أحمد حرارة .. حكم لا يحتاج إلى مداولة - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحمد حرارة .. حكم لا يحتاج إلى مداولة

نشر فى : الأحد 30 نوفمبر 2014 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 30 نوفمبر 2014 - 7:08 ص

لاعتبارات الطباعة والنشر المعروفة، كان علي أن أكتب هذا المقال صباح الجمعة / الفقاعة (٢٨ نوفمبر)، ولا أدرى حقيقةً إن كان هناك من اسُتدرج أو خطط أو حاول بالمبالغة أن يربط فى «اللا وعى» بين هذا التاريخ وبين (٢٨ يناير) الدموى، استباقًا لحكم اليوم التالى فى قضية مبارك وأركان نظامه الأمنيِين، أم أن الأمرَ لم يكن أكثرَ من مصادفة (!). كما لم أكن أدرى، بالطبع بماذا سيأتى حكم القاضى؟

ولما كان القاضى، بحكم القواعد القانونية المستقرة، ليس له أن يحكم إلا بالأدلة اليقينية، وبعد المداولة فيما عرض عليه من «وقائع» واردة فى قرار الإحالة لا أكثر،. فقد اخترت أن أكتب فيما هو أوسع من «وقائع جنايتين»، وفيما لا أظنه يحتاج إلى مداولة.

© REUTERS, Amr Abdallah Dalsh

قد نختلفُ فى كل التفاصيل، وقد تختفى كلُ الأدلة، وقد نغرقُ فى بحرٍ من الافتراءات والأكاذيب، وقد لا نعرفهم «فِى لَحْنِ الْقَوْلِ»، وقد نتوهُ، أو بالأحرى نتوهُ بالبسطاء من هذا الشعب فى جدلٍ عقيم حول ثنائيةِ (ثورة أم مؤامرة)، أو قد نتوهُ بهم بين ما نقوله فى خطاباتنا «الرسمية» وما نفعله على الأرض. ولكن الحقيقة التى لا يجرؤ أحدٌ على إنكارها، والتى سيحملٌها كل منا على كتفيه يوم القيامة، أن هذا شابٌ فقد كلتا عينيه. إحداهما فى الثامن والعشرين من يناير، الذى هو الموضوع الرئيس للمحاكمة، والأخرى فى التاسع عشر من نوفمبر ٢٠١١ التى لم تذهب وقائعها «الكاملة» أبدا إلى ساحة المحكمة.

لا يحتاج الأمر هنا إلى أدلة إثبات أو شهود، أو دفوع ومرافعات من محامين كبار. فقديما قالوا إن «الشمس لا تحتاج إلى دليل».

•••

أحمد حرارة طبيب الأسنان (أو بالأحرى الذى كان طبيبا للأسنان قبل أن يفقد الإبصار) من مواليد فبراير ١٩٨٠، أى أنه كان فى الواحد والثلاثين من العمر عندما نزل إلى الميدان مع مئات الآلاف من جيله فى تلك الأيام من يناير ٢٠١١. ثم كان فى ٢٨يناير، «جمعة الغضب»، التى فقد فيها النظام أعصابه أن أصابت إحدى الرصاصات عينه اليمنى، كما تسببت إصابة أخرى فى الصدر بنزيف فى الرئة أدخله فى غيبوبة لأيام. ولم يكن ذلك كله فى المشهد الذى اتسع يومها باتساع مصر كلها أكثر من تفصيلة من تفاصيل مشابهة أكثر من أن تحصى لذلك اليوم الدامى (راجع «تقرير لجنة التحقيق وتقصى الحقائق بشأن الأحداث التى واكبت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١» والتى كانت قد شكلت فى فبراير ٢٠١١ فور أن أحيل أمر إدارة شئون البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة - الرابط للملخص الرسمى للتقرير هنا) ولهذا التقرير، كما لغيره من تقارير قصة لم يحن بعد أوان تفصيلها.

«أعيش كفيفا مرفوعَ الرأس وبكرامة أفضل من أن أعيش مبصرا مكسورَ العين».. كان هذا هو التعليق الوحيد لأحمد حرارة على إصابته، ولهذا لم يتردد فى أن يكون مرة أخرى، رغم الإصابة مع رفاقه من أولئك «المؤمنين بالعدل» لا غيره، دفاعًا عن أهالى الشهداء والمصابين، وعن «مدنية الدولة» فى الأحداث التى تطورت وعرفت باسم أحداث محمد محمود (١٩ نوفمبر ٢٠١١) ويشاء القدر أن يفقد يومها عينَه الأخرى برصاصة «أمنية» أخرى. لتكتمل التراجيديا عندما نتذكر «شيلتوا عن عيننا الستاير»، أغنيةَ أنغام التى اختفت، والتى كانت مصرُ كلها ترددها معها أيامها احتفاءً بهؤلاء الشباب الذين غنينا لهم يومها: «واحنا ليكم مديونين».

هاهى «الستائر» قد أُسْدِّلت يا أنغام.. لـ«تَعْمَى الْقلوبُ الَّتِى فِى الصّدورِ»، فيروجُ البعضُ لبراءةِ «نظام» مبارك. ويتهمُ البعضُ شبابَ يناير وبينهم طبيب الأسنان «الذى فقد عينيه» بالبلطجة إن لم يكن بالتخابر والمؤامرة (!)

•••

أحداث محمد محمود لم تكن وحدها التى لم تجد طريقَها الواجب إلى تحقيقٍ مستقلٍ ومتكامل. كما لم تكن وحدها التى اختفت فيها «الحقيقة» مثلما اختفت تقاريرُ كل لجان تقصى الحقائق «الرسمية» عن تلك الأحداث، بما فيها التقرير «الأهم» الذى كانت لجنته قد شُكلت فى الخامس من يونيو ٢٠١٢«لجمع المعلومات والأدلة وتقصى الحقائق بشأن وقائع قتل وشروع فى قتل وإصابة المتظاهرين السلميين فى الفترة من ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى الثلاثين من يونيو ٢٠١٢»، وجرى تسليمه للرئيس «وقتها» محمد مرسى فى الثانى من يناير ٢٠١٣. مما يعكس شكوكَا حقيقية فيما إذا كنا مدركين أهمية «البحث عن الحقيقة»، ليس بدافع الانتقام من أحد ولكن كخطوة أولى تقول علوم السياسة والعدالة الانتقالية Transitional Justice أن لا بديلَ عنها لضمان عدم تكرار انتهاكات الماضى التى أدت كما جربنا إلى التمرد والثورة.

•••

أيا ما كان الأمر، وبغض النظر عن الحقائق الغائبة فى «قضية الثورة» ووقائع السنوات الأربع، يبقى على هامش قرار المحكمة بالأمس (أيا كان) عدد من النقاط علينا أن نأخذها فى الاعتبار:

١ـ القاضى هنا يحاكم أفرادا لا نظامًا. ويحكم فى «وقائع» بعينها أُسندت إليهم فى قرار الاتهام، وبموجب ما يتضمنه ملف القضية من أدلة ثبوت أو نفى.

٢ـ ولكل متهم الحق فى محاكمةٍ عادلة، (وإن كان لا قيمة لذلك إلا أن يكون المبدأ مطلقا ومجردا وعاما، وأن يكون الحق للجميع بلا تمييز).

٣ـ أن القضية فى حد ذاتها لم تتحرك، كما لم تصل إلى ساحة المحكمة إلا بعد ضغط «الميدان» والرأى العام فى حينه. (قرار الاتهام لم يصدر إلا فى ٢٤ مايو ٢٠١١). أتذكرون منفى شرم الشيخ «الاختيارى».

