ريجاتا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ريجاتا

نشر فى : السبت 31 يناير 2015 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 31 يناير 2015 - 8:30 ص

الأرجح، حين تسمع أو تقرأ عن قوة وجمال أحد الأفلام، ثم تشاهده لن تجد فيه ما يستحق كل هذا الإطراء.. العكس صحيح أيضا، عندما يأتى فيلم مصحوبا بالاستنكار، وتعلم أن دور عرض رفضته، ثم نشاهده، بحكم المهنة أو الرغبة فى قضاء بعض الوقت فيما لا يفيد، لن ترى فيه ما يدفع للانزعاج، وربما يثير إعجابك عنصر فنى أو موقف أو أداء تمثيلى لممثل ما.. شىء من هذا القبيل حدث لى مع مشاهدة الفيلم المذكور.

ثلاثة من المخضرمين انتشلوا «ريجاتا» من الغرق فى بحر السأم: محمود حميدة، فتحى عبدالوهاب، إلهام شاهين.. حميدة، بعد عدة سنوات من التوقف، يعود إلى عالم الأطياف محملا بطاقة فنية لافتة، كأنه كان يشحن قدراته ليعلن حضوره القوى، سواء بتفهمه العميق للشخصية التى يؤديها، أو بطريقته الخاصة فى التعبير عنها.. هنا، يؤدى دور رجل عصابات صاحب باع طويل فى عالم الجريمة، انتقل نشاطه من المحلية حيث حارته المنسية فى أحد الأحياء الشعبية، إلى آفاق العالم السفلى فى أوروبا، ثم عاد إلى القاهرة ليستكمل مسيرته. تعلم كيف يكون متأنقا فى ملبسه، عصريا فى نشاطاته المشبوهة، والواضح أن نجاحه فى دنيا الظلام جعله شديد الثقة فى الذات، صوته لا يرتفع أبدا، يتحرك ويتصرف بهدوء ورسوخ. فى لحظات الخطر، لا يرمش له جفن، ساخر، صاحب وجه بشوش، مبتهج، لكن، يقنعك أن بداخله قسوة لا يحدها حدود. الشفقة لا تتسلل لقلبه أبدا.. فى أحد المشاهد، يعود إلى شقته فيجد إحدى عشيقاته ـ بأداء رانيا يوسف ـ دامية الوجه، إثر «العلقة» التى نالتها من زوجها ــ عمرو سعد ــ فيعلق، ضاحكا: إنه لم يترك لى مكانا أضربك فيه.

أداء محمود حميدة يستحق المشاهدة، وبينما يبدو الفارق شاسعا بينه وبين شركائه فى العمل، فإن الوحيد الذى يصمد أمامه، هو فتحى عبدالوهاب، المتمكن، صاحب الوجه الحساس، المتسم بالعناء.. إنه ضابط مباحث شريف، ذكى، يدرك الكثير من الأمور، لكنه لا يمسك بالدليل، يتواجه المرة تلو المرة، مع محمود حميدة تارة، وعمرو سعد تارة أخرى، الصراع بينه وبين حميدة من النوع الساكن، الدفين، كلاهما يفهم الآخر تماما، وبينما يتعمد حميدة أن يبدى قدرا غير قليل من الاستخفاف، يحاول فتحى عبدالوهاب كسر ثقة المجرم، بنظرات تفيض بالإدانة والغضب المكتوم.. وعندما يقوم عمرو سعد، جادا، بتهديد الضابط، بإيقاع الأذى بابنته الطفلة، تلتمع عيون فتحى عبدالوهاب بالقلق، قبل أن يسترد رباطة جأشه. إنه إنسان شريف، فى قلبه رحمة تتجلى فى علاقته بإلهام شاهين، الأم المريضة، التى تدعى أنها قتلت ابنها، لكى تحمى ابنها الآخر.. وفى موقف بالغ الرقة، يسحب الضابط طرحة إلهام شاهين فيظهر رأسها الخالى من الشعر تماما. تلمح الدهشة فى وجهه، تقول بصوت يمتزج فيه الوهن بالاعتذار أن شعرها سقط بسبب العلاج الكيمائى.. عندئذ، فى صمت، للحظات، يندلع داخل فتحى عبدالوهاب، صراع بين الواجب والعاطفة، فإما أن يحيلها للنيابة، أو يطلق سراحها ليواصل بحثه عن القاتل.. وطبعا، ينتصر الواجب.

إلهام شاهين، تفاجئنا هذه المرة عن الأنوثة التى اعتمدت عليها فى عشرات الأفلام السابقة. هنا، تراهن على موهبتها، وقدراتها الفنية، وهى تكسب الرهان بامتياز.. تجسد شخصية امرأة شعبية أنهكتها الحياة، عاشت تجارب قاسية، لكن لاتزال واقفة، بصمود، على قدميها مستعدة للنزال فى أى لحظة، مريضة، بذلك المرض الذى ــ من الملاحظ ــ يجعل المصابين به على قدر كبير من القوة المعنوية. تتحرك، فى الشارع، بعفوية، تتشاجر مع سائق «التوك توك» النزق، على طريقة نساء المناطق العشوائية، وبرغم تعنيفها لابنيها، تجعلنا نحس أنها تحنو عليهما.

لكن، هل يشفع هذا المثلث الذهبى ـ حميدة، فتحى، إلهام ـ لفيلم يحاكى واحدة من أسخف وأتفه القضايا الوهمية التى هجرتها السينما المصرية، منذ زمن طويل.. قضية اللقطاء، أو غير المعروفين الأب، فهل تصدق أن تكون مشكلة «شحط»، طويل، عريض، مؤدب، أنه لا يعرف والده، ووالدته أيضا، إلهام شاهين، أنجبته من مجهول، منذ عدة عقود، أيام عملها فتاة ليل، وبالتالى، لا تعرف والده.. إلى جانب بؤرة التصدع هذه، فى السيناريو الذى كتبه معتز فتيحة مع المخرج محمد سامى، الذى لم يستطع إدارة بقية الممثلين، تاركا لهم الحبل على الغارب، فاندفع كل منهم فى الجنوح إلى مغالاة الميلودراما، فبدا حضورهم ثقيلا مملا، لا يخفف من وطأته إلا ألق المخضرمين.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات