رابطة صناع الطغاة! - بلال فضل - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 9:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رابطة صناع الطغاة!

نشر فى : الخميس 1 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 1 أغسطس 2013 - 8:00 ص

قلت له: «... دعني أصارحك القول أنني أصبحت أشم خلال الأيام الماضية رائحة غير حميدة تنبعث من بعض وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، أعتقد أن التوقف عندها بالنقد أمر واجب لكي لا نترك الساحة شيئا فشيئا لمن وصفهم الكاتب الكبير صلاح عيسى في إحدى مقالاته الساحرة في (أهالي) الثمانينات بـ(رابطة صناع الطغاة)».

طلب صديقي توضيحا لكلامي لعلك الآن تطلبه بذات الإلحاح، وها أنا أقوله ورزقي على الله «ببساطة ياصديقي ثمة أناس في صحافتنا وإعلامنا مردوا على النفاق بحيث باتوا يعجزون عن الحياة بدون سلطة يجاملونها ويتزلفون لها، لذلك فقد أخذوا خلال الفترة الماضية يكسرون تلك العادة الحميدة التي استنها الجيش نفسه بأن يقدم نفسه للناس من أول لحظة من خلال المجلس الأعلى للقوات المسلحة بكامل هيئته وتشكيله، وبدأوا يتعمدون الحديث عن المشير محمد حسين طنطاوي منفردا مصحوبا بعبارات تمجيد ومديح لا أظنه يطلبها لنفسه، ثم بدأ بعض الكتاب يرددون دعوات تبدو حسنة النوايا (وربما كانت كذلك) تطالب المشير طنطاوي بحكم البلاد لثلاث سنوات قادمة، وفجأة شاهدنا بعض الناشطين الذين لا أعلم تاريخهم السياسي وإن كنت أفترض فيهم حسن النية يجمعون توقيعات تطالب بترشيح الجيش المصري لجائزة نوبل للسلام لأنه لم يستجب لدعوات الرئيس المخلوع مبارك بقمع الثورة، ليشكل ذلك إحراجا للدعوات التي سبق أن طالبت بترشيح الشعب المصري لجائزة نوبل للسلام، والتي أرجو أن تعود لتتردد بقوة لتعطي كل ذي حق حقه، وإذا كان قادة الجيش أنفسهم حريصين دائما على نسب الفضل لأهله من الثوار، فعلى المزايدين أن يمتنعوا، وعلى أولئك الذين يسرفون في الحديث عن رفض الجيش لممارسات مبارك وعهده، أن يدركوا أننا لن نسمح لبعضهم أن يواصل العزف على نغمات المديح التي يمكن أن تصل به ذات يوم إلى أن يُنسب الفضل الأول والأخير في قيام الثورة إلى الجيش. قد أبدو مغاليا في تخوفي ربما لأنني مهووس أكثر من اللازم بقراءة التاريخ، لكنك لو كنت ممن يشاركني ذلك الهوس لأدركت أنني لست مغاليا على الإطلاق في تخوفي، وقديما قال العرب معظم النار من مستصغر الشرر، وإذا كنت تعيش في حارة آفتها النسيان فجزء من الدور الذي يجب أن تلعبه على الدوام هو تذكير أهلها دون كلل ولا ملل بحقيقة ما جرى لعل «الذكرى تنفع المؤمنين».

«ياصديقي لعلك تذكر كيف انتقدت اللواء ممدوح شاهين لأنه أشار في لحظة انفعال إلى ما يحدث في ليبيا مذكرا الناس بانحياز الجيش المصري للثورة، وشاركني كثيرون من الكتاب في ذلك الانتقاد، ورد الرجل بحسم قائلا إنه لم يقصد أبدا أن يمن على الشعب المصري بأداء الجيش لواجبه، وأن الجيش المصري لم يكن لديه أي خيار آخر سوى الانحياز للشعب ومطالبه. طيب، إذا كان هذا هو موقف الرجل وموقف المؤسسة التي يمثلها، فلماذا يأتي بعضنا لكي يزايد فيتحدث عن رد الجميل والاعتراف بالفضل، بينما نحن لازلنا نتحسس خطانا لكي نعبر هذه الفترة بسلام إلى حكم مدني لا شية فيه، نعم كنت سعيدا مثلك وأنا أرى كيف تتسارع قرارات حبس كبار المسئولين الفاسدين من مبارك وإنت نازل، لكنني لا أستطيع كتمان مشاعري بالقلق عندما أرى البعض يغالي في شكره للمجلس العسكري على هذه الخطوات ناسيا أو متناسيا أنها كانت جزءا لا يتجزأ من مطالب الثورة.

...للأسف ياصديقي أنتمي إلى ثقافة تؤمن بأن الزن على الودان أمر من السحر، وأعيش في مجتمع أدرك مدى هشاشته النفسية التي لم تأت من فراغ بل حدثت بفعل فاعل، وأدرك أن أي اهتزاز يتعرض له هذا المجتمع لا قدر الله يمكن أن يجعله يعلن كفره بمدنية الدولة، ليخرج إلى الشوارع لاعنا الديمقراطية كما حدث من قبل، وسيكون حملة المباخر وأعضاء رابطة صناع الطغاة جاهزين بكل ما أوتوا من مواهب وإمكانيات، لذلك أجد أنه من المناسب بين الحين والآخر أن نذكر بعضنا البعض بطبيعة العلاقة التي يجب أن تربطنا جميعا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لاحظ أنني لم أقل العلاقة التي يجب أن تربطنا بالجيش، فالأمر مختلف كما سبق أن أشرت ولن أمل من تكرار ذلك أبدا حتى لو مللت أنت».

«ياصديقي، سأقول لك تصوري لهذه العلاقة ومن حقك أن تختلف معي فيه أو تتبناه: يجب أن نقدر الدور الذي يقوم به المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ إندلاع الثورة وحتى اليوم، وسنظل نجدد ثقتنا فيه التي سبق أن قلت أنها ليست ثقة على بياض بل هي ثقة مبنية على انحيازه لمطالب الثورة كاملة، لكننا أيضا سنتمسك بحقنا في نقده بكل إحترام وتحضر، لأن نقده هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على روح الثورة الديمقراطية التي لا تخشى في الوطن لومة لائم، لذلك سنظل نطالب المجلس بإعلان نتائج التحقيق في كل ما جرى من انتهاكات للحقوق المدنية في الشهرين الماضيين، وسنظل نطالبه بالإفراج عن كل المعتقلين المدنيين الذين شاركوا في الثورة. نعم، سنظل حريصين على دعم وحدة المؤسسة العسكرية، ورفض أي تدخل في شئونها الداخلية، لكننا في نفس الوقت سنرفض أي محاولة لمطالبة المجلس بالبقاء في السلطة أيا كانت الأسباب، لأننا ندرك أن الديمقراطية وحدها كفيلة بمواجهة أي تحديات ستمر بها مصر في الفترة القادمة، ومثلما كنا نصرخ في وجوه المندفعين والمغرضين «إرفعوا أيديكم عن الجيش» سنصرخ بنفس الجملة في وجوه المزايدين وهواة المديح المجاني وأعضاء «رابطة صناع الطغاة».

وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين.

(مقاطع من مقال طويل نشرته في صحيفة المصري اليوم في 28 إبريل 2011 بنفس العنوان ولعلك لا تحتاج لأن أذكرك بأنه لازال صالحا للنشر مع تزايد نشاط رابطة صناع الطغاة هذه الأيام، وقديما قالوا الإسمها إيه لو تابت عن الإسمه إيه تلجأ فورا إلى اللي إسمه إيه ولنا في ذلك حديث آخر بإذن الله).