رواية إبحار بلا نهاية.. نعيم صبري يرصد تحديات الإنسان في زمن التحولات - بوابة الشروق
الخميس 1 مايو 2025 9:43 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

رواية إبحار بلا نهاية.. نعيم صبري يرصد تحديات الإنسان في زمن التحولات

رواية إبحار بلا نهاية
رواية إبحار بلا نهاية
أسماء سعد
نشر في: الجمعة 20 ديسمبر 2024 - 6:53 م | آخر تحديث: الجمعة 20 ديسمبر 2024 - 6:53 م

أسلوب شيق وشخصيات تُجسد الصمود البشرى بلا ادعاء

نصوص شيقة وأفكار يتجلى فيها عمق التجربة الإنسانية رغم ما تكتنفه من تحديات، وذلك ضمن فصول رواية «إبحار بلا نهاية» للكاتب الكبير نعيم صبرى، والصادرة عن دار الشروق؛ حيث يفتح الكاتب أبواب الروح الإنسانية على مصرعيها، ليكشف عن الجانب الأصيل الذى يتخلل العلاقات البشرية، ويضفى على الحياة قيمة ومعنى حتى فى أكثر لحظاتها اضطرابًا.

فى هذه الرواية، يُعيد نعيم صبرى صياغة فكرة الكفاح الإنسانى بصورته البسيطة والصادقة. يجمع العمل بين العمق النفسى لشخصياته والبناء الواقعى للأحداث، فيغدو نصًا أدبيًا غنيًا يُشرك القارئ فى رحلة استكشاف الذات والعالم المحيط. إن ما يُقدمه نعيم صبرى هنا ليس مجرد سرد لأحداث أو حكايات، بل هو تأمل إنسانى عميق يُعيد تعريف معنى الحياة، ويدعو القارئ ليبحر بنفسه فى تجربته الخاصة.

تبدأ رواية «إبحار بلا نهاية» بأسلوب سردى ذكى يتسم بالهدوء والتمهيد المدروس؛ حيث يفتتح الكاتب الرواية بصوت ماجد الذى يلتقى أدهم أثناء عملهما فى ليبيا خلال فترة السبعينيات. اختيار الكاتب لهذا المدخل يمنح العمل بعدًا واقعيًا نابضًا بالحياة، مما يُضفى على الرواية مصداقية واضحة وإحساسًا عميقًا بصدق التفاصيل والأجواء التى تُحيط بشخصيات النص.

نصوص الرواية لا تكتفى فقط باستكشاف مسارات النفس البشرية، بل تركز على جاذبية الطرح وشفافية الأسلوب، وهى أدوات لطالما تفرد بها نعيم صبرى فى مسيرته الروائية، وفى هذه الرواية، يجمع الكاتب بين التكثيف والعمق دون أن يفقد سردُه مرونته وسلاسته؛ فيغدو القارئ شريكًا لا مجرد متلقٍ، بل يغمره شعور بالمودة تجاه شخصيات الرواية وأحداثها. 

يختار الكاتب بشكل مقصود أن تدور أحداث الرواية من خلال صوتى بطلين رئيسيين، هذا الخيار السردى يجعل النص قريبًا من روح القارئ، وكأن الشخصيات تهمس له مباشرةً، تحكى عن نفسها وعن حيواتها دون تصنع أو تكلف. فى تلك اللحظات السردية، يجد القارئ نفسه فى حالة تأمل ذاتى؛ إذ يرى فى قصص الشخصيات انعكاسًا لاختياراته الشخصية ولحياته بتفاصيلها اليومية المعقدة.

عبر هذه الأصوات، تتحول الحكاية إلى لقاء دافئ بين القارئ والنص، وكأن كاتب الرواية يُتيح فرصة نادرة لاكتشاف الجمال المختبئ فى ثنايا المعاناة الإنسانية. وفى كل فقرة يزداد القارئ تفاعلاً مع ما يقرأ، بل يصبح جزءًا من الحكاية نفسها، يراقب الشخصيات وهى تُبحر بين أحلامها، آلامها، وقراراتها المصيرية.

يتجاوز النص فى مضمونه مجرد تسليط الضوء على صراعات الحياة اليومية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك ليؤكد أن الحياة، بكل ما تحمله من مرارة وعذوبة، هى تجربة جديرة بأن تُعاش. فالتنوع الذى يميز مسارات البشر المختلفة هو ما يُثرى الحياة ويمنحها نكهتها الخاصة. قد تتبدل الظروف وتتغير الأقدار، لكن يبقى طعم الحياة، بما فيه من مزيج بين الحلو والمر، هو ما يجعل منها رحلة ذات معنى.

تدفع الرواية القارئ إلى إدراك أن الصعوبات ليست نهاية الطريق، بل جزء من تجربة أوسع تتطلب الصبر والتأمل. ومن خلال شخصيات أدهم وماجد، يبرز الكاتب كيف تتشكل العلاقات الإنسانية وتُعمّق فهمنا لذواتنا ولمن حولنا، ليصبح التفاعل الإنسانى محورًا أساسيًا فى تجاوز الأزمات واستعادة التوازن.

ما يُميز هذه الرواية أيضًا هو اتكاؤها على خلفية تاريخية واجتماعية تُلقى الضوء على جيل عاش تقلبات كبرى فى فترات تاريخية مشهودة، ضمن حقب زمنية مليئة بالأحداث السياسية الكبرى تركت بصماتها الحادة، وأحيانًا القاسية، على حياة الأفراد، وهو ما يرصد الكاتب أثره بوضوح ودقة من خلال شخصياته.

ينجح نعيم صبرى هنا فى تحقيق توازن دقيق بين الجانب الشخصى للحكاية والبعد التاريخى لها، إذ لا تتحول الرواية إلى سرد توثيقى جامد، بل تظل محتفظة بدفئها الإنسانى الذى يُشعر القارئ بقربها من واقعه الشخصى، ويدرك القارئ أن صبرى يواصل استكشاف قضايا الأجيال ومساراتها المتنوعة، ولكن من زوايا جديدة لم يتطرق إليها بعمق فى أعماله السابقة، الرواية هنا ليست مجرد حكاية شخصية، بل هى أيضًا مرآة تعكس كيف تفاعل الأفراد مع الأحداث الكبرى التى مرت بها المنطقة، وكيف شكّلت هذه الأحداث مصائرهم وأثرت فى اختياراتهم الحياتية.

سلاسة السرد فى «إبحار بلا نهاية» هى السر الحقيقى لجاذبيتها، فالكاتب لا يلجأ إلى تعقيد الأفكار أو تجميلها بعبارات منمقة؛ بل يعتمد على عفوية الحوار وصدق الموقف ليُقيم جسورًا من التواصل بين النص والقارئ. يشعر القارئ مع كل صفحة وكأن الكاتب يهمس له: «هذه قصتى، ربما تُشبه قصتك، وربما تجد فيها ما لم تتوقعه عن نفسك».

تُعد الرواية باختلاف منعطفاتها تجربة أدبية ثرية تجمع بين المتعة الفكرية والوجدانية، هى رحلة إنسانية تفيض بالمشاعر العميقة، وتأخذ القارئ فى مسار تأملى يلامس تفاصيل حياته اليومية وخياراته الشخصية. نجح نعيم صبرى فى بناء نص يُحاكى الواقع دون أن يغرق فى سوداويته، بل يُبرز الجانب المضىء فى روح الإنسان، ليُعيد تعريف الجمال كقيمة موجودة فى كل تجربة، مهما بدت صعبة أو معقدة.

يصل القارئ إلى يقين مع ختام صفحات الرواية، أنها ليست مجرد حكاية مكتوبة، بل هى دعوة مفتوحة لاستكشاف الذات والآخرين، والتصالح مع الحياة بكل ما تحمله من تنوع وجمال خفى.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك