعية الخمسة (ائتلاف سائرون، وائتلاف الفتح، وائتلاف النصر، وائتلاف دولة القانون، وائتلاف الحكمة) ولديها مجتمعة 190 مقعدا ويمكنها تشكيل الحكومة، وهذا السيناريو من الصعب تحقيقه ارتباطا بوجود قوى منضوية داخل بعض هذه الكتل ترفض الاندماج مع كتل بعينها.

السيناريو الثانى: أن يتحالف ائتلاف الفتح ودولة القانون مع السعى لضم تيار الحكمة وبعض المكونات المرتبطة بإيران داخل ائتلاف النصر خاصة أعضاء حزب الدعوة، ويحتاج هذا التحالف إلى تقديم تنازلات وإغراءات لكيانات سنية وللأحزاب الكردية للمشاركة فيه. ومن المرجح أن يشمل هذا التحالف الاتحاد الوطنى الكردستانى وتحالف بغداد السنى وسوف يكون هذا التحالف المحتمل مواليا لإيران بالدرجة الأولى.

السيناريو الثالث: تحالف يضم ائتلافات سائرون والنصر والحكمة والحزب الديمقراطى الكردستانى وقوى سنية فى مقدمتها ائتلاف القرار العراقى الذى يتزعمه «أسامة النجيفى»، وهذا التحالف من التحالفات المرجحة والتى يمكن أن تستوعب كيانات سنية وقوى جديدة، وأن توقف ذلك على عدد من العوامل، خاصة استمرار تماسك ائتلاف النصر واستمرار حزب الفضيلة فى ائتلاف النصر وقبول «العبادى» الاستمرار فى هذا التحالف. وسيكون هذا التحالف المحتمل أكثر استقلالية، إلا أنه غير معادٍ لإيران ويمكن أن تقبله إيران، حيث سيبقى داخل هذا التحالف بعض المكونات ذات الصلة بإيران وهو ما سيكفل لها الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية فى العراق.

ومن ناحية أخرى، شهد العراق خلال الأيام الأخيرة تنافسا واضحا بين واشنطن وطهران للتأثير على عملية تشكيل الحكومة، حيث زار «قاسمى سليمانى» بغداد والتقى مع زعيم ائتلاف الفتح «هادى العامرى» وزعيم ائتلاف دولة القانون «نورى المالكى»، كما زار كردستان فى محاولة منه لتهيئة تحالف يكون قريبا من طهران ولا يخرج عن العباءة الإيرانية ولا يتناقض مع المصالح الإيرانية فى العراق، كما شملت الاتصالات الإيرانية جميع الكتل الفائزة فى الانتخابات بما فيها ائتلاف سائرون والكتل السنية المختلفة والشيعية المنضوية فى التحالفات الأخرى.

ووضح الحرص الأمريكى على التأثير فى عملية صياغة كتلة الأغلبية من خلال مجهودات «بريت ماكغورك» وهو المندوب الأمريكى العابر للإدارات الأمريكية، حيث يقيم فى العراق منذ عام 2003 وشارك فى جميع ترتيبات الدور الأمريكى فى العراق، كما تولى قيادة التحالف الدولى لمحاربة داعش عام 2015، ويُلاحظ أنه هو الذى زكَّى «نورى المالكى» لدى واشنطن لتولى رئاسة الحكومة السابقة. كما أنه نجح خلال الأيام الأخيرة فى إنهاء مقاطعة الأحزاب الكردية للمشاركة فى الحكومة الجديدة، والتى كانت تشترط إعادة الانتخابات فى كركوك. وشارك مع مستشارين فنيين وعناصر من السفارة الأمريكية فى بغداد فى حوارات مع جميع الكتل السياسية الفائزة.

من الواضح أنه بالنظر إلى ما سبق فإن عملية تشكيل حكومة أغلبية فى العراق سوف تكون مجالا لصراع المحاور والتنافس والعداء الأمريكى الإيرانى المتصاعد وهو ما يمكن أن يدفع لمزيد من الاستقطاب، وبهذا الخصوص نشير إلى ما يلى:

إنه بالرغم من الجهود الأمريكية، فإن إيران تمتلك أوراق ضغط ومساومة فى مجمل العملية السياسية فى العراق تفوق ما لدى الولايات المتحدة بهذا الخصوص.

إن ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو» بخصوص النفوذ الإيرانى فى العراق ضمن الشروط الأمريكية الـ 12 بشأن التطبيع مع إيران، خاصة شرط التعامل باحترام مع الحكومة العراقية وعدم عرقلة حل التشكيلات الشيعية المسلحة ونزع سلاحها، يتجاهل حقيقة أن هذه القوى العسكرية قد اندمجت فى الجيش العراقى وأصبحت كتلة سياسية تتشارك فى البرلمان.

وسوف يخضع تشكيل الحكومة القادمة لتفاهمات وتوافقات، وسيبقى للعامل المذهبى والطائفى تأثيره الواضح فى هذا الأمر.

كما سوف تتطلب المشاركة الكردية فى الحكومة، والتى تمثل عامل ترجيح، تعهدات من الحكومة القادمة فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها والتى كانت مجالا للمواجهة بين الطرفين.

ومن الواضح أن الكتل الرئيسية الفائزة فى الانتخابات العراقية تحاول حاليا حل الخلافات الكردية الكردية الراهنة والسعى لتحييدها فيما يتعلق باختيار رئيس الجمهورية المقبل والذى أقر العرف العراقى أن يكون كرديا، وذلك حتى لا يؤثر ذلك الخلاف على عملية اختيار رئيس الوزراء، باعتبار أن الدستور العراقى يستوجب اختيار رئيس الجمهورية قبل رئيس الوزراء وأن يقوم رئيس الجمهورية بدعوة البرلمان لاختيار رئيس الوزراء بعدها.

ويتضح كذلك أن السيد «مقتدى الصدر» وإن كان غير مرحب به من إيران بدرجة كبيرة، إلا أنه لا يمثل لها خطا أحمر، خاصة وأن الكتل التى ستتحالف معه لن تذهب معه بعيدا فيما يتعلق بالموقف من إيران.

وبصفة عامة فإن مجمل ما يجرى فى العراق من تفاعلات وضغوط خارجية يشير إلى استمرار الغياب العربى المؤثر فى تلك العملية رغم ما حققه هذا الدور من إيجابيات فى العامين الأخيرين، إلا أن حدة الاستقطاب والعداء الأمريكى الإيرانى سوف يفرض تداعياته على هذا الدور بصورة كبيرة.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات