العربى( أمينًا على الجامعة) - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 28 مايو 2024 5:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العربى( أمينًا على الجامعة)

نشر فى : الخميس 30 يونيو 2011 - 8:50 ص | آخر تحديث : الخميس 30 يونيو 2011 - 8:50 ص
تشهد هذه الأيام الصعبة انتقال مسئولية الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من السيد عمرو موسى إلى الدكتور نبيل العربى. تمكن العربى فى مدة قليلة للغاية من أن يكتسب ثقة المصريين والعرب. كان مصدر هذه الثقة المواقف الصريحة الواضحة التى جعلت أنصار الثورة المصرية يطمئنون إلى أنه خير معبر عن توجهاتهم، والمتطلعين من العرب إلى استعادة مصر دورها العربى يتحمسون لمواقفه كونها تمثل البداية الصحيحة لعودة هذا الدور الذى غاب منذ عقد السلام مع إسرائيل فى نهاية سبعينيات القرن الماضى، وكان لغيابه ما كان من آثار مدمرة على النظام العربى وأمنه.

كان الرجل يصرح بمواقفه ببساطة مذهلة تعكس إيمانه بما يقول، فعلى الرغم من أننا ملتزمون باحترام معاهدة السلام مع إسرائيل إلا أننا ــ وفقا للدكتور العربى ــ قد خلطنا بين «تطبيع» العلاقات معها وبين «تدليلها». هكذا عبر الرجل بحق عن الخلل الذى ألم بالسياسة الخارجية المصرية، كما أن الحصار على غزة هو ببساطة جريمة حرب ينبغى لمصر ألا تشارك فيها. أحس المواطن «بالألفة» مع هذه المواقف التى تألم طويلا لغيابها، وتأذى من تبريرات المنافقين لسياسة خارجية شوهاء انفصمت تماما عن هذه المواقف. كذلك فإن أيام «العربى» القصيرة فى الخارجية المصرية توجت الجهود التى بذلتها بالتعاون مع جهاز الأمن القومى المصرى من أجل مصالحة فلسطينية بعد أن نزعت السياسة المصرية عن نفسها شبهة «التحيز» فى جهود المصالحة.

●●●

لم تكن هذه المواقف غريبة على تاريخ الرجل، فالدكتور نبيل العربى كان هو الدبلوماسى الشاب الذى تحفظ على بنود اتفاقيتى كامب ديفيد، وقدم للسادات بالنيابة عن زملائه الذين شاركوه موقفه مذكرة بهذا المعنى، وهى المذكرة التى قابلها السادات باستخفاف بالغ على أساس أنه «رجل الدولة» الوحيد، أما هم فتشغلهم التفاصيل الصغيرة عن الهدف الاستراتيجى.

كما كان الدكتور نبيل العربى مقررا للجنة القومية التى شكلها رئيس الوزراء فى 1985 برئاسة وزير الخارجية من مجموعة من خيرة أبناء مصر من أساتذة القانون والجغرافيا والمؤرخين والخبراء العسكريين وخبراء المساحة والدبلوماسيين وذلك للاستعداد لمعركة استرداد طابا بالوسائل القانونية والدبلوماسية. وعندما انتصرت مصر فى هذه المعركة لم ينسب الرجل شيئا لنفسه، وقد حضرت فى حينه ندوة أقامها مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة وشاهدت بعينى الرجل وسمعته وهو ينكر ذاته تماما وينسب الفضل للآخرين من أعضاء اللجنة، وكم تأثرت يومها بحديثه عن الأستاذ الدكتور حامد سلطان الذى اختارته مصر ممثلا لها فى محكمة التحكيم وهو ينقل عنه قوله للعربى، إحساسا منه بتقدم العمر: «لا تتردد فى عزلى إذا رأيت فى أدائى اهتزازا أو تقصيرا».

توجت مسيرة الرجل الدولية باختياره لتولى أرفع منصب قضائى دولى قاضيا بمحكمة العدل الدولية، ودعيت آنذاك لحفل محدود لتكريم الرجل، وبخفة ظل قد لا يكتشفها الآخرون فى شخصية العربى بسهولة قال إن هذا الحفل هو احتفال «بإحالته إلى المعاش» فى إشارة غير خافية إلى ما تعانيه المحكمة من ندرة القضايا التى تعرض عليها، ومع ذلك شاءت الظروف أن يُطلب رأى المحكمة فى شرعية الجدار العنصرى الفاصل الذى تبنيه إسرائيل داخل الأراضى الفلسطينية وأن يكون له إسهامه فى استصدار الفتوى الخاصة بعدم شرعيته.

●●●

بلغ الإعجاب به فى مصر إلى حد رواج نظرية «المؤامرة» عندما اختير أمينا عاما للجامعة، ووفقا لهذه النظرية فقد رفع إلى هذا المنصب كى يتم الخلاص من توجهاته التى ذهبت بعيدا، وقد سئلت عن هذا الأمر فى ندوتين ومحاضرة، وأجبت بأن الرجل كان يعبر عن فكر الثورة، وأن موضوع المؤامرة هذا يستحيل إثباته على الأقل بالنسبة لى، وأنه قد آن الأوان لأن نتوقف عن هذا الأسلوب فى التفكير على أننا «مفعول به» دائما، ومن ثم فإنه بافتراض أن نظرية المؤامرة صحيحة يتعين على قوى الثورة أن تكون ضامنة لاستمرار التوجهات التى عبر عنها نبيل العربى.

أما العرب فقد تصادف أن قابلت منهم نفرا غير قليل من النشطاء والباحثين داخل مصر وخارجها، ناهيك عن طلاب معهد البحوث والدراسات العربية الذين ينتمون إلى كل الجنسيات العربية، وقد جمع الإعجاب بالرجل الكافة، إلى الحد الذى نسب له البعض «أعمالا خارقة»، فهو الذى يقف خلف تفجير الأنبوب الذى يمد إسرائيل بالغاز المصرى حسما لهذه النقطة السوداء فى السياسة الخارجية المصرية، وهو ــ بعد أن فتح معبر رفح لعبور الفلسطينيين ــ يشرف على عمليات تهريب السلاح للمقاومة، وهكذا. وقد حاولت أن أوضح أنه حتى بافتراض صحة ما يقولون من وقائع فإنها ليست ضمن مسئوليات الرجل، وإنما هى تتصل بصميم عمل جهاز الأمن القومى، لكن الإعجاب بالرجل كان قد بلغ مداه، وتغنى البعض باسمه باعتباره «نبيلا» و«عربيا»، واعتبروه كفيلا بأن يقيل الجامعة من عثرتها فى الظروف الراهنة.

●●●

فى السابق كان ناقدو الجامعة يركزون على عجزها عن مواجهة المخاطر التى تحدق بالأمن القومى العربى، أما الآن فإن الصورة أكثر تعقيدا بكثير، فالجامعة تمر بمنعطف تاريخى يشهد صحوة للشعوب العربية فى مطالبتها بالتغيير، وقد نجح بعض هذه الشعوب فى إسقاط نظمه الاستبدادية فيما استخدمت النظم القائمة عنفا مفرطا فى الحالات الأخرى، الأمر الذى وضع الجامعة فى مأزق أخلاقى وسياسى، أما المأزق الأخلاقى فمرجعه أن «بيت العرب» لا يصح أن يقف متفرجا على ما يحل ببعض العرب من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وأما المأزق السياسى فلأن الجامعة لو وقفت فى صف الشعوب ثم نجحت النظم فى وأد المطالبة بالتغيير سوف تواجه إما بانسحاب هذه النظم منها، أو على الأقل ثورتها العارمة عليها، والأمر نفسه سوف يحدث لو أنها وقفت فى صف النظم وسكتت عن ممارساتها ثم انتصرت الشعوب. وفى كل الأحوال من الواضح أن الجامعة مقبلة على استقطاب جديد، وسوف يكون هذا الاستقطاب أخطر من أى استقطاب آخر واجهته الجامعة لأنه يتعلق بصميم الشئون الداخلية ذات الصلة بشرعية النظم.

ناهيك عن أن يصل «التيار الإسلامى» إلى الحكم فى عدد من البلدان العربية، فهنا سوف تواجه الجامعة بموقف جديد عليها تماما فى ظل وجود قوى داخلها ذات أيديولوجية واضحة تصل إلى الحكم ولا يدرى أحد يقينا كيف ستنعكس هذه الأيديولوجية على سياستها الخارجية.

يواجه الدكتور نبيل العربى مهمة بالغة المشقة وهو يمسك بدفة الجامعة العربية فى هذا البحر متلاطم الأمواج، ويحسن الكثيرون الظن به إذ يتصورون أنه بخبراته العديدة وسجاياه المتميزة قادر وحده على قيادة سفينة العمل العربى المشترك. والواقع أننا نظلمه كثيرا بهذا التصور، فتطوير الجامعة يحتاج إلى رؤية عربية تنبثق من قواسم مشتركة يمكن لها أن تتجاوز الخلافات القائمة، وجهد عربى جماعى من أجل وضع هذه الرؤية موضع التنفيذ، لكن الأمر المؤكد فى ولاية العربى أمانة الجامعة أنه رجل لا يقول إلا ما يعتقد أنه الصواب، ويخلص فى جهده من أجل الوصول إلى هذا الصواب، ولا يناور بشأنه أو يساوم عليه. مهمة بالغة المشقة دون شك فى منظمة كالجامعة العربية لا نملك إزاءها إلا الدعاء له بالتوفيق ودعوة كل صاحب رأى إلى مساعدته على الوصول بالسفينة إلى بر الأمان.

 

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية