السياحة الداخلية - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياحة الداخلية

نشر فى : السبت 1 أغسطس 2009 - 9:35 م | آخر تحديث : السبت 1 أغسطس 2009 - 9:35 م

 لا يمل الإعلام الرسمى من العزف منفردا فى موال نشاز، لا يمت لعالم الواقع بصلة. أقول قولى هذا لأننى استمعت هذا الأسبوع فى إذاعة الشرق الأوسط لمدة ساعة إلى برنامج عن الإجازات. يتساءل البرنامج لماذا لا يسافر المصريون إلى المدن المصرية فى سياحة داخلية؟ لماذا لا تعرف نسبة كبيرة من الثمانين مليون مصرى عن الآثار المصرية أكثر مما درسوه فى المقررات المدرسية؟ وتتحدث مذيعة البرنامج وكأنها لا تعيش معنا فى هذا البلد. وكأنها عاشت طوال حياتها فى مقرر مادة التربية القومية وخرجت منه للتو. لا أعرف لماذا يصر الإعلام الرسمى أن يكون بعيدا عن الناس إلى هذه الدرجة؟ أن يكون كاذبا ومنافقا وغير حقيقى. لماذا لا توجد سياحة داخلية؟ الإجابة بسيطة للغاية.

لا توجد سياحة داخلية، لأن أجهزة الدولة تعامل الشعب المصرى باعتباره مواطنا من الدرجة السبعين، فكل ملل الأرض تتفوق علينا فى حسن المعاملة فى مصر عدا أبناء قارتنا السمراء نتيجة لعنصرية القائمين على السياحة. اقترب من المتحف المصرى وسوف يتم التعامل معك باعتبارك إرهابيا محتملا.

مجرد المرور من أمام المتحف يجعلك عرضة للمضايقات وطلب بطاقتك، ومحتمل أن يتم استجوابك عن سبب مرورك من هنا. قررت يوما أن أذهب إلى زيارة المتحف القبطى وقبل أن أصل إليه بأمتار قليلة استوقفنى سائح فرنسى لسؤالى عن مكان المتحف. سرنا سويا هذه الأمتار عرفت خلالها أنه يعمل سائق نقل عام فى مدينة فى جنوب فرنسا، كان رجلا فى الأربعين من العمر، قدم إلى القاهرة وحده لزيارة الأهرامات. دخلنا معا من البوابة الخارجية المؤدية للمتحف، وهناك استوقفنى عسكرى من شرطة السياحة وسألنى هل أنا مرشد سياحى. وعندما أجبت بالنفى، تم القبض علىّ لمرافقتى سائحا وتم اقتيادى إلى ضابط يقبع فى غرفة ضيقة ولكنها كانت أرحب من أفقه.

فى حادث مروع على طريق الغردقة ـ القاهرة كانت أم تقود السيارة ومعها ثلاثة من أبنائها. انقلبت السيارة بهم. اتصلت الأم بالإسعاف وواحد من أبنائها يموت بين يديها، وجاء أول سؤال من المسئول الذى أجاب على الهاتف: هل هناك سائحون فى السيارة؟ وعندما لم تجب الأم من هول الصدمة. كرر السؤال بصيغة أخرى: هل جميعكم مصريون؟ وعندما اعترفت بالحقيقة. جلست تنتظر الفرج الذى لم يأت حتى حضر عزرائيل ليحصد روح اثنين من أبنائها لأنهما يحملان الجنسية المصرية.

أتذكر وأنا تلميذ فى الثانوية العامة أننى وثلاثة من زملاء فصلى، قررنا زيارة الأقصر وأسوان فى إجازة نصف العام الدراسى. لم يكن معنا من المال ما يكفى كل متطلبات الرحلة، فقررنا أن نأخذ معنا خيمة وننصبها فى أسوان للسكنى فيها كبديل عن الفنادق. سألنا فى القاهرة عن التفاصيل، وأكدوا لنا أن أسوان بها منطقة مخصصة للتخييم على كورنيش النيل. وصلنا بالقطار فى حوالى الساعة السابعة مساء بعد أن تأخر القطار حوالى الثلاث ساعات. وتوجهنا إلى الأرض المخصصة للخيم. وكانت المفاجأة أن البيه البواب منعنا من الدخول، لأن المنطقة مخصصة للسياح فقط. فأجبنا أننا غرباء عن المدينة والدنيا ليل ولن نجد مكانا آخر للبيات.

واستمرت المحاولات التى دامت لقرابة الساعتين مع أكثر من مسئول، ولكن انتهى الأمر بالرفض التام أن ندخل هذه المنطقة الحرام على المصريين. ولحظنا العثر كانت الليلة ليلة مولد ولا توجد غرفة واحدة خالية فى أى فندق، قضينا أول الليل فى حديقة عامة وقبل الفجر تم القبض علينا.

ذهبت إلى المنيا فى الشتاء الماضى فى رحلة مع عائلتى، سألنى الضابط الذى فحص بطاقاتنا عن سبب زيارتى لهذه المدينة؟ أجبته للسياحة. فلم يصدق وأصر أننى بالتأكيد كاذب. فالطبيعى بالنسبة إلى أبناء وزارة الداخلية أن الشعب المصرى فى الأصل يكذب إلى أن يثبت العكس. وفى المنيا وأنا أمر بسيارتى بالمعدية للوصول إلى مدينة إخناتون صادفت العجب العجاب، وعرفت بعدها بيوم واحد بحادث غرق هذه المعدية ووفاة العديد من ركابها.

أثناء زيارتى لمنطقة عجيبة غرب مدينة مطروح مع أختى وصديق فى وزارة الخارجية المصرية، سبحنا لأنها النشاط الوحيد الممكن ممارسته فى هذه المنطقة. واتجهنا غربا فتم القبض علينا لأننا سبحنا فى منطقة عسكرية.

أثناء زيارتى لخزان أسوان هبطت لمشاهدة النيل تحت أقدام الخزان، هجمت علىّ مجموعة من العساكر وفى يد كل منهم بندقية مشهرة نحوى، وعرفت أننى أقف بقدمى غير العسكرية فى منطقة عسكرية. مصر محتلة بالكامل للعسكر والسياح ولا مكان للشعب المصرى على أرضه. وهذا أمر يبدو منطقيا تماما، فالعسكر يحكمون ولابد أن تكون لديهم أرض يقفون عليها ليمارسوا حكمهم بكفاءة. والسياح يدرون لبناً فى ضرع جف من حكم العسكر. فلابد من احترامهم وتبجيلهم وتوقيرهم فوق رءوسنا.

نعرف كل ذلك والمقامات محفوظة ومعروفة منذ زمن، والشعب لا يفتح فمه بكلمة ويقبع كل مصرى فى منزله مخافة الإهانة، ومنفذا المثل الشعبى المصرى الذى لا يوجد له مثيل فى كل لغات العالم: «من خرج من داره اتقل مقداره». ولكن لا يكتفى الإعلام الرسمى بذلك. ولكنه يقوم بتخريط البصل وإعطائنا دروسا فى الأخلاق الحميدة وضرورة شرب اللبن الذى أصبح لا يقدر على شرائه إلا الأغنياء فقط.

خالد الخميسي  كاتب مصري