الإسلام كما أدين به
 - 33 - الأموال فى أبسط صورة - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 5:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 - 33 - الأموال فى أبسط صورة

نشر فى : الخميس 29 سبتمبر 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 29 سبتمبر 2016 - 9:51 م
يتفق العقلاء أتباع جميع الشرائع السماوية على أن الأموال جميعها (مباشرة وغير مباشرة)، (خام/ منتج/ مستعمل)، (نقدا/ عينا) كل ذلك فى أصله ملك للواحد الأحد الذى نعبده جميعا. كما نؤمن جميعا بأن الله قد تفضل علينا فوهب لنا حق حيازة جميع تلك الأموال، وحق الانتفاع بها إعمارا للأرض وتمكينا للإنسان من حياة كريمة. كما نؤمن جميعا أن التشريع الإلهى لامتلاك الأموال واستثمارها تشريع ضامن لتحقيق إرادة الله فى: 1ــ إعمار الأرض 2ــ تمكين الإنسان 3ــ إصلاح الإنسان 4ــ رفاهية وكرامة الإنسان. والأصول الشرعية العامة لاستثمار الأموال هى: أولا: السعى البشرى الدائم والمتنوع والمتجدد، ثانيا: استمرار البحث العلمى الرشيد فى جميع الاتجاهات، ثالثا: عدم اكتناز أى نوع من أنواع الأموال، رابعا: اتساع نطاق الإنفاق وعمومه وشموله، خامسا: أولوية البحث فى الأرض بجزئيها (يابس/ ماء).

ــ1ــ

فأول أصول استثمار الأموال هو قناعة جميع المؤمنين أنه لا حياة بغير عمل وسعى، عمل جاد مخطط منظم لاكتشاف خزائن السماوات والأرض، تلك الخزائن الإلهية التى أخبرنا خالقها سبحانه أنها خزائن آمنة تحتفظ بجميع أرزاق جميع المخلوقات من خلال متواليات ومتوازيات لا يعلم عددها إلا الله. وتستطيع أن تطمئن لذلك من خلال التعرف على أنظمة التناسل والتكاثر المودعة فى سائر الكائنات الحية (الحيوان بأنواعه والنبات بأنواعه)، ويزداد يقينك باتساع الأرزاق وكفايتها لجميع الخلق حينما ترى بعينيك علاقة الماء بالأرض!!! وتتبين حقيقة خروج جميع الكائنات الحية من الماء ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَ شَيْءٍ حَيٍ..)). وإذا نظرت إلى الأرض الصماء الميتة فتراها لا تكاد تحس بالماء حتى ((اهْتَزَتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِ زَوْجٍ بَهِيجٍ)). نعم فها هى الأرض الميتة أو الخاشعة سرعان ما نطقت بمظاهر ودلائل الحياة ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَة فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَ الَذِى أَحْيَاهَا لَمُحْيِى الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَهُ عَلَىٰ كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).

ــ2ــ

ولو تأملنا إشارات سريعة فى القرآن توجه عقولنا إلى تعدد واتساع الأرض وتكاثر منافعها فنحن أمام مؤشرات مهمة ((وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِ زَوْجٍ بَهِيجٍ)). فتلك الأرض ممتدة امتدادا لا نهائيا وفيها الرواسى (الجبال) وفيها السهول.. فهل تجود السهول بالنبات والزرع والأزهار وتبقى الجبال خالية ليس فى باطنها شىء؟! وحينما يطرق النشاط الزراعى باب الأرض نجد أنفسنا أمام شبكة ضخمة للبحث العلمى فى مجال الإنبات والزرع ((وَهُوَ الَذِى مَدَ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارا وَمِن كُلِ الثَمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى اللَيْلَ النَهَارَ إِنَ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَرُونَ * وَفِى الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الأُكُلِ إِنَ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)). ويزيد الأمر إيضاحا بقوله تعالى ((وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَاتٍ مِن نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَذِى خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَهَا مِمَا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَا لا يَعْلَمُونَ)). هكذا يربط القرآن بين الخيرات الكثيرة فى الأرض وبين إمكانية الانتفاع بها من خلال الشرط ((..وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ..)) ليبين لنا أهمية العمل البشرى، فالعمل الجاد هو الشرط فى استخراج خيرات الأرض وهو الدليل العلمى على حياة الإنسان. فهل نالت الأرض حقها فى المجال الزراعى فقط؟ ألا ما أكبر الأرض وما أبعد اتساعها وعظيم امتدادها، لكن البشر – خصوصا فى بلاد المسلمين ــ يزاحم بعضهم بعضا فى رقعة ضيقة من الأرض ويرفعون أصواتهم من شكوى الفقر!!! هل عجزت الأرض أو بخلت بعطائها؟ أم أن الإنسان هو الذى تخلى عن دوره وعن واجبه فى السعى والعمل ((..وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ..)). واقرأ قوله تعالى ((أَلَمْ تَرَ أَنَ اللَهَ أَنزَلَ مِنَ السَمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى الأَرْضِ ثُمَ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعا مُخْتَلِفا أَلْوَانُهُ ثُمَ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرا ثُمَ يَجْعَلُهُ حُطَاما إِنَ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِى الأَلْبَابِ)).

ــ3ــ

كل العقول الراشدة تشهد باتساع الأرض وربما بصلاحها ليس لإقامة البشر فحسب، بل لإقامتهم ومصالحهم وطعامهم وشرابهم وسائر مطالب حياتهم. وصلاحية الأرض للزراعة واستخراج الخيرات دليل على ذلك. فجميع أركان الإنتاج الزراعى قد أتاحها الله ووفرها، لكن تلك الأركان لا تعمل ولا تنتج بغير شرط واحد هو ((..وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ..)) أى العمل. والعمل البشرى ليس عملا عشوائيا، بل هو عمل منظم يقوم على الحصر والإحصاء والعد والتجريب والتجديد، وتواصل البشر وتكاملهم. فأين سياسات الحكومات؟ وأين عقول القوى الراغبة فى السيطرة على البشر والأوطان؟ بل أين أموال المستثمرين التى أعارها الله لهم؟ بل أين هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسله وهجروا الزرع والضرع وراحوا يصنعون للبشرية الويلات والدمار؟
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات