ولاية الفقية في صورتها المعاصرة - محمد السيد سليم - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ولاية الفقية في صورتها المعاصرة

نشر فى : السبت 1 أغسطس 2009 - 9:40 م | آخر تحديث : الأحد 2 أغسطس 2009 - 10:07 ص
تجدد الجدل فى الفكر الشيعى الاثنى عشرى حول ولاية الفقيه فى القرن التاسع عشر على يد المولى أحمد النراقى الكاشانى (1771ــ 1829) حيث أعاد إحياء فكرة ولاية الفقيه، ولكنه أعطاها طابعا عموميا. فقال للفقيه كل ما للنبى وللإمام. فالله منح الولاية للأنبياء، ثم الأوصياء، ثم الفقهاء. وقال إن الفقيه يحكم فى غيبة الإمام ويقوم بوظائف الافتاء، والقضاء، وإجراء الحدود والتعزيرات، والولاية على أموال اليتامى والمجانين والسفهاء، بل التصرف فى أموال الإمام، وكل ما يلزم الإمام تجاه الرعية.

الفقيه عند النراقى يقوم مقام الإمام المعصوم فى كل شىء. وقد دخل النراقى فى مواجهة مع الإخباريين. فقد رفض هؤلاء ولاية الفقيه، لأن مبانيها عقلية وغير مستندة إلى الإخبار عن المعصومين. كما اعترض الميزرا النائينى (1860ــ 1936) على أفكار النراقى مطالبا بإقامة نظام نيابى يمثله مجلس شورى تقوم فيه الأمة بمراقبة الحكام ويتأسس على الدستور الذى ينظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين. ولكنه سلم فى الوقت ذاته بوجود هيئة للمجتهدين داخل مجلس الشورى لضمان عدم صدور قوانين تخالف الشريعة الإسلامية، بشرط أن تنتخب هيئة المجتهدين من ببن كبار العلماء العارفين بالسياسة. ومن ثم فإن فكرة ولاية الفقيه كانت تلقى دائما رفضا من داخل مربع الفكر الشيعى.

وفى سياق الثورة الشعبية التى قادها آية الله الخمينى ضد شاه إيران تبنى فكرة ولاية الفقيه وأعطاها أبعادا أكثر إطلاقا وعمومية، ثم طبقها عمليا حينما قاد الثورة الإسلامية التى نجحت فى الوصول إلى الحكم سنة 1979 وأصدرت دستورا ينص على بناء النظام السياسى الإيرانى استنادا إلى فكرة ولاية الفقيه بالمفهوم الذى طوره، وتولى الخمينى ذاته منصب الفقيه حتى وفاته سنة 1989.

انطلق الخمينى من مقولة أنه لما كانت غيبة الإمام الثانى عشر قد طالت، فليس معقولا أن تظل أحكام الإسلام معطلة فى ظل تلك الغيبة، مما يتطلب إقامة حكومة إسلامية يرأسها الفقهاء. أضاف الخمينى أن إقامة تلك الحكومة هى توءم الإيمان بالولاية، وفرض كفاية على الفقهاء. فإن قام أحدهم بتشكيل الحكومة يجب على الأتباع طاعتها. بذلك رفع الخمينى ولاية الفقيه إلى مرتبة الأحكام الدينية الواجبة التنفيذ، واعتبر أن ولاية الفقيه هى «ولاية اعتبارية» وليست «ولاية تكوينية». يقصد بالولاية التكوينية ولاية الإمام على بن أبى طالب وأولاده من فاطمة، وهم الأئمة الاثنى عشر المنصوص عليهم. أما الولاية الاعتبارية، فهى ولاية الفقهاء، وهى ليست محدودة فى شخص بعينه ولكنها متاحة لأى فقيه متى انطبقت عليه أوصافها.

معنى ذلك أن الفقيه ليس هو الإمام الغائب بذاته، ولكنه نائب عن الإمام يمارس نيابة عنه كامل

اختصاصاته. أما فيما يتعلق بشكل نظام ولاية الفقيه، فإنه يقوم على أن الفقهاء لا يتولون السلطة السياسية، ولكنهم حكام على السلاطين، أى إنهم يرشدون السلاطين إلى طريق الصواب. وللفقهاء فى ظل ولاية الفقيه كل الصلاحيات السياسية والتنفيذية للولاية التكوينية. «فللفقيه العادل جميع ما الرسول والأئمة مما يرجع إلى الحكومة والسياسة». كما أن الفقيه هو نائب عن الإمام ولكنه ليس نائبا عن الأمة. فالفقيه الولى لا يعين من قبل عامة الناس، ولكن من الفقهاء الجامعين لشروط حكام الولاية. بهذا تنتقل سلطات الإمام بالكامل إلى الفقيه مما يعنى أن سلطاته مطلقة كسلطات الإمام الغائب.

على الرغم من أن أفكار الخمينى عن ولاية الفقيه لم تكن جديدة تماما إلا أن أهميتها تنبع من اعتبارين أولهما هو أنه دافع بقوة عن مفهوم عموم ولاية الفقيه وأعطاه بعدا سياسيا ودينيا فى آن واحد. وثانيهما أنه طبق هذا المفهوم حينما صدر دستور الثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979، وهو الدستور الذى جعل ولاية «المرشد» هى أساس النظام السياسى الإيرانى. فله حق تعيين وعزل السلطات الدستورية الثلاث وهو سلطة تعلو كل السلطات، ويتم اختياره من «مجلس الخبراء» المنتخب من الشعب الذى له وحده، دون الأمة حق عزله.

بيد أن فكرة عموم ولاية الفقيه واجهت اعتراضات من عدد من مفكرى الشيعة فى إيران وخارجها. فقد ظهر تيار يعترض على ولاية الفقيه من حيث المبدأ معتبرين أن فكرة ولاية الفقيه هى مجرد بدعة دخلت على الفكر الشيعى. بل ذهب بعضهم إلى أن فكرة ولاية الفقيه تتعارض مع نصوص القرآن التى تشير إلى أن واجب الفقيه هو التبليغ والدعوة الدينية، ومن ثم اعتبروا من يقول بولاية الفقيه خارجا عن الإسلام. ومن أهم هؤلاء موسى الموسوى. كما كتب حجة الإسلام محسن كديور، يعارض مبدأ ولاية الفقيه مشيرا إلى أن العلاقة بين الشعب والحاكم ليست ولاية ولكنها «وكالة». كذلك يقول السيد محمد الحسينى، الأمين العام للمجلس الإسلامى العربى فى لبنان، «إن نظام ولاية الفقيه نظام دكتاتورى مستبد».

كذلك عارضت بعض عناصر التيار الأصولى الذى مثله آيات الله شريعتمدارى، والمرعشى النجفى، وطالقانى عارض مبدأ الولاية العامة للفقيه، تأسيسا على أن أى حكم فى غيبة الامام ليس حكما إسلاميا، وأنه على الفقهاء أن يمتنعوا عن الاشتغال بالسياسة ويتفرغوا للتربية والدعوة مع إمكان الإشراف على التأكد من مطابقة القوانين للقانون الإلهى. فالولاية العامة هى للإمام المعصوم فقط. لم يرفض هذا الفريق ولاية الفقيه من حيث المبدأ ولكنه جردها من مضمونها السياسى. كذلك، فقد طالب آية الله منتظرى بما أسماه الخروج من ولاية الفقيه إلى «ولاية الأمة».هذا على الرغم من أن منتظرى كان مرشحا لخلافة الخمينى فى تولى منصب الفقيه. وقد انتهى به هذا الرأى إلى عزله سياسيا. وقد نادى بالرأى ذاته الشيخ مهدى شمس الدين، النائب السابق للمجلس الإسلامى الشيعى الأعلى فى لبنان.

يدلنا هذا العرض لمفهوم ولاية الفقيه إلى عدة نتائج أولها أن هذا المفهوم ليس جزءا من الفكر الشيعى الذى قال به الأئمة المعصومون ولكنه اجتهاد بشرى خالص انتقده العديد من المراجع الشيعية. كما أن هناك تيارا قويا فى الفكر الشيعى المعاصر يعارض فكرة ولاية الفقيه بالمفهوم المطلق الذى جاء به الخمينى. ذلك أن الفقيه بشر يصيب ويخطأ، فإذا كانت سلطاته مطلقة أصبحت أخطاؤه كارثية على نحو ما شهدناه فى خطاب آية الله خامنئنى فى 13 يونيو الماضى والذى انحاز فيه ضد الإصلاحيين المطالبين بنزاهة الانتخابات، مما أدى إلى انشقاق امتد إلى التشكيك فى المرشد ذاته، وربما يفتح المجال إلى اعادة النظر فى فكرة ولاية الفقيه ذاتها، خاصة أنها، كما قلنا، مجرد اجتهاد فكرى. وفى تقديرى أن ايران قد بدأت رحلة العدول عن فكرة ولاية الفقيه دون أن يعنى ذلك بالضرورة التخلى عن الثورة الإسلامية كما يحلم البعض.

 

محمد السيد سليم أستاذ العلوم السياسية بجامعتى الكويت والقاهرة. حصل على الدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة كارلتون بكندا سنة 1979. متخصص فى العلاقات الدولية والدراسات الآسيوية. أسس مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة وأداره بين عامى 1994 ، 2003. كما أسس برنامج الدراسات الماليزية بجامعة القاهرة سنة 2003. حصل سنة 2008 على جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية من جمهورية مصر العربية.
التعليقات