إنقاذ أفغانستان من الانهيار دون التعامل مع طالبان - العالم يفكر - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 3:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنقاذ أفغانستان من الانهيار دون التعامل مع طالبان

نشر فى : الأحد 31 أكتوبر 2021 - 7:00 م | آخر تحديث : الأحد 31 أكتوبر 2021 - 7:00 م
نشر مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS مقالا للكاتب ستيفين موريسون، أوضح فيه الوضع الكارثى فى أفغانستان لاسيما تهالك قطاع الصحة، مقترحا مخططا لتحسين الأوضاع ومنعها من التفاقم برعاية الولايات المتحدة والدول الغربية، وذلك بدون التعامل مع طالبان لتجنب استفادتها بأى دعم مالى.. نعرض منه ما يلى.

بعد مرور شهرين تقريبا منذ استيلاء طالبان على السلطة، يلاحظ العالم أن أفغانستان تتجه نحو الفوضى الاقتصادية، وانهيار نظامها الصحى، مع احتمال قوى لحدوث حالة طوارئ إنسانية جامحة. الوقت ينفذ. كما يتوقع برنامج الأغذية العالمى ومنظمة الأغذية والزراعة أن أكثر من نصف السكان، ما يقدر بنحو 22.8 مليون شخص، سيصلون إلى مستوى انعدام الأمن الغذائى بحلول الربع الأول من عام 2022. فإذا تُرك مثل هذا السيناريو دون رادع، فسيؤدى إلى ضرر غير عادى على مواطنى ومواطنات أفغانستان البالغ عددهم 38 مليون نسمة، وستتحول الأزمة إلى شأن دولى بسبب تدفق موجات كبيرة من اللاجئين واللاجئات، وهذا سيسمح بدوره بانتشار فيروس كوفيدــ19 بوتيرة سريعة.
الولايات المتحدة والدول المانحة تقدم فقط تمويلًا فوريًا لسد احتياجات الشعب الأفغانى الملحة، بالإضافة إلى توفيرهم تمويل مؤقت للخدمات الصحية. صحيح أن هذه التدابير العاجلة مهمة لكنها لا ترقى إلى مستوى التمويل والإدارة والرقابة طويلة الأمد لقطاع الصحة فى أفغانستان. هناك حاجة إلى المزيد لتجنب انهيار النظام الصحى والذى يواجه الآن بالفعل تراجعا فى عدة مكاسب شملت نواح عدة مثل الولادة الآمنة، وزيادة متوسط العمر، وتقليل عدد وفيات الرضع والأطفال. واليوم، توقف أكثر من 80% من المرافق الصحية الرئيسية عن العمل بينما غادرت بالفعل أعداد متزايدة من العاملين فى قطاع الصحة أو يبحثون عن وسيلة للخروج من البلاد.
بعد كل ما ذكر، كيف نفسر معضلة أفغانستان؟. بداية، هناك فجوة كبيرة بين طالبان والغرب وحتى الآن ليس هناك إرادة أو عملية واضحة بين الطرفين للحفاظ على الخدمات الأساسية. فطالبان تطالب الغرب بتوفير التمويل اللازم للخدمات التى تقع تحت سيطرتها لأنهم يفتقرون إلى المعرفة والمهارة فى إدارة الخدمات العامة، فلقد اعتادوا على استخدام التهديدات القسرية والعنف ضد المنظمات غير الحكومية التى تدير الخدمات الصحية للتحكم فى التوظيف والقرارات.
على الجانب الآخر، جمدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والجهات المانحة الأخرى جنبا إلى جنب مع البنك الدولى وصندوق النقد الدولى الكثير من المساعدات المالية لأفغانستان. سوف يمنعون الإفراج عن الدعم الأساسى حتى يكون هناك رضا عن حكم طالبان خاصة حماية حقوق النساء والفتيات، والسماح للأمريكيين والحلفاء الأفغان الموالين بالخروج الآمن من البلاد، وإثبات قطع علاقات طالبان بالقاعدة واتخاذ إجراءات أكثر فعالية لاحتواء تنظيم داعش ــ خراسان. لكن يظل الاستثناء الوحيد هو المساعدة الإنسانية المتواضعة تحت قيادة الأمم المتحدة لتلبية الاحتياجات العاجلة والفورية.
وعلى الرغم من أن الدول الإقليمية المؤثرة تشارك الغرب فى كثير من مخاوفه، خاصة بشأن إمكانية توفير ملاذ آمن للإرهابيين فى أفغانستان، وضرورة إحباط التدفقات الجماعية للاجئين واللاجئات، إلا أنها لو رأت أن موقف الغرب صارم للغاية وحاولت التخفيف من حدة الأوضاع فى أفغانستان، فلن تكون فى وضع يسمح لها بملء مكان الغرب فيما يتعلق بالتمويل والإشراف على الخدمات الصحية. كما أن الصين لم تبدِ، على الرغم من ثروتها، أى اهتمام بتحمل التزامات مالية كبيرة فى أفغانستان.
لكن بالرغم من هذه الحقيقة المخيفة، لا يزال هناك سبب للاعتقاد بأن الوضع فى أفغانستان ليس ميئوسًا منه بشكل لا يمكن إصلاحه وأنه يمكن إقامة شراكات وحلول عمل جديدة لمساعدة النظام الصحى على تجنب الانهيار الكامل دون مساومة الغرب على قيمه الأساسية. لكن كيف ذلك؟
•••
فى اليمن وسوريا وكوريا الشمالية، لجأ المجتمع الدولى إلى مجموعة متنوعة من الإجراءات الإبداعية لتلبية الاحتياجات الأساسية والحفاظ على النظم الصحية والحياة الاقتصادية قائمة وذلك من خلال توفير الأموال بواسطة الأمم المتحدة والصناديق الاستئمانية المؤقتة. كانت وكالات مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة مسئولة من الناحية التشغيلية والمالية عن توفير التمويل للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، ووضع المعايير والأولويات، والحفاظ على المراقبة والإشراف. تتطلب هذه الترتيبات ضمنيًا أو صراحة مستوى معينًا من موافقة حكومات الدول الموجه إليها المساعدة، لكن تم تجنب منحهم حق الموافقة على هذه السياسات. وعلى المجتمع الدولى أن يتبع هذه الطريقة لإنقاذ الوضع الكارثى فى أفغانستان.
الصحة هى أحد القطاعات فى أفغانستان، حيث يمكن تطبيق مثل هذا النهج بنجاح للحفاظ على الإنجازات التى تحققت خلال العقدين الماضيين. فالاتحاد الأوروبى والبنك الدولى والولايات المتحدة استثمرت 200 مليون دولار سنويًا من خلال مشروع سيهاتماندى، والذى وفر 2300 مستشفى وعيادة، ورفع متوسط العمر المتوقع بمقدار 10 سنوات، وخفض معدل وفيات الأمهات بمقدار النصف. وفى العديد من مقاطعات أفغانستان البالغ عددها 34، نجح المشروع فى الحفاظ على العلاقات مع سلطات حركة طالبان، رغم تعرضها للإغلاق القسرى والاختطاف وغيرهما من طرق الإكراه. كما أنه لا تزال المنظمات غير الحكومية الأفغانية الـ 11 واثنتان من المنظمات غير الحكومية الدولية فى مكانها، ومعظم موظفاتها وموظفيها قادرون على مواصلة العمل. وينطبق الشىء نفسه على البنية التحتية الوطنية لشلل الأطفال التى أنشأتها ودعمتها المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال، والتى اكتسبت على مر السنين تعاون طالبان.
لا تزال العديد من المؤسسات الدولية الرئيسية تعمل على الأرض فى أفغانستان مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، وبرنامج الأغذية العالمى، ومنظمة الصحة العالمية، واليونيسيف. كما حافظ الصندوق العالمى على تمويل الخدمات والتعاون مع وكالات بما فى ذلك مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، تحالف اللقاحات، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، كل هذا كان بحثا عن سبل لمواصلة العمل فى أفغانستان. وفى الواقع، ظهر نشاط معظم هذه المنظمات فى الأسابيع الأخيرة فى كابول.
بالاعتماد على هذه المجموعة من الجهات الفاعلة والبرامج القديمة، يمكن تشكيل اتحاد شراكة موجه للحفاظ على المكاسب الصحية، بما فى ذلك القضاء على شلل الأطفال، وتجديد عمالة المرأة فى قطاع الصحة، بل وتعزيز وصولها إلى الخدمات الصحية. سيحل الكونسورتيوم (رابطة تضم العديد من المنظمات والأعضاء يكونون متفرغين لتحقيق هدف محدد) محل وزارة الصحة العامة، ويجمع بين القدرات الفنية والسياساتية والتشغيلية، وبالتالى تجنب توجيه المساعدة مباشرة لحكومة تسيطر عليها طالبان.
•••
فى كل الأحوال، سيعتمد النجاح على عدد من العوامل وسيكون العنصر الأكثر أهمية هو القيادة والاستثمار من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الذين يظهرون تصميمًا على الوقوف ضد كل من يعارض ــ سواء فى داخل الولايات المتحدة أو فى أى مكان آخر ــ تقديم أى دعم مالى قد تستفيد منه حركة طالبان بشكل غير مباشر، حيث لا يزال لدى الولايات المتحدة وحلفائها بعض الواجب الأخلاقى الذى يتطلب التزامًا بتسريع الحوار الهادئ الذى يصوغ آلية عملية لإنقاذ الأرواح على المدى الطويل. يمكن أيضا اتباع نهج معاملات تدريجى، حيث يتم تخصيص الدعم الخارجى وزيادته مع استيفاء معايير أساسية معينة والتحقق منها من خلال أطراف مستقلة ومحايدة. لاشك أنه ستوجد سلسلة من المشاكل المتعلقة بالعمليات والبرامج ومع ذلك، فإن تطوير آليات السلامة والأمن، وإشراك الوكالات التى طورت بالفعل علاقات مثمرة مع طالبان، والمطالبة بمراقبة وثيقة، وضمان قدرات ائتمانية وتعاقدية قوية من قبل الكونسورتيوم، كل هذه الإجراءات يمكن أن تحافظ على الخدمات.
مرة أخرى، المخطط المقترح هنا ليس تنازلا لطالبان بل إنه رد على التهديد العاجل المتمثل فى المعاناة البشرية والخسائر الجسيمة. يمكن أن يؤدى اتباع هذا الطريق إلى إنقاذ أرواح لا حصر لها، بما فى ذلك أرواح الأطفال والنساء الأفغانيات اللائى يحتجن إلى خدمات حيوية للولادة الآمنة وغيرها من أشكال الدعم الإنجابى. يمكن أن يوقف هذا المخطط تآكل القوى العاملة الصحية، والتى تشكل المرأة غالبيتها. فى غضون ذلك، بالطبع، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الاستمرار فى الضغط على طالبان بقوة من أجل إقامة حكم يشمل كل الفئات، ويراعى حقوق النساء والفتيات، ويسمح بمغادرة الحلفاء الأفغان، وأخيرا يتخذ الإجراءات اللازمة ضد القاعدة وتنظيم داعش ــ خراسان.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد

النص الأصلى

التعليقات