هل انتهت حركة التاميل فى سريلانكا؟ - محمد السيد سليم - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل انتهت حركة التاميل فى سريلانكا؟

نشر فى : الثلاثاء 9 يونيو 2009 - 8:02 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 يونيو 2009 - 8:02 م

 أعلنت الحكومة السريلانكية أنها قد سحقت «جبهة تحرير نمور تاميل إيلام» التى تسعى منذ سنة 1983 لإنشاء وطن للتاميل فى إقليم تاميل إيلام فى شمال غربى البلاد، وأنها تسيطر الآن على كل الجزيرة.

والحق أن ما حدث فى سريلانكا فى الأسابيع الماضية يعد تحولا نوعيا سيترك آثاره لسنوات طويلة، ليس فقط داخل سريلانكا بل أيضا خارجها. فقد لجأت حكومة سريلانكا إلى الأسلوب الاستئصالى الشامل القائم على البتر الجراحى، المتمثل فى إخراج المدنيين من مسرح القتال للتمهيد لحصر المتمردين فى مساحات محصورة ثم سحقهم من خلال القصف المدفعى والجوى الشامل، مع عدم الاكتراث بمصير المدنيين النازحين، أو الذين يحاصرون فى مسرح المواجهات المسلحة، واستبعاد التفاوض السياسى مع المتمردين. وهى ذاتها الإستراتيجية التى اتبعتها روسيا ضد الشيشانيين فى الحرب الروسية ضدهم فى سنة 1999، وتتبعها الحكومة الباكستانية حاليا ضد حركة طالبان. ومن المؤكد أن نجاح حكومة سريلانكا فى تلك الإستراتيجية سيدفع حكومات أخرى إلى التخلى عن الاستراتيجيات السياسية ــ العسكرية لصالح إستراتيجيات المواجهة العسكرية الشاملة.

ولكن تلك الإستراتيجية قد تنجح فى المدى القصير، ولكنها تفشل بكل تأكيد على المدى البعيد، بدليل أنه بعد حوالى عقد من الزمان لم تزل المواجهات قائمة فى الشيشان بين الروس والمتمردين الشيشانيين.

وفى سريلانكا لا يبدو أن الصراع قد حسم لصالح الحكومة لعدة أسباب.

أولها أن الصراع السريلانكى ليس صراعا سياسيا فحسب ولكنه صراع بين قوميتين هما الأغلبية السينهالية والأقلية التاميلية التى يبلغ عددها 6 ملايين نسمة يشكلون 30% من السكان. ولكل منهما لغته ودينه ومناطق تركزه السكانى المختلفة عن الأخرى، كما تسيطر الأغلبية على ثروات البلاد وتتعامل مع الأقلية من منطلق الهيمنة، وعدم تقاسم السلطة السياسية، وفرض اللغة السنهالية على التاميل. وبالتالى تتقاطع خطوط التكوين القومى واللغوى والدينى مع خطوط السيطرة السياسية. ومثل هذه الصراعات لا تحسمها المعارك العسكرية، وإنما الحلول السياسية.

أما ثانى الأسباب أن حركة نمور التاميل ليست هى وحدها حركة التمرد التاميلية. فهناك إحدى عشرة حركة قومية تاميلية كبرى، بالإضافة خمس وعشرين مجموعة سياسية ــ عسكرية أصغر، خمسة تنظيمات عسكرية خالصة، وسبعة أحزاب سياسية تاميلية. وقد نشأت تلك القوى بسب تردى المستوى الاقتصادى للتاميل وفرض اللغة السنهالية عليهم. ومن المؤكد أنه مع عدم تغير تلك الأوضاع فإن تلك الحركات تفكر حاليا فى صيغ أخرى لمواصلة تحقيق مطالب الأقلية التاميلية، لن يستثنى منها العودة إلى القتال.

أما ثالث هذه الأسباب فهو أن القومية التاميلية فى سريلانكا هى جزء من قومية أكبر موجودة فى الهند (ولاية تاميل نادو)، والجماعات التاميلية فى الخارج. وهناك روابط قوية بين تلك الجماعات حيث يساند تاميل الهند والجماعات المهاجرة مطالب تاميل سريلانكا، كما أن لتاميل الهند ذاتها مطالب تشبه مطالب أبناء عمومتهم فى سريلانكا. ولهذا دعمت الهند حملة الحكومة السريلانكية ضد التاميل أملا فى أن ترتد آثار سحق الحركة التاميلية السريلانكية على تاميل الهند. لكن من المرجح أن الامتدادات التاميلية الخارجية سواء فى الهند أو أوروبا ستدعم الحركة القومية التاميلية فى سريلانكا فى المرحلة المقبلة.

من ناحية رابعة، لابد من تذكر الوحشية الهائلة التى استعملتها الحكومة السريلانكية فى إنهاء التمرد التاميلى. فقد قدر عدد القتلى التاميل المدنيين منذ شهر يناير الماضى بحوالى سبعة آلاف قتيل تاميلى من بين 80 ألف تاميلى سقطوا منذ بدء الحركة الانفصالية سنة 1983، بالإضافة إلى حوالى ربع مليون لاجئ على الأقل. وستظل تلك النتائج الكارثية عالقة بأذهان أجيال التاميل المتلاحقة خصوصا أن الحكومة قد تعاملت مع مقتل براباركان، زعيم الحركة وبانتهاء التمرد بعقلية غرور المنتصر، وعدم الاكتراث بمعاناة المدنيين، إلى حد أنها واصلت عرقلة وصول الإمدادات الطبية والغذائية إليهم من المؤسسات الدولية تحت وهم أن بعض المحاربين التاميل مختفون بينهم. مما دعا بان كى مون، أمين عام الأمم المتحدة، إلى الذهاب بنفسه إلى سريلانكا لحث حكومتها على السماح بوصول المساعدات الدولية إلى المدنيين التاميل المحاصرين.كما ظهرت دعوات دولية قوية إلى مثول الرئيس السريلانكى راجاباكسا أمام المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب التى ارتكبها فى إقليم التاميل، وهو الأمر الذى قابله الرئيس بالسخرية. ومرة أخرى، فبينما تبدى بعض الحكومات الغربية انزعاجها للخسائر بين المدنيين التاميل، فإنها هى ذاتها بالإضافة إلى الهند وإسرائيل ساهمت فى نكبة التاميل حين زودت الحكومة السريلانكية بالسلاح، وحاصرت الشواطئ الشمالية الشرقية لسريلانكا لمنع وصول الإمدادات للمتمردين، وفرضت حصارا على وصول الإمدادات المالية إلى نمور التاميل فى الدياسبورا.

ولا يمكن أن يمر ما حدث فى إقليم التاميل من قتل وتشريد للمدنيين التاميل بدون تحقيق دولى مستقل يؤدى إلى محاكمة المسئولين عن جرائم الحرب التى ارتكبت فى هذا البلد.

وفى كل الحالات سيعتمد مستقبل التمرد السياسى التاميلى على عاملين؛ أولها، ما إذا كانت حكومة راجاباكسا ستقوم بإعادة ربع مليون لاجئ تاميلى إلى مناطق عيشهم الأصلية أم ستعمل على تهجيرهم لإضعاف تركز التاميل فى مناطق معينة، وبأى سرعة ستفعل ذلك. فالحكومة لا تزال تصر على إبقاء هؤلاء فى معسكرات اعتقال تحت ادعاء أنها تريد التحقق من أنه لا يوجد بينهم عناصر للمقاومة. وأيضا سيعتمد على ما إذا كانت الحكومة ستتبع منهجا تصالحيا مع التاميل والمسلمين أساسه تقاسم السلطة والثروة، بين القوميات الثلاث، أم أنها ستواصل منهج حكم الأغلبية السنهالية القائم على احتكار السلطة والثروة. وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أنه ما لم يتغير هذا المنهج «فإن التاريخ سيكرر نفسه». فى إشارة منه إلى احتمال تجدد التمرد. أما العامل الثانى فهو مدى قدرة الحركات القومية التاميلية الأخرى على تقييم أسباب الكارثة التى حلت بالتاميل، ومواصلة مسيرة تأمين مطالبهم القومية والاقتصادية المشروعة.

قلنا فى بداية هذا المقال أن نتائج ما حدث فى سريلانكا سيكون لها انعكاسات خارج البلاد. وأرجح أن أحد أهم تلك الانعكاسات سيكون فى قطاع غزة، حيث سيشجع الصمت الدولى على ما حدث فى سريلانكا حكومة نتنياهو على تكرار «التجربة السريلانكية» فى هذا القطاع لتحقيق نتيجة مشابهة.

فإذا تأملنا السيناريو الإقليمى المتصاعد المسمى «التحالف العربى ــ الإسرائيلى ضد إيران»، والدور الذى تقوم به السلطة الفلسطينية لدعم إسرائيل لإعادة السلطة إلى القطاع، فننا لا نستبعد، بل نرجح أن تحاول إسرائيل على تكرار تلك التجربة فى قطاع غزة خصوصا أنها دعمت حكومة راجاباكسا ضد نمور التاميل.

محمد السيد سليم أستاذ العلوم السياسية بجامعتى الكويت والقاهرة. حصل على الدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة كارلتون بكندا سنة 1979. متخصص فى العلاقات الدولية والدراسات الآسيوية. أسس مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة وأداره بين عامى 1994 ، 2003. كما أسس برنامج الدراسات الماليزية بجامعة القاهرة سنة 2003. حصل سنة 2008 على جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية من جمهورية مصر العربية.
التعليقات