كمال رمزى يكتب من تونس: أنوار السينما تضىء ظلام السجون.. والإرهاب يحاول تدمير قرطاج - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:24 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كمال رمزى يكتب من تونس: أنوار السينما تضىء ظلام السجون.. والإرهاب يحاول تدمير قرطاج

مهرجان ايام قرطاج
مهرجان ايام قرطاج
كتب- كمال رمزى:
نشر في: الثلاثاء 1 ديسمبر 2015 - 9:43 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 1 ديسمبر 2015 - 9:46 ص

• على ساق واحدة.. وصل المهرجان لنهاية السباق

كل شىء على ما يرام.. هكذا بدت الأمور فى مدينة تتهيأ للفرح. شوارع مغسولة بماء المطر، لا أثر لمستنقعات، شبكة الصرف تعمل بكفاءة. الأعلام التونسية تنهض، متجاورة، فوق ساريات على جوانب الأرصفة. واجهات دور العرض، مرصعة بأفيش هذه الدورة، المعتمد على حميمية الأبيض والأسود. يضم وجهين يعرفهما عشاق السينما تماما: طيب الذكر، مؤسس المهرجان، الطاهر شريعة «١٩٢٧ ــ ٢٠١٠»، وبجانبه، وجه أحد آباء السينما الأفريقية، السنغالى، عثمان سمبين «١٩٢٣ ــ ٢٠٠٧»، يبتسمان، برضاء ورقة، كأنهما سعداء ببقاء «أيام قرطاج» على قيد الحياة، منذ تأسيسه عام ١٩٦٦، برغم الخطوب والعثرات التى تعرض لها.

المهرجانات، فى العالم، ليست مجرد عرض أفلام، مسابقة، تكريمات، جوائز، لكنها حالة من البهجة والفرح، أقرب للعيد، احتفال، سرور، تجلٍ فى الشارع الرئيسى، الحبيب بورقيبة، والشوارع الجانبية المؤدية له، بدور العرض التى أعيد طلاء واجهاتها، وأصلحت مقاعدها، ونظفت شاشاتها، وهو التقليد المحمود الذى تقوم به وزارة الثقافة، على نفقتها، كل دورة.

جماهير الشباب، أمام الأبواب، بملابسهم الأنيقة، ووجوههم الآملة، العامرة بالأشواق، يبدد أجواء الصقيع تماما، يحولها إلى دفء إنسانى، وبالنسبة للوافدين، مثلى، يفاجأون، بارتفاع الشماسى الشخصية، فوق رءوس الجميع، حين يهطل المطر، كثيفا، غزيرا.. لكن، لن تعدم متطوعا نبيلا، يعيرك شمسيته، أو على الأقل، يقربها منك، كى يحميك من لسع قطرات الماء التى لاحظت أنها أقوى وأكبر حجما مما هى عندنا.

الافتتاح
حفل الافتتاح، جرى فى المسرح البلدى العريق، الأنيق، الذى أنشأه الفرنسيون فى بداية القرن الماضى، للترفيه عن الجاليات الأجنبية.. بعد الاستقلال، عام ١٩٥٦، آلت ملكية المسرح للدولة التى حافظت عليه، بينما بددت الكثير من المعالم المعمارية الثمينة ــ مثل معظم دولنا ــ ببيعها، كى يبنى الشبيحة مكانها، عمارات ومعارض تجارية.
إلى جانب الأمن، الحاضر بوضوح، سواء بمدرعات وعربات شرطة ورجال ضخام أشداء، بالإضافة لعدة أسوار حديدية متنقلة، تحدد مسار الجمهور، ثمة الضيوف، من الفنانين العرب الأفارقة.. برغم بعض الارتباكات المعتادة، فى الجلوس على المقاعد، جاء التنظيم جيدا على خشبة المسرح. عقب كلمة موجزة، من مدير هذه الدورة، المخرج الطموح، إبراهيم اللطيف، ألقت وزيرة الثقافة، لطيفة الأخضر، بلغة عربية جميلة، خطابا قصيرا، أكدت فيه أن أيام قرطاج، فى جوهرها، تتحدى الإرهاب وقوى الظلام.. فرقة موسيقى سيمفونية، أخذت مكانها أمام خشبة المسرح، لتعزف مقطوعات شهيرة، من أفلام «لورانس العرب»، «عصفور السطح»، «زوربا اليونانى»، فضلا عن مختارات من تشايكوفسكى.
فيلم الافتتاح هو «لامب» للمخرج الإثيوبى بارد زيليكى، الذى قدم أول أعماله.. «لامب» أو «الشاة»، عرض فى مهرجان كان وحظى بتقدير رفيع.. «لامب» أو «الشاة»، فيلم اجتماعى، ينتمى لأفلام الطريق، ويميل إلى الميلودراما.. بطله الطفل، ابن التسعة أعوام، يعيش فى منطقة جرداء، تموت والدته بسبب المجاعة. والده يطلب منه الرحيل إلى أقارب أفضل حالا.. فى الطريق يلتقى الصبية الرقيقة «شاته شونى»، وبعد مفارقات يصل إلى أقاربه، لكنه يقرر العودة إلى موطنه حين يطلب منه قريبه ان يذبح الشاة.. لكن عرض الفيلم، الناطق بالإثيوبية، المترجم إلى الفرنسية، يثير تلك المشكلة المزمنة فى المهرجان، الذى تغلب عليه، منذ إقامته، اللغة الفرنسية، الأمر الذى يرضى الإخوة الأفارقة، ويزعج، فى ذات الوقت، أبناء المشرق العربى.

طموح.. جدير بالاحترام
توسيع دائرة المستمتعين بالمهرجان، من الأهداف النبيلة بحق، تعبر عن نزعة عدالة ترى أن من حق المواطن فى «القيروان»، «صفاقس»، «المنستير»، «جندوبة»، وغيرها، أن يتابع أفلام المهرجان، شأنه فى هذا الشأن المواطن فى «تونس» العاصمة.. وبالتالى جرى تنظيم عروض سينمائية فى تلك المناطق.. واللافت، فى سابقة غير معهودة، انتقلت الأفلام، مع نجوم، إلى عدد من السجون التونسية، لعرضها على النزلاء، وإجراء حوارات مع المساجين.. وهذه مبادرة إنسانية لم تخطر على بال من قبل.. وكان مشرفا أن تصدر الصحف التونسية، ذات صباح، وفيها صورة لنجمنا خالد أبوالنجا، ويتناقش، فى سجن «برج الرومى» ببنزرت، حول فيلم «قدرات غير عادية» لداوود عبدالسيد.
تضمنت برامج هذه الدورة على عدد لا يستهان به من المحاور: بانوراما للسينما التونسية. سينمات العالم. السينما الأرجنتينية. السينما الإيطالية. تكريم مانويل دى أوليفرا، ونورى بوزيد.. وفى لمسة وفاء جميلة، تمثلت فى التكريمات التى أعدها الناقد، عبدالكريم مابوسى، لراحلات السينما المصرية: فاتن حمامة، مريم فخر الدين، نبيهة لطفى، معالى زايد، أسماء البكرى.

الحادث.. المباغت
بعد ثلاثة أيام من بداية المهرجان، تعمقت الألفة بين الجميع، جمهور من مناطق وبلاد مختلفة، رجال أمن ضخام الأجساد، تبدلت ملامحهم، فبعد التجهم والتشكك والتحفز، اكتست الوجوه بابتسامات ودودة، خاصة إذا سمعوا اللهجة المصرية.. الطوابير، فى مداخل دور العرض، لا تتزاحم، نسبة الأناقة المرتفعة واضحة، سواء من البنين أو البنات.
فى هذا المساء، من داخل دار العرض، فى شارع الحبيب بورقيبة، سمعت صوت انفجار مكتوم، ليس مدويا.. تجاهلت الأمر، أو الأدق أنه لم يلفت انتباهى، لكن لاحظت لغطا خفيفا، متصاعدا، مع تكرار أصوات أجراس وتنبيهات عربات الإسعاف.. بعد نصف الساعة، انتهى عرض الفيلم، وما أن خرج الجمهور حتى أدرك كل واحد أن حدثا مروعا وقع، يظهر أثره بوضوح على وجوه غلبها الوجوم، تتطلع، بأسى ويأس، إلى بعضها بعضا.. الشارع لم يعد هو ذات الشارع. عربات الشرطة متراصة، حواجز الحديد حول الأرصفة، أماكن سير المشاة غدت ضيقة تناقل الناس خبر التفجير الحادث داخل عربة شرطة.. قال البعض إن عدد القتلى اثنان، وفق تصريح التلفاز.
فى المقر الرئيسى لإدارة المهرجان، بفندق أفريقيا، ظهر إبراهيم اللطيف، ليعلن، برباطة جأش، أن ما حدث لن يوقف مسيرة أيام قرطاج، وأن البرامج ستظل كما هى، وكما تم التخطيط لها، مسبقا.
لكن الأمور لم تعد كما كانت، عدد الضحايا أخذ يتزايد ليتجاوز الـ«١٢»، كذلك الحال بالنسبة للجرحى، وسريعا، أعلن رئيس الجمهورية بنفسه، الباجى قائد السبسى ــ الممتقع الوجه، المغتاظ، الغاضب، الحزين ــ عن منع التجول، من الساعة التاسعة ليلا إلى الخامسة صباحا، مما يعنى إلغاء حفلة التاسعة من جميع دور العرض، وضغط مواعيد الندوات تجنبا للدخول فى حظر التجول.
بالضرورة، ارتبكت الأمور، فأفلام الليل تم ترحيلها للصباح، وأفلام الصباح، المفروض أنها للصحافة، تلاشت واختفت وأصبح البحث عنها كما البحث عن إبرة فى كوم قش.. المناقشات تغيرت طبيعتها، فبعد أن كانت تدور حول مستوى الأفلام واتجاهاتها، وتقييمها، غدت الأحاديث عن ذلك الإرهاب المقيت، الذى انطلق من بلادنا، بدعم ورعاية من دول أجنبية، أمست مطالبة، الآن، بدفع فاتورة تربية الوحش.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أثيرت قضية استخدام شماعة الإرهاب لتمرير قوانين مكبلة للحريات، بزعم أننا يجب أن نكون على قلب رجل واحد.. وأشياء من هذا القبيل.
الاعتداء الإرهابى الخسيس، لم يدمر أيام قرطاج، لكنه شرخ مزاج الجميع، وجعل المهرجان يبدو كما لو أنه يسير على قدم واحدة، ليستكمل السباق.. وهو، بالتأكيد، نجح فى مسعاه، ووصل إلى محطته الأخيرة بإعلان النتائج التى تحتاج لوقفة أخرى.

 

 

فيلم قدرات غير عادية
وزيرة الثقافة التونسية لطيفى الاخضر تسلم الجائزة المخرج المغربى محمد مقتاح
معلقة التظاهرة
المخرج التونسي ليلى بوزيد يحصل على الجائزة البرونزية التانيت عن فيلمها "وأنا افتح عيني"


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك