أعلى درجات النفاق الأوروبى - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 12:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أعلى درجات النفاق الأوروبى

نشر فى : الإثنين 30 أكتوبر 2023 - 9:25 م | آخر تحديث : الإثنين 30 أكتوبر 2023 - 9:25 م
من الملاحظات المثيرة للانتباه لمن يتابع جريمة الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد قطاع غزة هى نفاق عدد كبير من البلدان الأوروبية والغربية.
العديد من المسئولين الغربيين جاء على عجل إلى فلسطين المحتلة ليس ليطالب إسرائيل بوقف عدوانها المفتوح، ولكن لتأكيد تضامنه معها، وبعد نهاية الزيارة يتحرك بالسيارة إلى رام الله ليقابل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «أبو مازن» ويؤكد له أن بلاده تطالب بإدخال المساعدات لغزة وترفض استهداف المدنيين، بل وتطالب بحل الدولتين!!!
لماذا بدأت كلامى بوصف السلوك الأوروبى بالنفاق؟
شخصيا لم أكن أتخيل أن تكون المشاعر والمواقف الأوروبية والأمريكية شديدة التحيز بهذا الشكل لإسرائيل.
كنت أتعامل مع عبارة أن إسرائيل هى الولاية رقم ٥٢ فى أمريكا باعتبارها مبالغة يقصد بها تصوير مدى الدعم الأمريكى لتل أبيب. لكن اكتشفت أن إسرائيل ربما تكون أهم من بعض الولايات المتحدة، خصوصا بعد أن أطلق جو بايدن عبارته الحاسمة والقاصمة وهى: «لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها». ونعلم أن وزير خارجيته أنتونى بلينكن حينما جاء باكيا إلى إسرائيل قال عبارته التى ستدخل تاريخ هذا الصراع وهى: «جئت إليكم اليوم باعتبارى يهوديا وليس باعتبارى وزيرا للخارجية الأمريكية»!
ونعرف أن قادة الدول الأوروبية الكبرى خصوصا البريطانى ريشى سوناك والألمانى أولاف شولتز والفرنسى إيمانويل ماكرون قد تقاطروا إلى إسرائيل وكأنهم جاءوا إلى رحلة حج دينية «لكى يواسوها فى مصابها الجليل ويخففوا عنها الآلام».
هؤلاء القادة جاءوا ليس فقط لمشاطرة المشاعر النبيلة مع الإسرائيليين ولكن ــ وهذا هو الأهم ــ ليعلنوا دعمهم الكامل لها، ليس بالألفاظ فقط ولكن بالأفعال.
أمريكا فتحت خزانتها ومخازن أسلحتها ونشرت قوات ومنظومات دفاع جوى وأرسلت حاملتى طائرات إلى سواحلها لردع أى طرف يفكر فى المشاركة فى القتال ضد إسرائيل خصوصا إيران أو القوى المؤيدة لها.
الأمريكيون والأوروبيون جاءوا إلى مؤتمر القاهرة للسلام يوم السبت قبل الماضى ليقولوا رسالة موحدة: «نحن مع إسرائيل وندعم حقها الكامل فى الدفاع عن النفس ولابد من إدانة المقاومة الفلسطينية بصورة واضحة، وبسبب ذلك لم يصدر بيان ختامى عن المؤتمر، لكن الفائدة المهمة أنه كشف لنا عن حقيقة المواقف الأوروبية والأمريكية بصورة سافرة.
ظنى أن الموقف الأمريكى كان أكثر شجاعة فى إعلان موقفه الصريح، فى حين أن العديد من البلدان الأوروبية مارست نفاقا رخيصا.. سوف يسأل البعض: وما هو هذا النفاق؟!
الإجابة أن أى مسئول أوروبى صغيرا كان أو كبيرا من الذين زاروا المنطقة منذ عملية «طوفان الأقصى»، ذهبوا بكل قلوبهم وعواطفهم ومشاعرهم إلى إسرائيل للتضامن معها بكل جوارحهم وتقديم كل ما تحتاج إليه.
بعدها ينتقلون إلى رام الله لمقابلة محمود عباس، أو يأتون للقاهرة لمقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسى وعمان لمقابلة العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى أو أى عاصمة عربية أخرى. وفى العواصم العربية يحاولون تخفيف انحيازهم الفج بالمطالبة بهدنة إنسانية لإدخال المساعدات الإغاثية وعدم استهداف المدنيين، رغم أنهم قبلها بدقائق كانوا يعلنون بكل صلف أنهم ضد وقف إطلاق النار لأنه سيؤدى إلى أن تعيد فصائل المقاومة تنظيم نفسها. وقد ترجموا ذلك عمليا فى استخدام حق الفيتو ضد مشروع القرار الروسى فى مجلس الأمن.
حينما يزورنا المسئولون الأجانب يقولون إنهم لايزالون يؤيدون حل الدولتين. لكنهم لا يقولون كيف سنطبق حل الدولتين على الأرض، ماداموا يدعمون إسرائيل لتهويد كل الأرض المحتلة؟!
ومن المثير للدهشة أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وحينما زار رام الله يوم الثلاثاء الماضى، عقب زيارته لتل أبيب، قال إنه يطالب إسرائيل بألا يتعرض المستوطنون للسكان الفلسطينيين، ولم أسمع أى مسئول فلسطينى يصحح له الأمر بأن وجود المستوطنين غير شرعى ولا يحق لهم أن يتواجدوا فى الضفة الغربية من الأساس.
مرة أخرى عدوان «السيوف الحديدية» الإسرائيلى كشف لكل السذج والبسطاء والمخدوعين العرب حقيقة المواقف الأوروبية والغربية على أرض الواقع.
أتصور أنه صار مطلوبا من كل العرب حينما يقابلون نظراءهم الأوروبيين أن ينظروا فى عيونهم، ويقولوا لهم بصريح العبارة: أنتم منحازون.. بل أنتم مشاركون فعليا فى العدوان، والشعوب العربية لن تسامحكم مثلما لم تسامح آباءكم وأجدادكم الاستعماريين.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي