الإبـداع - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 5:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإبـداع

نشر فى : الأحد 31 مايو 2009 - 9:30 م | آخر تحديث : الأحد 31 مايو 2009 - 9:30 م

 الإبداع فى اللغة: هو إحداث شىء على غير مثال سابق. أما فى البلاغة العربية، فيمكننا أن نرصد معنيين للإبداع، الأول: لدى ابن الرشيق القيروانى الذى يرى أن الإبداع هو إتيان الشاعر بالمعنى المستطرف الذى لم تجر العادة بمثله فى لفظ بديع، حيث يفرق بين خلق المعنى الجديد الذى يسميه بالاختراع، والإتيان باللفظ البديع وهو ما يسميه بالإبداع.

أما المعنى الآخر للإبداع فى البلاغة العربية فنصادفه عند ابن أبى الإصبع، الذى يرى أنه يتمثل فى أن تكون مفردات البيت من الشعر أو الفصل من النثر أو الجملة المفيدة متضمنة بديعا، بحيث يأتى فى الواحدة منها ضروب من البديع بحسب عدد الكلمات والجمل، وربما كان فى الكلمة الواحدة المفردة ضربان فصاعدا من البديع.

أما الإبداع عند الفلاسفة: فهو إيجاد شىء غير مسبوق بالعدم، ويقابله الصُنْع وهو إيجاد شىء مسبوق بالعدم.

والإبداع سيكولوجيا: هو القدرة على ابتكار حلول جديدة لمشكلة، وتتمثل هذه القدرة فى ثلاثة مواقف ترتب ترتيبا تصاعديا، وهى: التفسير، والتنبؤ، والابتكار.

والتفسير: هو فهم السبب وكشف العلة، والتنبؤ: هو القدرة على توقع الحادث الذى لم يحدث بعد.

أما الابتكار: فيعتمد على مواهب الشخص أكثر من اعتماده على ما يقدمه الموقف الخارجى من منبهات وإيحاءات.

وتمر العملية الإبداعية فى حل المشكلات على المستوى النفسى بأربع مراحل هى: الإعداد لتكوين نظرة عامة إجمالية عن المشكلة، ثم الكمون الذهنى الذى يسعى فيه الفرد إلى الحل بطريقة صامتة لا شعورية، ثم الاستبصار أو الإلهام حيث يدرك الشخص حل المشكلة فجأة، ثم تأتى مرحلة التحقق والتأكد من أن الحل الذى تم التوصل إليه هو الحل الصحيح.

أما على مستوى الإبداع الشعرى، فيرى مصطفى سويف أن الخطوة الأولى نحو تحليل الإبداع الفنى فى القصيدة أو الصورة هى الكشف عما شهده الشاعر من نقص فى بيئته، وكيف دفعه شعوره بهذا النقص إلى محاولة البحث عن حل يرضيه.

فالإبداع لدى سويف نشاط اجتماعى فى بعض نواحيه، والفنان يريد به أن يوقظ بعض استجابات معينة فيمن يتلقى فنه.

أما «يونج» فقد قدم وصفة سحرية للفنان تضمن له تجاوب الجمهور، حيث أكد أن اعتماد الإبداع على الأزمات الاجتماعية، واعتماد الفنان على اللا شعور الجمعى كمصدر لإبداعه، يضمن له أن يتذوق المجتمع ما أبدع.

والنظر فى نموذج مبدع كبير مثل الشاعر صلاح جاهين مثلا يجعلنا نعتقد أن الأمر ليس على هذه الدرجة من الحسم، فعلى الرغم من أن صلاح جاهين هو صانع أغانى الثورة، وواحد من أكثر الشعراء المصريين التزاما بقضايا مجتمعه، فإننا نجد عنده نموذجا متفردا فى الشعر العربى للغناء خارج السرب، متمثلا فى النص التالى الذى يحمل عنوان «قصيدة»:

فى يوم من الأيام راح اكتب قصيدة
عن السما عن وردة على راس نهد
عن قطتى عن الكمنجة الشريدة
عن نخلتين فوق فى العلالى السعيدة
عن عيش بيتفتفت فى أودة بعيدة
عن مروحة م الورق
عن بنت فايرة من بنات الزنج
عن السفنج
عن العنب عن الهدوم الجديدة
عن حدايات شبرا عن الشطرنج
عن كوبرى للمشنقة
عن برطمان أقراص منومة
عن مهر واثب من على سور حديد
وف بطنه داخلة الحديدة
عن طفل بقميص نوم
عن قوس قزح بعد الصلا فى العيد
عن طرطشات البحر ح اكتب يوم
ح اكتب قصيدة
ح اكتبها وان ما كتبتهاش أنا حر
الطير ما هوّاش ملزوم بالزقزقــــة

فصلاح جاهين يكرس فى هذا النص لحرية الإبداع، وحق الفنان فى أن يحلم بأن يكتب فى يوم ما عن أشياء صغيرة رقيقة وموجعة تخصه هو، بغض النظر عن علاقتها بالقضايا الكبرى التى تهم المجتمع، بل إن له الحق أيضا فى أن يحتفظ بها للأبد بين شغاف قلبه دون أن يطلع عليها أحد.

وتكمن المفارقة فى أن قصيدة مثل هذه القصيدة التى تبدو مغرقة فى الذاتية، هى أقدر على الوصول للجمهور من أخرى تناقش قضايا موضوعية تتعلق بالمتلقى ذاته، فهى أكثر رهافة وأنصع صدقا. كما أن العنعنات الكثيرة المتوالية فى صور القصيدة، هى بالتأكيد لم تجرح قلب الشاعر فقط وتجعله يحلم بالكتابة عنها، لكن كل قارئ سيجد بينها ما يجرح فؤاده أيضا، وكأن الشاعر يكتب عما يشعر به المتلقى ويعجز عن التعبير عنه.

وبهذا يصبح استبطان الذات طريقا سحريا للوصول للآخر، ربما كان أكثر فعالية وشاعرية من المعالجات شبه المباشرة للقضايا المجتمعية.

التعليقات