عوائق تجديد الخطاب الدينى 25ــ نعمة المذهبية ونقمتها- جـ - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الدينى 25ــ نعمة المذهبية ونقمتها- جـ

نشر فى : الأربعاء 29 يونيو 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 29 يونيو 2016 - 10:11 م

ــ1ــ


سارت المذاهب المشهورة فى مجتمع أهل السنة قرونا طويلة تحرص على وظيفتها المستقلة فى «التعليم والتشريع» دون أى شبق للسلطة، ودون أى تحريض ضدها، ودون تأييد لجانب على غره حتى إنهم لجأوا إلى قول غريب فى الفقه السياسى وهو «اعتماد إمارة المتغلب»! أى إقرار العصبية التى افترست الحكم واستحوذت عليه، وهذا القول المعيب يذكرنا بالقصور الفادح فى الفقه السياسى سواء عند أهل السنة أو الشيعة، فجميع الكتابات التراثية فى الفقه السياسى عرجاء وشوهاء، وإذا كانت تناسب أزمانها نظرا للمناخ القبلى الذى كان سائدا، فإن تلك الكتابات تعتبر نشازا بل خروجا على أصول الشرع الحنيف المؤسس على قيم الشفافية والشورى والعدالة الناجزة والفصل التام بين سلطتى التنفيذ والقضاء وأهمية الفصل بين التشريع والقضاء.


ــ2ــ


لكن قرون الضعف والتمزق وغرور الأنفس والطموح الذى تحول إلى طمع والسقوط فى هاوية «طاعة ولى الأمر» دون ضوابط، واعتبار المخالف للأمير خارج من ربقة الدين، وكأن الأمير – مهما كان ــ ظل الله فى الأرض.. وكل ذلك يجافى النص القرآنى ((..أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ))، فالمسلم مأمور أن يطيع «أولى الأمر» جمع، وليس «ولى الأمر». وأمر الأمة مركز تتعدد محاوره: (التخطيط والتدبير/ التشريع/ القضاء/ التنفيذ/ الرقابة/ الدفاع والقوة/ التحكيم الأعلى (الدستورية)/ الدعوة)، هذه الروافد هى مجموع «الأمر»، فلا طاعة لأحد دون توافق وتكامل بقية الروافد. وأخيرا، فالقرآن يقول: ((...مِنْكُمْ)) ولم يقل ((عليكم))، فالواضح المفهوم أن رءوس تلك الوظائف الثمانى لابد وأن تتبوأ مكانتها بانتخاب من قواعدها ثم يكون الجميع حاملين لشئون ومصالح الرعية وليس سلطة وسلطان عليها. وحينما يؤسس الفقه على قيم القرآن ومقاصده المجمع عليها سوف يرتقى الفقه الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، وسيكون ــ إن شاء الله ــ هو السبب الأكبر لالتحاق الآخرين بحضارة الإسلام.


ــ3ــ


هكذا تجولت المذهبية من نعمة تأخذ بيد الجميع لتحقيق ممارسة صحيحة وفاضلة لتعاليم الدين فتحولت إلى عصبية مقيتة تحابى الخلل والفساد وتكرس الاستبداد، وتعلى من شأن الحاكم ومن حوله بقدر ما تجور على الأمة وتسلبها حقوقها المشروعة ــ هكذا وقع مفتى كل حكومة فى هاوية تبرير أهواء الأمير وشيعته، وأصبح دوره البحث عن أى رواية ولو ضعيفة، وأى رأى فى مذهبه أو أى مذهب آخر، ربما فى أى قول آخر لينصر الحاكم متوهما أنه بذلك يصنع الاستقرار، ولا يدرى أنه يراكم الخطايا ويزيد فى الضغط على أعصاب الرعية ضغوطا تعجل بالثورة وتخرج المسألة من الحوار والتبادل المواقع وتداول الوظائف فتحولها إلى صراع يرى كل طرف فيه تصفية الطرف الآخر ومحقه، وتلك هى الحالقة أن يتحول الاجتهاد إلى خلاف ثم إلى نزاع ثم إلى صراع ينتهى بمصرع طرف أو إقصائه وبتفرد طرف آخر دون رقابة أو مراجعة.


ــ4ــ


وبالغ بعض السفهاء الذين يدعون تمسكهم بمذاهبهم مبالغات تشمئز منها النفوس والقلوب حتى إنهم يرفعون أقوال المذهب إلى مستوى القرآن والسنة!! بل إن بعضهم زعم أكثر من ذلك وهم لا يدرون أن أى إنسان تمسك بمذهبه ــ مهما كان ــ فقد حول المذهب إلى دين واستغنى به عما أنزله الله، ويحفظ التاريخ موجات سفيهة من التجهيل والتفسيق والتبديع، بل والتكفير، لا لشىء إلا تعصبا لمذهبهم الذى يجلب لهم المنافع، أو الذى يعجزون عن مقارنته بغيره.


ــ5ــ


والآثار السيئة لتلك العصبيات ما زالت تسيطر على دول وحكومات وجماعات وجمعيات، وكل هؤلاء لا يرضون الإقرار بأنه ما عدا الأنبياء فجميع البشر غير مصومين، وما خلق الله من أوتى وحده العلم الكافى!! ولا التفرد بالحكمة الكافية، ويكفى فى ذلك أمر الله للنبى الرسول الخاتم: ((وَقُل رَبِ زِدْنِى عِلْما))، فماذا يقول هؤلاء الزعماء؟ وماذا يقول أتباعهم؟ وماذا يقول الضعفاء أمثالنا؟ 
نقول لأنفسنا قبل غيرنا: الأصل الثابت لا إسلام ولا إيمان بغيره هو القرآن الكريم وما يتبعه من الصحيح المشهور من البيان النبوى، أما ما عدا ذلك فكل الناس بشر يؤخذ منهم إذا اقتنعنا ويرد عليهم فيما لا نقبله.. فهذا ديننا رفض من رفض وقبل من قبل.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات