يظن كثير من الآباء أن الضرب وحده هو ما يترك أثرًا سلبيًا على الأبناء، لكن دراسات حديثة وخبراء في الصحة النفسية يؤكدون أن الكلمات القاسية، سواء في صورة إهانات مباشرة أو سخرية من الوزن والمظهر، قد تكون أشد ضررًا من العنف الجسدي نفسه، فالتربية لا تتعلق فقط بالابتعاد عن العقاب البدني، بل تشمل أيضًا الوعي باللغة المستخدمة مع الأطفال.
-الإساءة اللفظية أثر يتجاوز العقاب
كشفت دراسة نُشرت في مجلة BMJ Open، أن الأطفال الذين تعرضوا للسخرية أو الإهانة من والديهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بضعف الصحة العقلية في مرحلة البلوغ بنسبة تصل إلى 64%، مقارنة بـ 52% فقط لدى من تعرضوا للإيذاء الجسدي.
واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 20 ألف مشارك، وأظهرت أن تراجع معدلات العنف الجسدي عبر الأجيال قابله ارتفاع في معدلات الإساءة اللفظية، ما قد يُفشل أي تقدم متوقع في تحسين الصحة النفسية للأطفال.
-السخرية من الوزن أثر يدوم لعقود
وفي دراسة أخرى أجرتها جامعة بريستول ونُشرت في مجلة The Lancet Regional Health – Europe، تتبعت أكثر من 4 آلاف طفل من التسعينيات حتى اليوم.
وأظهرت النتائج أن المراهقين الذين تعرضوا لتعليقات سلبية من أسرهم بشأن الوزن أو شكل أجسادهم، كانوا أكثر عرضة للشعور بالعار من أجسادهم بعد مرور ما يقرب من 20 عامًا، حتى لو لم يعانوا من السمنة لاحقًا.
وهذا ما يُعرف بوصمة الوزن، وهي شعور داخلي بالدونية أو قلة القيمة بسبب الشكل أو الوزن، وترتبط باضطرابات الأكل والقلق والاكتئاب.
-الكلمات تترك ندوبًا يصعب محوها
كما أشار الدكتور جمال فرويز استشاري الصحة النفسية في تصريحات خاصة لـ"الشروق"، إلى أن اللغة القاسية من الوالدين لا تقل خطورة عن الضرب، بل قد تكون أشد لأنها تُخزّن في الذاكرة وتعيد تشكيل صورة الطفل عن نفسه حتى مرحلة البلوغ.
وسواء كانت إهانة مباشرة، أو تعليقًا على الوزن، أو ضغطًا للالتزام بمعايير شكلية، فإن أثرها قد ينعكس في ضعف تقدير الذات، اضطرابات الأكل، أو حتى زيادة مخاطر الإصابة بالاكتئاب.
-الكلمات الداعمة أداة بناء
وقال إن الكلمات المهينة والمذلة يمكن أن تترك ندوبًا نفسية طويلة الأمد لا تقل خطورة عن تلك الناتجة عن العنف الجسدي، فنحن بحاجة إلى بناء الأطفال بالكلمات الداعمة، لا أن نحطمهم بعبارات قاسية.
ونبه بأن تشجيع الأطفال على الأكل الصحي أو ممارسة الرياضة يجب أن يكون بدافع الصحة والرفاهية، لا بهدف الوصول إلى النحافة كمعيار للجمال.
وبالتالي نتوصل إلى أن التربية لا تتعلق فقط بالابتعاد عن الضرب، بل تشمل أيضًا الوعي بالكلمات المستخدمة مع الأبناء، فالتعليقات الجارحة والسخرية قد تبني جدارًا من العار والاضطراب النفسي يستمر مدى الحياة.