٤ـ أن قرار الاتهام، غاب عنه كل ما له علاقة بإفساد الحكم والحياة السياسية وكذا الفساد الاقتصادى (تزوير الانتخابات، استغلال النفوذ، إهدار المال العام، بيع ممتلكات الدولة... الخ). يذكر أن المتهم محمد حسنى مبارك محكوم عليه فعلا بالسجن المشدد ثلاث سنوات فى قضية الفساد المعروفة بالقصور الرئاسية.

٥ـ أن أوراق القضية ودفوعها، خلت من الإشارة إلى «قانون إفساد الحياة السياسية رقم ١٢١ لسنة ٢٠١١» والمعدِل للقانونين ٣٤٤ لسنة ١٩٥٢ و١٧٣ لسنة ١٩٥٣

٦ـ أن علامات استفهام كثيرة تحيط بالتفاصيل، كما أحاطت من قبل بتفاصيل قضية ٢ فبراير المعروفة «بموقعة الجمل» والتى حكم فيها بالبراءة.

٧ـ ثم إن المشكلة الحقيقية هنا ليست فى قرار الاتهام، ولا فى «توصيف» التهمة. بل فى التوصيف السياسى والتاريخى لما جرى: ثورة يستحق القائمون بها ممن ضحوا بحياتهم «وأعينهم» أوسمة البطولة، أم مؤامرة تخابر وجريمة «محاولة قلب نظام الحكم» المنصوص عليها فى قانون العقوبات (المادة ٨٧)، والتى تصل العقوبة فيها إلى الإعدام.

يبقى فى النهاية أن الدائرة التى أحيلت إليها الجنايتان (٣٦٤٢ و١٢٢٧ لسنة ٢٠١١)، ربما قضت فيهما كما تقول القواعد القانونية بما استقر عليه وجدانها، وبتعبير أكثر دقة من الناحيتين القانونية والسياسية: قضت «فى وقائعهما» لا أكثر، وبما تضمنه «الملف» من أدلة ثبوت أو نفى. أما «النظام» فقد كان أن حكم عليه فعليا أولئك الذين خرجوا يطالبون بإسقاطه فى يناير، وبينهم طبيب الأسنان الذى فقد كلتا عينيه. وهذا فى النهاية هو «حكم التاريخ».

•••

© Peter Hapak, Time Magazine 2011

فقد أحمد حراره عينيه، وفقد غيره حياتهم أو أحباءهم. منهم من نعرف، ومنهم من لم نسمع عنهم أصلا ...

......

فالأبطال..

بمعنى الكلمه..

ماتوا لم ينتظروا كلمه..

ما دار بخلد الواحد منهم..

حين استشهد..

أن الاستشهاد بطوله..

......

فهو شهيد لا متفلسف..

ماذا يتمنى أن يأخذ..

من أعطى آخر ما يملك..

فى سورة غضب أو حب؟!

(الكلمات للراحل نجيب سرور)

•••

وبعد..

فلك عزيزى القارئ أن تحكم بما تشاء. وأن تقف فى المربع الذى تختار، مع مبارك وعودة نظامه، أو مع أحمد حرارة ورفاقه، متهما إياهم بالمؤامرة. فلكل وجْهَة «هوَ موَلِّيهَا». والله يحكم بالعدل «وَعْدا عَلَيْهِ حَقّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمونَ».

أما أنت عزيزى أحمد.. وكل أحمد (مهما تبدلت الأسماء والألقاب) فلا تبتئس.. «فهى أشياء لا تشترى»

وأيا كان الحكم الذى لا أعرف بعد.. لا تبتئس

«ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ

والرجال التى ملأتها الشروخ

هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ

....

فليس سوى أن تريد

أنت فارس هذا الزمان الوحيد

وسواك.. المسوخ»

(الكلمات للراحل أمل دنقل)

..............................................

 

لمتابعة الكاتب:
twitter: @a_sayyad
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:
أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات