حلف الأطلنطى يتحدى روسيا فى محيطها المباشر - محمد السيد سليم - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلف الأطلنطى يتحدى روسيا فى محيطها المباشر

نشر فى : الثلاثاء 12 مايو 2009 - 7:27 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 مايو 2009 - 7:27 م

 بدأ حلف شمالى الأطلنطى إجراء مناورات عسكرية مع جورجيا، التى تقع على حدود روسيا مباشرة، تستمر لمدة شهر حتى 3 يونيو القادم. جاءت تلك المناورات رغم اعتراضات الرئيس الروسى ميدفيديف على إجرائها، باعتبارها «استفزازا واضحا».

ورغم أن هذه المناورات لم تكن الأولى بين جورجيا والحلف، إذ جرت مناورات سابقة فى عهد الرئيس السابق شيفار نادزه، فإنها هذه المرة أتت فى وقت اتسم باضطرابات واحتجاجات داخلية تطالب باستقالة الرئيس الجورجى ساكاشفيلى.

وفى سياق تدهور واضح فى علاقة روسيا بالحلف تمثل فى قيام الحلف فى 29 أبريل الماضى بطرد اثنين فى الدبلوماسيين الروس المعتمدين لديه، ردت روسيا على ذلك بالمثل، مع تهديد آخر برد «مناسب» على المناورات الأطلنطية، خاصة أن جورجيا ذاتها لا تشارك فيها، إنما اقتصر دورها على فتح أراضيها أمام الحلف لإجراء مناورات عسكرية.

فلماذا قرر حلف الأطلنطى أن تجرى تلك المناورات فى تحد واضح لروسيا فى محيطها الأمنى المباشر؟.. وما آثاره تلك المناورات المحتملة على الأمن فى القوقاز؟

(1)
علاقات روسيا بالحلف فى عهد يلتسين

رغم أن دول حلف وارسو حلت الحلف فى مارس سنة 1991، فإن حلف الأطلنطى صمم على الاستمرار بل وتعهد رسميا بالاستمرار فى امتلاك الأسلحة النووية إلى الأبد، فى مخالفة صريحة لاتفاقية منع الانتشار النووى.

كما بدأ الحلف يقوم بمهام خارج نطاقه الجغرافى. لم تعترض روسيا فى عهد يلتسين على ذلك، بل إنها دخلت برنامج «المشاركة من أجل السلام» فى يونيو سنة 1994. وفى مايو سنة 1997 وقع الطرفان «القانون الأساسى حول العلاقات المتبادلة والأمن» والذى نص على أن الطرفين لا يعتبران أنفسهما أعداء وسيعملان على بناء السلام فى العالم الأوروبى الأطلنطى.

ولكن العلاقات بين الطرفين تدهورت فى شهر مارس سنة 1999 حيث توسع الحلف ليضم ثلاث دول من حلف وارسو، وهى المجر وبولندا وجمهورية التشيك، كما قام بغزو صربيا، حليفة روسيا، لإجبارها على قبول مطالبه فى كوسوفو، وهو الأمر الذى أدانته روسيا بقوة وصلت إلى حد قطع العلاقات مع الحلف. ولكن يلتسين حرص على حفظ التوتر عند حده الأدنى لأن روسيا لم تكن فى مركز يسمح لها بتحدى الحلف.

(2)
علاقات روسيا بالحلف فى عهد بوتين

فى شهر يونيو سنة 2000 قدم الرئيس الروسى بوتين عدة مبادئ لسياسة روسيا الخارجية عرفت باسم «مبدأ بوتين»، كان من أهمها أنه إذا استمر توسع حلف الأطلنطى شرقا فإن روسيا ستسعى إلى دعم الترابط بين دول الاتحاد السوفييتى السابق لحماية منطقة دفاعها الأول، فى إشارة إلى معارضة روسيا لتوسع الحلف شرقا.

ولكن فى إطار أحداث 11 سبتمبر سنة 2001، وسعى روسيا إلى التفاهم مع الولايات المتحدة فى إطار سياسة «مكافحة الإرهاب»، وقعت روسيا مع الحلف اتفاقية إنشاء «مجلس حلف الأطلنطى ــ روسيا» فى مايو سنة 2002، كإطار للتشاور والتعاون العسكرى بين الطرفين.

ولكن الحلف قام فى سنة 2004 بضم ثلاث من جمهوريات الاتحاد السوفييتى (استونيا وليتوانيا ولاتفيا) وأربع من دول حلف وارسو (بلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا) مما عمق من شكوك روسيا فى أن الحلف يسعى إلى محاصرتها كما حدث للاتحاد السوفييتى فى عصر الحرب الباردة.

كما أدى إلى توجيه بوتين اتهاما مباشرا للحلف بأنه يسعى تدريجيا إلى أن يحل محل الأمم المتحدة. وقد أدى صعود الاقتصاد الروسى نتيجة لضرب المافيا المالية الروسية وارتفاع أسعار النفط، إلى توجه روسيا نحو التعبير بقوة عن معارضتها لتمدد حلف الأطلنطى شرقا.

ولما قام الحلف فى سنة 2007، ومن طرف واحد، بإعلان استقلال كوسوفو عن صربيا فى مخالفة واضحة لقرار مجلس الأمن الخاص بصربيا الصادر سنة 1999، احتجت روسيا وهددت بالاعتراف باستقلال إقليمى أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن دولة جورجيا، وهو ما فعلته فى أعقاب الحرب الروسية الجورجية فى أغسطس سنة 2008.

(3)
العلاقات الجورجية الأطلنطية

بالمقابل فإن جورجيا انضمت إلى برنامج المشاركة من أجل السلام فى سنة 1944، بل وأجرت مع الحلف مناورات عسكرية فى عامى 2001 و2002 فى عهد الرئيس السابق شيفار نادزه، لم تحتج عليها روسيا. ولكن مع مجىء ساكاشفيلى إلى الحكم سنة 2004 شرع فى اتباع سياسة معادية لروسيا، وساعية إلى الانضمام إلى حلف الأطلنطى.

وفى قمة الحلف التى عقدت فى بوخارست سنة 2008 وعدت الدول الأطلنطية جورجيا بضمها إلى الحلف. كما ساندت دول الحلف جورجيا فى الحرب الروسية ــ الجورجية فى أغسطس سنة 2008، مساندة سياسية واقتصادية.

وفى أعقاب الحرب تم إنشاء «لجنة حلف الأطلنطى ــ جورجيا» فى 15 سبتمبر سنة 2008 كإطار للتشاور بين الطرفين على غرار «مجلس حلف الأطلنطى ــ جورجيا»، وفى 4 أبريل الماضى أعلن الحلف مرة أخرى عن عزمه على ضم جورجيا، وتأييده لها فى عدم الاعتراف بانفصال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عنها، ومطالبته لروسيا بسحب اعترافها بالجمهوريتين، رغم أن الحلف لم يسحب اعترافه بانفصال كوسوفو عن صربيا.

(4)
أهداف المناورات العسكرية الأطلنطية فى جورجيا

أعلن حلف الأطلنطى أن الهدف من المناورات، التى يشارك فيها ألف جندى وتستمر لمدة شهر، هو إجراء «تدريب قيادة» ثم «تدريب ميدانى» لاختبار هجوم إرهابى على مهمة حفظ سلام.

وقد دعى الحلف روسيا وأرمينيا وكازاخستان ومولدوفا وصربيا، إلى المشاركة فيها، ولكنها جميعا رفضت لأن الحلف لم يتشاور معها حول مكان عقد تلك المناورات والهدف من عقدها فى جورجيا بالتحديد، ولتشككها بأنها بقبولها المشاركة فان ذلك قد يعد اعترافا بدور جورجيا فى الحلف.

والرأى السائد لدى الروس هو أن ما حدا بحلف الأطلنطى إلى إجراء تلك المناورات هو الرد على اعتراف روسيا باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا من ناحية، والسعى إلى إظهار الدعم للرئيس الجورجى فى وقت عمت فيه المظاهرات المدن الجورجية مطالبة باستقالته لطبيعة نظامه التسلطية ولفشله فى عملية التنمية ودخوله فى استفزازات مباشرة لروسيا التى يعتمد عليها الاقتصاد الجورجى إلى حد بعيد، وكذلك السعى إلى استعادة شعبية ساكاشفيلى فى ضوء أن الرأى العام الجورجى يؤيد انضمام الدولة إلى الحلف، وبالتالى إظهار ساكاشفيلى كما لو أنه يحقق هذا المطلب الشعبى.

هذا فى الوقت الذى يعتبر فيه 62% من الروس التوسع الأطلنطى بمثابة تهديد لروسيا، وهو الأمر الذى عبر عنه بريماكوف، رئيس الوزراء الروسى السابق، وهو من حكماء روسيا المرموقين، أن الهدف من المناورات هو «إضعاف روسيا لجعلها أكثر ليونة ومرونة حينما يتعلق الأمر بمصالحها القومية».

تكمن أهمية المناورات الأطلنطية فى أنها تتم فى سياق توتر عسكرى فى إقليم جنوبى القوقاز بين روسيا وجورجيا، كما أنها تتم فى مناطق قريبة من وجود القوات الروسية فى أوسيتيا الجنوبية وتنطلق من القاعدة الروسية السابقة فى جورجيا، وهى قاعدة فازيانى، كما أنها ستستمر فترة زمنية طويلة نسبيا مدتها شهر.

كل ذلك يزيد من احتمالات الصدام الروسى مع القوات الأطلنطية من خلال إما صدام غير مقصود، أو من خلال رد روسى على تلك المناورات، خاصة أن الرئيس الروسى ميدفيديف هدد «برد بمناسب» لم يحدده.

فهل تساوى تلك المناورات التكاليف المحتملة التى قد يتحملها الأمن والاستقرار فى القوقاز؟.. ومتى سيتوقف استثمار ما يسمى بالإرهاب، والذى هو المبرر الرسمى لإجراء تلك المناورات، ستارا لتحجيم القوى الصاعدة فى النظام العالمى؟

محمد السيد سليم أستاذ العلوم السياسية بجامعتى الكويت والقاهرة. حصل على الدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة كارلتون بكندا سنة 1979. متخصص فى العلاقات الدولية والدراسات الآسيوية. أسس مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة وأداره بين عامى 1994 ، 2003. كما أسس برنامج الدراسات الماليزية بجامعة القاهرة سنة 2003. حصل سنة 2008 على جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية من جمهورية مصر العربية.
التعليقات