سنة 3 ثورة 2 ــ القضاء - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سنة 3 ثورة 2 ــ القضاء

نشر فى : الجمعة 29 نوفمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 29 نوفمبر 2013 - 10:17 ص

هيا بنا نصارح أنفسنا بشأن ثورتينا 2011 و2013 هل هما ثورات أم فورات أم انقلابات ناعمة إلخ؟ وكذلك هل العيب فى فئة بعينها أم فى جميع مؤسسات الدولة؟

(1)

هل العيب فينا ــ نحن المصريين ــ؟ ليس ذلك ببعيد، بسبب التوجيه السياسى الضاغط دائما ــ البديل للتربية الصحيحة ــ طول العهود جعلنا «أدوات تلقى الأفعال» دون تفكير، ونتفاعل معها فى غير الاتجاه الصحيح، وننتهى إلى رد فعل «لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ» بسبب «الحشد والتوجيه» فقد اعتاد القوم أن يجتمعوا بعشرات الآلاف وأكثر، ليس لمشاهدة المباراة والاستمتاع بها، ولكن لمناصرة فريقه ودعمه للفوز (أيا كان مستواه الفعلى ومستوى تدريبه ولياقته، ومدى تمتع اللاعبين بروح الفريق)، فنحن ــ المشجعين ــ لا يعنينا إلا (مناصرة من نتعصب له ولو أساء، وإرهاب وتسبيط الآخر ولو أحسن)، بل إننا جميعا ــ معشر المشجعين ــ قد تسلحنا بمهارة أفظع ندافع بها عن عصبيتنا، حيث نسارع باتهام الحكم ومساعديه ما لم يعلنوا فوز فريقنا دون حق.

(2)

فقد تورط الجميع ــ دون استشناء ــ فكلنا يشيد بعدالة القضاء ونزاهته حينما ينطق القاضى بما يرضينا، أو يكون موضوع القضية لا يعنينا. أما إذا نطق القاضى بما يغضبنا فعلى الفور تبدأ سلسلة معارك من رفض الحكم إلى اللوم إلى التشكيك، وحتى التجريح.

هكذا تحولت حياتنا كلها إلى نمط المشاهدين والمشجعين دون تفكير أو تحقيق.

هكذا قد أصبنا أنفسنا فى مقتل حينما توافقنا جميعا ــ ومعنا بعض القضاة ــ على معاملة القضاء على قدر رضانا بالأحكام واهتمامنا بها. فالقضاء ــ فى القانون الوضعى والشرعى ــ هو «سيف العدالة النزيه» الذى يجب على الجميع ــ عدم مواجهته ــ كما يجب الاستسلام له ــ ما دام القضاء على تطهير ثوبه وتعديل مساره وحماية كبريائه

فالقضاء جزء من القدر. فق وجد القضاء وظهر من فطرة الإنسان التى تفرض أن يحتكم الناس إلى غير أنفسهم، فلا يصح عقلا ولا شرعا أن يقضى الإنسان لنفسه، فمن أين تسربت إلينا تلك الكارثة الحالقة؟!

(3)

فصانعوا الدساتير المصرية المؤقتة ومعها دستور 1971 قد تواطئوا على إنزال القضاء من عليائه، سواء باختصار نصوص السلطة القضائية فى الدستور ــ ليتولى الحكام تفسيرها ــ أو بإهمال تحديد «مصدر السلطة القضائية». حتى لقد حاولوا مرة من المرات جعل القضاء «مرفقا من مرافق الدولة» علما بأن اصطلاح «المرفق» ــ فى القانون الإدارى ــ خاص بـ«المصالح التنفيذية الحكومية» وربما المحليات. ومرات قرروا تزييف وتزيين فسادهم من خلال ابتكار ما يسمى بـ«القضاء الشعبى»، وقمة ما وصل إليه هذا الإفساد أن صدر دستور 1971 ــ قبل أى تعديل ــ ينص على «لرئيس الجمهورية حق إنشاء هيئات قضائية»! هكذا كما لو كان ينشئ حديقة يتنزه فيها الشعب أو مرفق لمياه الشرب.

(4)

لماذا تغول صانعوا الدساتير المصرية على القضاء ظاهرا وباطنا؟ والتغول الباطن له من الألوان والأساليب ما يعجز عن رؤيتها كثير من الناس، فمن تدخل وزارة العدل ــ وهى كسائر الوزارات وزارة حزبية ــ فمن اختيار رؤساء المحاكم الابتدائىة، إلى إطلاق سلطة رؤساء المحاكم فى التقديم والتأخير والتبديل، وكلنا لا ينسى النص القديم على إنفراد رئيس الجمهورية بتعيين النائب العام، كما لا ننسى ــ بلوتنا ــ حينما حاولنا الخروج من الخطأ فجعلناه خطيئة، وكذلك إلى ترك مسئولية (تحقيق الأدلة الجنائية) للشرطة وهم الذين يجمعون الأدلة، وكان الواجب أن يتولى القضاء بنفسه قبل غيره تحقيق الأدلة الجنائية فى مؤسسة تابعة للمجلس الأعلى للقضاء.

(5)

هل «القضاء» ــ مع بالغ تقديرنا ــ ناله بعض ما أصاب بلادنا من ثغرات؟ هل ناله الإرهاق الإجهاد بسبب مذابح القضاء على يد الحكومات؟

وهذا الإرهاق يلزمه تحليل علمى لاستخراج الأسباب، ووصف العلاج الملائم ليسترد القضاء مكانته. هل هذا الشد والجذب بين الأطراف المتعددة أظهر عيوبا فى بعض الرموز المتحركة على الساحة، إذ رأى الناس بقعا فى ثوب القضاء ما كان ينبغى أن تطوله، كيف وجدت هذه البقع التى تجرح حيدة القضاء ونزاهته ووقاره وتستدرجه خارج عرينه.

فالقضاء جزء من قدر المجتمع ــ وأقدار المجتمعات لابد وأن يكون فوق مستوى الشبهات. وقد تعلمت هذا المبدأ من أساطين القضاء المصرى فى حادثة خلدها التاريخ، حيث حاول بعض المتقاضين منح رشوة لقاض لم يكن فوق مستوى الشبهات، لكن القاضى قد وفقه الله فرفض الرشوة، وأحال الراشى للمحاكمة، ومع ذلك فإن «حراس القضاء المصرى» كان لهم رأى آخر رغم عدم خطأ القاضى، فقد قالوا: «لولا أنهم استشعروا إمكانية قبولك للرشوة، ما عرضوها عليك» هكذا ينبغى أن يكون للقضاء بعامة ورموزه بخاصة صورة ذهنية حقيقية لدى الناس تؤكد أنهم فوق الشبهات.

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات