أفكار أولية حول قضية تجديد الخطاب الإسلامى - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 2:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أفكار أولية حول قضية تجديد الخطاب الإسلامى

نشر فى : الإثنين 1 نوفمبر 2010 - 10:38 ص | آخر تحديث : الإثنين 1 نوفمبر 2010 - 10:38 ص
بعد وقوع هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 على واشنطن ونيويورك شنت الولايات المتحدة الأمريكية، إدارة ونخبة ووسائل إعلام، حربا متعددة المستويات والأهداف والوسائل.

وإذا كان الهدف المعلن لتلك الحرب هو القضاء على «الإرهاب»، فإن جهدا حقيقيا لم يبذل سواء على الصعيد الفكرى أو العملى لوضع تعريف محدد لذلك «العدو» الجديد للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، والذى أضحى من الناحية الواقعية مرتبطا مباشرة بالإسلام سواء كان عقيدة أو تصورات فكرية أو طقوسا دينية أو أبنية مؤسسية أو جماعات حركية.

 

وفى الوقت الذى خصصت فيه الدولة الأقوى فى العالم جل ما تملكه من أسلحة عسكرية وأجهزة أمنية وقدرات اقتصادية ومالية لمحاربة ذلك «العدو» الجديد فى تجلياته الحركية والسياسية، فرغت جزءا مهما من قدراتها الدعائية والسياسية بل والأمنية من أجل استئصال ما سمته «الجذور الفكرية للإرهاب».

ولما كان «الإرهاب» فى الوعى والممارسة الأمريكيين بعد الحادى عشر من سبتمبر قد أضحى لصيقا بالإسلام، فقد انصبت تلك القدرات على محاولة التدخل فى البنى الفكرية والعقدية والدراسية للمجتمعات الإسلامية، بل والإسلام نفسه، من أجل تغييرها وتطويعها للمصالح والأهداف الأمريكية.
تلك هى الخلفية المعاصرة والواقعية للدعوة التى أضحت تسمى «ضرورة تجديد الفكر الدينى الإسلامى»، والتى ينطبق عليها المثل القائل: «قولة حق يراد بها باطل». فالدعوة إلى تجديد هذا الفكر فى حد ذاتها حقيقة قديمة فى المجتمعات العربية والإسلامية، وما الاجتهاد، الذى يكاد يرقى إلى مرتبة الفرائض فى الإسلام، سوى المظهر الحى المتجدد لها، أما الإلحاح عليها فى ظل تلك الظروف الدولية الجديدة فهو الباطل الذى يراد تلبيسه لتلك الدعوة الأصيلة والضرورية.

 

وطرح تلك الدعوة فى هذه الظروف لا يجب أن يحجب أهميتها الواقعية والتاريخية والأصيلة فى المجتمعات العربية والإسلامية، ولا يجب أن يجعل رد الفعل العربى والإسلامى تجاهها هو رفض مناقشتها لمجرد تلبسها رداء المصالح والسياسات الأمريكية ذات الطابع العدوانى والتوسعى.

فليس فقط تجديد الخطاب الدينى الإسلامى هو المهمة الضرورية اليوم وأمس وغدا فى مجتمعاتنا، بل وأيضا تجديد البنى والهياكل والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية من أجل تجاوز أزماتنا العميقة والمتعاقبة وذات الأبعاد المتعددة.

وما يؤكد اتساع مدى التجديد عند الحديث عن تجديد الخطاب الدينى هو أن مصطلح الخطاب فى حد ذاته لا يعنى النص، بل هو يعنى النص مرتبطا بالسياق والظروف التى ينتج ضمنها ويتفاعل معها، وبالتالى فإن تجديد ذلك الخطاب لا يمكن له أن يتم سوى بتجديد مواز فى ذلك السياق وتلك الظروف المحيطة به. ولا يعنى ذلك تأجيل مهمة تجديد النصوص الدينية أو المتشابكة مع الدين والدائرة حوله حتى تتم مهمة التجديد المؤسسى والمجتمعى بأكملها، وإنما يعنى التأكيد على أن ذلك التجديد فى النصوص لن يؤتى ثماره إلا إذا تم تجديد مواز ومماثل فى المجتمع والدولة.

وتشير خبرة التاريخ الإسلامى الطويل فى شتى مناطق العالم وكذلك خبرات شعوب العالم الأخرى فى مختلف مراحلها أنه لم يحدث قط تجديد حقيقى وفعال فى خطاباتها بمختلف أنواعها سوى بتغيير شامل فى البنى والعلاقات الاجتماعية والسياسية متواز مع جهود فكرية وعقلية واسعة وشاملة لتجديد الأفكار والرؤى، بما خلق حالة عامة من التجديد دفعت تلك المجتمعات برمتها خطوات بعيدة إلى الأمام.

فى كل الأحوال، فإن طرح تجديد الخطاب الدينى بالمعنى السابق باعتباره مهمة ضرورية تمليها علينا مصالحنا القومية والدينية وليس مجرد المطالبة والإلحاح عليها من أطراف خارجية، يستلزم التطرق إلى عديد من المحاور التى تمثل المداخل الفعالة والواقعية لإنجاز تلك المهمة التاريخية المعقدة والملحة. ف

 

ى هذا السياق يبدو أولا ضروريا التعرف على الخبرات العالمية الأخرى غير الإسلامية فى تجديد الخطاب الدينى، مثل حالة البروتستانتية فى المسيحية الأوروبية، والتعرف على الدروس المستفادة من تلك الخبرة لحالتنا الإسلامية العربية.

ويأتى وضع تلك النقطة فى المقدمة لارتباطها بتاريخ الدول الغربية التى تدعو وتضغط من أجل ما تسميه «تجديد الخطاب الدينى الإسلامى»، حيث من المرجح أن تسفر تلك الرؤية المقارنة عن تأكيد حقيقة أن تجديد أى خطاب دينى لا يمكن أن يأتى سوى من داخل نفس الدين والمجتمعات التى يوجد بها لا بفعل مطالبات وضغوط خارجية، وأن ذلك لابد أن يتواكب مع تغيير مجتمعى شامل وليس منفصلا عنه.

وغير بعيد عن هذا فمن الضرورى أيضا لإنجاز تجديد فعال وحقيقى للخطاب الدينى الإسلامى فى عصرنا الحالى أن يتم النظر والدراسة فى التاريخ الإسلامى للتعرف على الخبرات السابقة الناجحة التى تخص موضوع تجديد الخطاب الدينى، وهو ما يعنى فى نفس الوقت التعرف بدقة على الشروط التى تمت ضمنها تلك الخبرات والآليات التى استخدمت فى إنجاحها. ويؤدى ذلك الفحص والدراسة إلى التعرف على الإمكانيات الواقعية للاستفادة من تلك الخبرات وإعادة إنتاجها بصورة جديدة فى ظروفنا الحالية.

وفى هذا السياق من الوارد بل والضرورى أن يعاد النظر فى مسألة إعادة فتح باب الاجتهاد فى الإسلام فى وقتنا الراهن وهل يمكن اعتبارها مدخلا ضروريا لتحقيق مهمة تجديد الخطاب الدينى؟ وفى هذه الحالة فمن الضرورى النظر أيضا إلى الشروط التى يجب أن يتم الاجتهاد فى إطارها لتحقيق الفعالية وفى نفس الوقت الاحتفاظ بقواعد وأصول النص الدينى، وهو الأمر الذى توفره دراسة الخبرات الإسلامية السابقة فى فتح باب الاجتهاد.

 


كذلك فمن القضايا الرئيسية التى يجب النظر إليها فى موضوع تجديد الخطاب الدينى الإسلامى، تحديد طبيعة المنوط بهم القيام بها، وهل تعد مهمة تجديد الخطاب الدينى مهمة فردية يقوم بها من يرغب ويستطيع من أبناء الأمتين العربية والإسلامية، أم أنها يجب أن تكون ذات طابع جماعى منظم بحيث تضطلع بها مؤسسات وجمعيات وجماعات متخصصة فى تلك المهمة. وفى حالة الإجابة بأن طابع تلك المهمة أقرب للعمل الجماعى، فإن تحديد المؤسسات القائمة الآن فى المجتمعات العربية والإسلامية والتى يمكن لها المساهمة فى القيام بها بصورة فعالة تضمن لها قدرا من النجاح، يعد مهمة رئيسية ذات أولوية عملية. وفى نفس الإطار العملى الملح فإن التعرف على طبيعة تلك المؤسسات القائمة لأداء تلك المهمة وما إذا كانت هى بذاتها بحاجة للتطوير لتستطيع القيام بها يعد أيضا مهمة ذات أولوية. ويفتح ذلك التعرف والتقويم الباب أمام التوصل لتصور حول مدى الحاجة الحقيقية لخلق مؤسسات جديدة للاضطلاع بمهمة تجديد الخطاب الدينى، وهو ما يطرح تساؤلا جوهريا يحتاج لإجابة عملية واقعية حول طبيعة تلك المؤسسات وأنواعها ومجالاتها.

ومن المحاور ذات الأهمية فى إنجاز مهمة تجديد الخطاب الدينى تحديد طبيعتها، وإذا ما كانت مهمة ذات طابع وطنى أو قومى، بمعنى أنها تقتصر على المؤسسات والنخب بداخل كل بلد على حدة، أم أنها تتجاوز الحدود الوطنية والقومية لتصبح مهمة عامة شاملة للمؤسسات والنخب فى كل الدول الإسلامية التى عليها أن تبتدع أساليب متنوعة للتعاون فيما بينها لإنجاز ذلك.

 

ومن الواضح والبديهى أن تلك المهمة ذات طابع عالمى يتجاوز الحدود الوطنية والقومية، وهو ما يستلزم التوصل لتصورات واضحة حول طبيعة الأدوار المتكاملة التى يمكن ويجب على مناطق العالم الإسلامى المختلفة القيام بها لتحقيق تلك المهمة، وبخاصة طبيعة الدور العربى والدور الآسيوى.

 

وفى إطار نفس النظرة الشاملة لعملة التجديد المرجوة واعتبار أنها مهمة شاملة تتضمن تجديدا فى المؤسسات والعلاقات المختلفة الموجودة فى واقع العالمين
العربى والإسلامى اليوم، فمن الضرورى أيضا الاستقرار على الأدوار التى يمكن للمؤسسات
السياسية والفكرية والاجتماعية غير الدينية القيام بها.
ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات