الثورة التكنولوجية القادمة - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورة التكنولوجية القادمة

نشر فى : الإثنين 31 يوليه 2017 - 8:50 م | آخر تحديث : الإثنين 31 يوليه 2017 - 8:50 م

أثار المهندس شريف ديلاور، الخبير الاقتصادى المعروف، فى كلمته أثناء الجلسة الخاصة بالإصلاح الاقتصادى خلال المؤتمر الوطنى الرابع للشباب الذى عقد بمكتبة الإسكندرية يومى ٢٤ و٢٥ يوليو الماضيين قضية ما يشهده العالم من تغيرات تكنولوجية مهمة وأهمية أن تلحق مصر بهذه التطورات التكنولوجية المتسارعة. وأشار المهندس ديلاور فى مستهل حديثه إلى ما يصطلح على تسميته الآن بـ«الثورة الصناعية الرابعة»، حيث عرض فى عجالة لبعض مظاهرها وتأثير ذلك على نمط الإنتاج والستهلاك فى السنوات القليلة القادمة. ظنى أن البعض منا قد سمع أيضا عن السيارة الكهربائية، أو السيارة ذاتية الحركة، ولكن ماذا عن إنترنت الأشياء أو الطابعات ثلاثية الأبعاد وغيرها من التطورات التكنولوجية المتلاحقة التى ستغير الكثير من أوجه الحياة كما نعرفها اليوم. فما هى هذه «الثورة الصناعية الرابعة؟» وكيف ستغير من أسلوب حياتنا؟ وأين نحن من كل ذلك؟
بداية، كان أول من أطلق تعبير «الثورة الصناعية الرابعة» هو «كلاوس شواب»، مدير ومؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس بسويسرا. وقد بدأ هذا المنتدى نشاطه فى عام ١٩٧١ حيث نجح مديره بفعل شخصيته الديناميكية وحسن اختياره للموضوعات التى يتم مناقشتها، فضلا عن اتصالاته الشخصية ونجاحه فى دعوة كبار الشخصيات الدولية للمشاركة فى مؤتمر سنوى بقرية دافوس فى سويسرا من تحويل هذا المؤتمر السنوى إلى أحد أهم اللقاءات الدولية التى يحرص كبار قادة العالم على المشاركة فيه. وأصبح هذا المنتدى منبرا للترويج للأفكار الجديدة ومناقشة أهم الاتجاهات والتحولات الدولية المنتظرة وخاصة فى عالمى الاقتصاد والتجارة. وقد خصص المنتدى مؤتمره العام الماضى لمناقشة موضوع «الثورة الصناعية الرابعة» وتأثيرها على العالم.
وقد سبق أن عرض «شواب» لنظريته عن ما أسماه بـ«الثورة الصناعية الرابعة» فى مقال له بدورية (فورين أفيرز) الأمريكية الشهيرة فى ديسمبر عام ٢٠١٥، ثم بشكل أكثر تفصيلا فى كتاب له يحمل ذات العنوان فى العام الماضى. والفكرة ببساطة شديدة تدور حول تطور الصناعة فى العالم التى قسمها إلى أربع مراحل، كل مرحلة منها ارتبطت بتطور أو ثورة تكنولوجية محددة؛ الأولى فى القرن الثامن عشر ببريطانيا عندما اكتشف جيمس وات آلة البخار. الثورة الثانية بدأت فى القرن التاسع عشر باكتشاف العالم الأمريكى بنيامين فرانكلين للكهرباء، ثم كانت الثورة الثالثة مع دخول عصر الحاسوب الآلى أو الكمبيوتر فى الستينيات من القرن الماضى فيما عرف بعد ذلك بالثورة الرقمية. يذهب «شواب» هنا إلى أننا على أعتاب ثورة صناعية رابعة لا تقوم هذه المرة على اكتشاف أو اختراع علمى أو حدث واحد مثل البخار أو الكهرباء، ولا على تطور تكنولوجى فى مجال محدد مثل الحاسب الآلى، ولكن على مجموعة من التطورات التى تشهدها العديد من المجالات بحيث يصعب حصرها فى مدة زمنية محددة أو حتى قائمة واحدة. فالثورة التكنولوجية الحالية تمتد من الهواتف الذكية على سبيل المثال إلى السيارات ذاتية القيادة، من النانو تكنولوجى إلى إنترنت الأشياء. تجدر الإشارة هنا لمزيد من التوضيح ما يشهده مجال التكنولوجيا الحيوية (البيو تكنولوجى) من طفرات ستقضى على الكثير من الأمراض كما نعرفها الآن، والدخول فى مرحلة جديدة من التطور البشرى تصبح فيها المجتمعات المتقدمة منشغلة بكيفية الارتقاء بوظائف الجسد وليس الأمراض الحالية. بمعنى أوضح فإن ما نشهده الآن من وحى الخيال العلمى كحبوب الذكاء أو مكافحة الشيخوخة ستكون أقرب منها للواقع عن الخيال فى مستقبل ليس بالبعيد.
مثل هذه التطورات بدأت تطول العديد من الدول والمجتمعات الصناعية المتقدمة، ولعل أبرز هذه التطورات ما تشهده بعض الصناعات وخاصة صناعة السيارات من قيام الإنسان الآلى (الروبورتات) باحتلال مواقع العمال بشكل تدريجى ومتصاعد وبما بات يهدد بزيادة حجم البطالة فيها، هذا فضلا عن الآثارالسياسية والاجتماعية التى أصبح على هذه الدول والمجتمعات مواجهتها. (وهو ما تعرضت له فى مقال مطول بمجلة «الدبلوماسى» بعنوان «هل نحن أمام شكل جديد من العولمة؟» فى عدد يوليوــ أغسطس الحالى). هذا، ولا يقتصر الأمر على المجتمعات الصناعية المتطورة فقط، فها نحن نرى الهند مثلا تتحسب من الآن لما هو قادم، وتتخذ قرارا بحظر دخول السيارات ذاتية القيادة إليها نظرًا لما ستمثله هذه السيارات المنتظرة قريبًا من تهديد لحياة مئات الآلاف من السائقين لديها. معنى ذلك أن الدول الأقل تطورًا لن تسلم من نتائج هذه الثورة الصناعية الجديدة، ولن يكون ذلك فى شكل سلع أو منتجات جديدة، مثل الروبورتات أو السيارات ذاتية القيادة، ولكن الأهم هو تغيير نمط وهيكل التجارة الدولية فى العقود القادمة بحيث تصبح العديد من السلع والمواد الأولية التى يعتمد عليها اقتصاد الدول النامية أقل قيمة وطلبًا من الدول الصناعية المتقدمة.
لن يقتصر الأمر على عدد من السلع والمنتجات أو الآلات التى يمكن وقف استيرادها أو دخولها لحماية الصناعة والعمالة المحلية مثلما فعلت الهند مع السيارات ذاتية القيادة، ولكن ماذا نفعل فى مواجهة تنامى تكنوجيا إنترنت الأشياء؟ ولمن لا يعرف، فالفكرة تقوم على ربط الآلات والمنتجات المختلفة بشبكة بيانات واسعة على الإنترنت من خلال شرائح دقيقة يتم وضعها فى كل منتج أو سلعة أو آلة. وهو ما يمكن معه تتبع أى منتج من إى موقع فى العالم للمكان الذى يذهب إليه حتى لو كان فى قارة أخرى. ولنضرب مثلا للتوضيح بهاتف يتم إنتاجه فى فنلندا أو شاشة تليفزيون فى ماليزيا أو محرك دراجة فى البرازيل، كل منتج سيتضمن شريحة بحيث لو انتقل الهاتف من فنلندا إلى الفلبين فيمكن معرفة مكانه من خلال إنترنت الأشياء هذا وتتبعه مع المعلومات الخاصة به، وهكذا. ويقدر عدد الأشياء المنتظر دخولها لهذه الشبكة بخمسين بليون وحدة خلال السنوات القليلة القادمة. يمثل ذلك تحديًا للجميع لأنه من ناحية يوفر بيانات يسهل معها تعظيم التجارة ومكافحة التهريب وغيره، ولكنه من ناحية أخرى يفتح أيضًا المجال للقرصنة الإلكترونية وانتهاك الخصوصية وغيرها. وكلها تحديات تفرض علينا سرعة التحرك إن أردنا أن لا نتخلف عن الركب ويفوتنا قطار الثورة التكنولوجية القادمة.

التعليقات