ورشة البحرين - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ورشة البحرين

نشر فى : السبت 29 يونيو 2019 - 9:00 م | آخر تحديث : السبت 29 يونيو 2019 - 9:00 م

يتردد المراقب كثيرا فى الكتابة عن الورشة التى انعقدت فى المنامة، عاصمة البحرين، فى الأسبوع الماضى، يومى 25 و26 يونيو لعرض المستقبل الاقتصادى الباهر الذى ينتظر الفلسطينيين لو طبقت الخطة «الطموحة» التى عكف على وضعها فى السنتين الماضيتين صهر الرئيس الأمريكى ومستشاره جاريد كوشنر. التردد له سببان، الأول أن هذه المساحة من «الشروق» سبق وأن تناولت الموضوع قبل انعقاد الورشة بشهر كامل، ولا يصح تكرار الكلام، والثانى هو عدم منح الورشة أهمية لا تستحقها. ومع ذلك، فإن التصدى للورشة بعد انعقادها تحت اسم «السلام إلى الرخاء» قد يكون فيه بعض الفائدة، حيث إن هذا الانعقاد قد أكد تهافت المقاربة التى تمثلها الورشة لإرساء السلام فى الشرق الأوسط.

***
أول بيان على تهافت المقاربة هو الوثيقة التى صدرت فى طباعة أنيقة قبل الورشة مباشرة، وتضمنت خطة التنمية التى تنتظر الفلسطينيين، وستؤدى إلى رخائهم، خطة تصل استثماراتها إلى 50 مليار دولار، ستنفذ فى الضفة الغربية لنهر الأردن وفى قطاع غزة، وبعضها كذلك فى مصر والأردن ولبنان. هذه الخطة وهذه المقاربة كلها يراهما السيد كوشنر جديدتين تماما ومنطقهما يكمن فى فشل كل المحاولات السابقة لحل القضية الفلسطينية وتسوية الصراع العربى الإسرائيلى. يكفى للدلالة على سخف هذا الكلام التعليقات التى صدرت عن الخطة فى الصحافة الدولية بما فى ذلك الأمريكية والفرنسية بل والإسرائيلية نفسها. صحيفة «لو موند» الفرنسية سخرت من الخطة معتبرة أنها يمكن أن تكون مرشحة للقب «التحفة الفريدة»! الصحيفة رأت أنه على الرغم من ادعاء الجدّة، فإنه لا شىء جديد فى الخطة، فهى ليس إلا تجميعا لأفكار قديمة، بعضها طبّق فعلا. العناوين التى جاءت فى الخطة والمصطلحات المستخدمة هى تلك الرائجة فى دوائر التنمية فى الوقت الحالى، على شاكلة «تحرير الطاقة الاقتصادية»، و«تمكين الشعب الفلسطينى»، و«تحسين الحوكمة». حتى الصور الجميلة التى زيّنت الخطة المطبوعة هى لفلسطينيين مستفيدين من مشروعات طبقت فى السابق، والمفارقة ووجه السخرية والتناقض أنها مشروعات نفذتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، نفس الوكالة التى قطعت عنها إدارة الرئيس الأمريكى الحالى كل أوجه التمويل، وبعضها مولته وكالة التنمية الأمريكية الرسمية التى أصدرت الإدارة الأمريكية تعليمات لها بعدم تمويل مشروعات فى فلسطين.

الأهم من هذا وذاك فى رأى الصحيفة الفرنسية، التى شبّهت الوثيقة المطبوعة بمطوية إعلانية، هو أن الخطة لم يرد فيها ولو مرة واحدة مصطلح «الاحتلال»، وكأنما الاحتلال ليس هو المسئول عن خنق الطاقة الاقتصادية الفلسطينية. تساءلت الصحيفة كيف يمكن أن تعد الخطة بإدخال أحدث تقنيات الهواتف المحمولة «5ج» بينما لم يوافق الجيش الإسرائيلى الذى يحتكر الترددات فى الأراضى المحتلة على العمل بتقنية «3ج» إلا مؤخرا وبعد 12 عاما من المساومات. وهى تساءلت أيضا كيف يمكن مطالبة الفلسطينيين بحماية أفضل للملكية الخاصة من أجل تشجيع الاستثمارات فى الوقت الذى يشكل فيه المستوطنون اليهود أكبر خطر على هذه الملكية الخاصة التى يغتصبونها.

صحيفة «جيروسالم بوست» الإسرائيلية نفسها، وهى صحيفة يمينية، بدورها وصفت الخطة يوم 25 يونيو بالمطوية أو بالوثيقة الجذابة التى لا تجىء إلا بالعموميات متسائلة عما هو جديد فيها. فى تحليل مسهب ينتقد الخطة، تعجبت الصحيفة الإسرائيلية من غياب أى ذكر لإسرائيل فيها، واعتبرتها كما الفيل الذى يعرقل التجارة وسيادة القانون. لم تذكر الصحيفة الإسرائيلية «الاحتلال« صراحةً كمصطلح، ولكنها أشارت إلى سيطرة إسرائيل على المنطقتين «أَلِف» و«باء» فى الضفة الغربية وإلى أن أراضى السلطة الفلسطينية فيها ليست إلا جيوبا، وهو ما يستفاد منه لأن اسرائيل تفصل هذه الجيوب عن بعضها البعض عندما تشاء وبالتالى لا يمكن أن ينشأ منها سوق فلسطينى واحد، والسوق الواحد ذو الحجم المعقول هو الشرط الأول الذى لا غنى عنه لتنمية الإنتاج والتجارة. «لو موند« الفرنسية اعتبرت فى افتتاحيتها يوم 26 يونيو أن ما يميز خطة كوشنر هو تجاهلها الفاضح لحق الفلسطينيين فى تقرير المصير وأنها تستبدل بمبدأ الأرض مقابل السلام مبدأ المال مقابل السلام. وهى ختمت افتتاحيتها بالكلمات الآتية حرفيا: «خمسون مليار دولار مقابل تنازل الفلسطينيين عن دولة جديرة بهذه التسمية. وإن كانت كلمة «الاحتلال« لا ترد فى خطة كوشنر، فإن ذلك لأنها تريد إدامته«. لا «لو موند« صحيفة مناهضة للسلام، ولا بالتأكيد «جيروسالم بوست« معادية لمصالح إسرائيل.

***
التعليق الثانى بشأن الورشة خاص بالمشاركين فيها. السلطة الفلسطينية لم تكن موجودة. بخلاف الدولة المضيفة، البحرين، لم تحضر إلّا خمس دول عربية هى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتمثيل وزارى، ومصر والأردن والمغرب بتمثيل دون وزارى. من بين دول الخليج، بخلاف قطر، لم تحضر الكويت ولا حتى عُمَان التى استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلى منذ شهور. الحكومة الإسرائيلية لم تحضر إذ يبدو أن الراعى الأمريكى استشعر «حرجا« من حضورها فى غيبة أى ممثل للشعب الفلسطينى. دوائر الأعمال الفلسطينية المفترض أن تكون الشريكة فى تنفيذ الخطة لم تحضر هى الأخرى باستثناء رجل أعمال واحد لا يمكن اعتبار أنه مثلها، وهو على أى حال منعدم الثقة والمصداقية فى فلسطين. لا داعى لاستعراض كل الحضور ولا جدوى من ذلك، ولكننا نتوقف عند ثلاثة منهم فقط للدلالة على أن المنظم الأمريكى كان متلهفا على أى حضور لإعطاء ورشته هالة لا تستحقها. الخطة قدّمت على أنها مقاربة جديدة تماما ومع ذلك، وفى تناقض يدركه أى مبتدئ، دُعِيَ إلى الورشة وحضرها تونى بلير، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق ومندوب الرباعية، المكونة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، راعية «عملية السلام«، لمدة ثمانى سنوات فيما بين 2007 و2015 والذى فشل فشلا ذريعا فى مهمته ولم يدافع عن الشعب الفلسطينى عندما تعرض للتنكيل الإسرائيلى بل والحرب فى غزة. المشارِكة الثانية اللافتة للنظر هى كريستين لاجارد، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولى. هى شخصية مرموقة بالفعل بحكم منصبها، ولكن ما هى علاقة منصبها بالورشة وموضوعها؟ ما علاقة صندوق النقد الدولى بهما؟ البنك الدولى والبنوك الإقليمية يمكن أن تكون لها علاقة بهما لأن وظيفتهما الاستثمار فى التنمية. ولكن الوظيفة الأساسية لصندوق النقد الدولى هى مراقبة الميزانيات العامة وموازين المدفوعات والمساعدة بالقروض والمشورة الفنية على تحقيق التوازن فيهما. ما هى علاقة هذه الوظيفة بورشة تستعرض فرصا للاستثمار فى التنمية؟ لو كانت الدولة الفلسطينية قائمة أو حتى لو كانت السلطة الفلسطينية حاضرة لكان مفهوما حضور مديرة الصندوق حتى يقدم صندوقها النصح بشأن حدود الاقتراض الآمن والسياستين النقدية والمالية المتوافقتين مع هذا الاقتراض. ولكن لا الدولة موجودة ولا حتى السلطة. والحضور لم يخل من طرافة أيضا. دُعِيَ وشَرَّفَ الورشة بحضوره جيانى انفانتينو رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم! حتى التساؤل عن علاقة وظيفته بموضوع الورشة كثير عليه وعليها.

***
بدلا من ذلك، نتساءل عن الهدف من الورشة. ما الذى كان يسعى إليه السيد كوشنر؟ هل هو أن تتعامل الدول العربية مع إسرائيل؟ مصر والأردن والمغرب، والتى حضرت ثلاثتها بروا للعتب، والإمارات كذلك تتعامل علنا معها، والسعودية بشكل نصف علنى. ومصر والأردن معترفتان رسميا بها. هل كانت إضافة البحرين هى الهدف من الورشة؟ أم أن الورشة كانت بمثابة مؤتمر لإعلان دول مانحة أو القطاع الخاص عن تعهدات بالمساهمة المالية فى تنمية الأراضى الفلسطينية؟ لم يحدث شىء من ذلك فى الورشة ولم يُطلَب من المشاركين الإعلان عن أى تعهدات. إغراء الشعب الفلسطينى بمستقبل مزدهر حتى يسيل لعابه ويتنازل عن تسوية سياسية منصفة عندما يحين وقت التسوية هو الهدف الضمنى للورشة على ما يبدو. هذا الهدف، أقل ما يقال عنه، إنه مفرط السذاجة. سيئ النية الماهر لا يكون بهذه السذاجة! هدف ضمنى آخر خطر للبعض هو مجرد تحقيق التطبيع الإسرائيلى مع دول الخليج، ولكن الرد على ذلك هو أن نصف دول الخليج لم تكن موجودة، ثم إن تطبيع العلاقات الخليجية الإسرائيلية، إن كان ممكنا أصلا، ربما يكون أثره ماليا على السلطة الفلسطينية لبعض الوقت، ولكن لا أثر سياسى له، فدول الخليج، ومساندتها لدول المواجهة وللشعب الفلسطينى على مرّ العقود معترف بها ومحمودة، لم تكن فى يوم من الأيام طرفا مباشرا فى الصراع العربى الإسرائيلى مثلما كانت بحكم الجغرافيا المكانية والبشرية مصر والأردن وسوريا ولبنان بل وحتى العراق. الرد الأخير على افتراض هذا الهدف الضمنى هو أنه حتى إن تم بلوغه فهو لا يحقق لإسرائيل نفسها غايتها الصهيونية وهى أن تبقى دولةً الأغلبية فيها يهودية.

***
العيب هو فى مقاربة كوشنر بل وفى أسلوب الرئيس الأمريكى فى التفاوض عموما الذى يعتمد إهانة الخصم والتقدم باقتراحات غير واقعية، كما كتب مؤخرا واحد من أساتذة علم السياسة فى مدرسة الدراسات العليا فى العلوم الاجتماعية الفرنسية، ضاربا المثل بتعامله مع ملفات كوريا الشمالية والصين وفلسطين تحديدا، ومعتبرا أن هذا الأسلوب لا يمكن أن يؤدى إلى أى مفاوضات مثمرة.

ما العمل؟ الرجاء هو أن يكون واضحا الآن وبعد أربعين عاما أنه ليس صحيحا أن «99 فى المائة من أوراق اللعبة فى يد أمريكا». إن أصرت الولايات المتحدة على مقاربتها الساذجة والمجحفة وسيئة النية ولم ترجع عنها، فإنه لا بدّ من العمل الدبلوماسى على جبهة واسعة تشمل أول ما تشمل من سيضارون بعدم تسوية الصراع العربى الإسرائيلى، وخاصةً وأولا جوهره الفلسطينى، وهم كثر وعلى رأسهم دول الاتحاد الأوروبى القريبة جغرافيا، على عكس الولايات المتحدة، من بؤرة الصراع، جبهة تشمل القوى الدولية والإقليمية الكبرى، وكذلك الأطراف الإسرائيلية التى لم تزل مناصرة للسلام ولحل الدولتين. عمل دبلوماسى للتباحث والوصول إلى خطة منصفة تستند إلى مبادئ القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة، وتعتمدها الدول الأعضاء فى المنظمة الدولية. خطة مقبولة للشعب الفلسطينى، وللدول العربية، ولإسرائيل نفسها إن كانت تتوق فعلا لسلام تعيشه وتكفله هى للشعوب والدول العربية.

عندها سيحين وقت الحديث الواقعى عن الانتقال من السلام إلى الرخاء.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات