فى حضور الغائبين - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى حضور الغائبين

نشر فى : الثلاثاء 2 سبتمبر 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 2 سبتمبر 2014 - 2:11 م

شفانى نجيب محفوظ من شعور حاد بالذنب، الدواء: ستة سطور ونصف بمثابة روشتة، أو ترياق ساحر، جعل العليل ـ وهو العبد لله ـ متصالحا مع نفسه.

الحالة المرضية، أو المؤرقة، المراوغة، تتمثل على نحو ما فى عدم الاقتناع برحيل أصدقاء تحولوا من رفاق حياة إلى جزء من الحياة، لا يزالون يعيشون معى، وبالتالى لا أحس بالحزن عليهم، بل أتحدث معهم، وأكاد أسمع ردودهم وتعليقاتهم.. رضوان الكاشف، فاروق عبدالقادر، إبراهيم أصلان، على التوالى، غادروا الدنيا، رسميا.. لكن بالنسبة لى عادة أستمع، وأستمتع، بطرائف رضوان الكاشف، المتخيلة يوميا، المنسوجة على غرار ما حدث معه، من قبل.. فاروق عبدالقادر، دائما، يبدى وجهة نظره، فيما يحدث من وقائع سياسية وأدبية، قد أختلف أو أتفق معه، لكن الجدل لا يتوقف.. إبراهيم أصلان، أجمل مستمع للحكايات، وخير من يرويها، اليقظ الانفعالات، أسهر معه فى الكثير من الليالى، كالعادة، لأسرد عليه فيلما أو حادثة، وأسمع منه تعليقات مشبعة بروح إنسانية، رقيقة وشفافة.

منذ أيام، انتابتنى موجة من الحرج، حين سألنى صديقى عمرو خفاجى «ألم يوحشك رضوان الكاشف؟».. خجلت أن أجيبه «لا.. لأنه يعيش معى».

برغم تفسيرى لعدم الحزن، فإن شبح اتهام نفسى بخفوت العواطف، ظل باقيا، معلقا، الأمر الذى يؤدى، بالضرورة، إلى شعور دفين بالذنب، وربما الجنون خاصة حين أضحك، فى سرى، مع رضوان، أو أجادل فاروق فى شأن ما، أو أحس بنسيم السلام، مع أصلان.

بالنسبة لزملاء جيلى، يتجلى حضور عمنا الكبير، نجيب محفوظ، وبالتحديد أيام عنفوانه، فى «ريش» و«على بابا»، جالسا على مقعده المفضل، فى منتصف المقهى الأول، أو فى القاعة العلوية الصغيرة، بالدور الثانى عند «على بابا».. لا تفوته شاردة أو واردة، يلتقط المفارقات، يبينها، بذكاء لماح، لا يباريه فيه أحد، وأظن أن أصداء ضحكته المجلجلة، لا تفارق الذاكرة السمعية عند كل من كان الحظ حليفه، وانضم إلى نصف الحلقة المحيطة بالأستاذ.. من ناحية ثانية، وجد كل منا، جانبا من حياته، أفكاره، متماثلا فى هذه الشخصية الروائية أو تلك.. وقد يرى أغوار ذاته، واضحة، جلية فى جملة واحدة.

لم أكن بحاجة إلى إعادة قراءة الحكاية ـ الروشتة ـ التى كتبها عمنا الكبير، ذلك أنى، فيما يبدو، كنت أبحث عنها من دون أن أدرى.

على طريقة نجيب محفوظ، حيث صفاء اللغة التى تقترب من روح الشعر، بقدرته على التجسيد والدقة والإيحاء، يبدأ سطوره الست ونصف، بعبارة موجزة تحدد المكان والأبطال والزمان والموقف «رأيتنى فى حى العباسية أتجول فى رحاب الذكريات، وذكرت بصفة خاصة المرحومة عين فاتصلت بتليفونها ودعوتها لمقابلتى عند السبيل».. «عين»، العزيزة، الغالية، تعنى البصر، الرؤية، كما تعنى مصدر حياة بما تجود به من ماء.. وهى، إحدى بطلات أو شخصيات محفوظ، فى العديد من أعماله، حاملة معها دفئا وحنانا وقدرة على المنح والعطاء.. الراوى، سيقابلها عند «السبيل»، بكل ما يترقرق فيه من معانى الخير والجمال، وما يشيعه من طمأنينة.

بعيدا عن إغراء تحليل الحلم، أدبيا، توافق «عين» على قضاء السهرة عند «الفيشاوى»، تيمنا وبعثا للأيام الخوالى.. هناك، يستقبلهم المرحوم، المعلم القديم، الفيشاوى، الذى يرحب بهما، ويعتب على المرحومة «عين» طول غيابها.. وحين تعتذر متعللة بالموت الذى منعها من الحضور، يجيبها بجملة واحدة، تشع بالمعنى الذى أضنانى البحث عنه.. قال «إن الموت لا يستطيع أن يفرق الأحبة».. نجيب محفوظ، الحاضر أبدا، شفانى، على لسان الفيشاوى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات