لماذا خلق الله الذباب؟ - بلال فضل - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا خلق الله الذباب؟

نشر فى : الخميس 2 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 2 مايو 2013 - 8:00 ص

في طفولتي كان السؤال المركزي الذي يحيرني هو «لماذا خلق الله الذباب؟»، وبعد أن كبرت ولم يعد عندي حيِّز للأسئلة التافهة، أصبح السؤال المركزي الذي أبحث له عن إجابة هو «لماذا خلق الله الحر؟». الغريب أنه برغم مرور السنين لم تتطور أبدا الإجابة التي أسمعها من الجميع عن كلا السؤالين «العلم عند الله ياأخي»، ولم تتغير أبدا الإجابة التي ينتظرها مني الجميع وهي أن أقول بتسليم كامل «حكمتك يارب».

 

وأنا والحمد لله على قولة أنا، لم ترحني أبدا إجابة «حكمتك يارب» التي كان فمي يرددها، ليس لأن عقلي لم يهضمها، بل لأني لم أقلها مرة واحدة بصدق، ربما لأن الكائن الكامن بداخلي ممسوس بحيرة قد يراها البعض إبليسية مغرورة، وأراها أنا حيرة قدرية زرعها الخالق بداخلنا جميعا، وأمرنا ألا نعطلها أبدا لكي تكون سرابنا الذي نحسبه ماء أثناء سيرنا الحثيث «في دايرة الرحلة»، لكننا قررنا أن نغير سنة الله في الكون ونرتاح من تعب حيرتنا، فقمعناها بدعوى أن الإيمان تسليم لا سؤال، مع أن الإيمان سؤال لاينقطع، وما مكافأته إلا إلهام التسليم لحظة طلوع السر الإلهي.

 

أقول ما بداخلي دائما فتندلع نيران الغضب التي تتصور نفسها أحرص على العبد من خالقه، والتي تظن أنك كلما صرخت بعجزك أكثر اقتربت إلى الله أكثر، وأنك كلما افترضت في نفسك الجهل زاد علمك بالله، مع أنني لم أصدق أبدا أن الله عز وجل الذي لا يبخل على عباده برحمته يمكن أن يبخل عليهم بحكمته، صحيح أنه جعل الحكمة ضالة عبده المؤمن، لكنه لم يحجبها عنه، بل جعل لذة الحياة في عناء البحث عنها، وجعل حكمته مبذورة مبذولة في كل مكان من كونه الفسيح وموزعة على عباده أجمعين، ومن أراد طلبها أنّى وجدها فهو أحق بها، هذا إن وجدها قبل أن يحل موعد رجوعه إلى نقطة البدء الترابية.

 

«لماذا خلق الله الذباب.. لماذا خلق الله الحر.. لماذا خلق الله الأصناف الرديئة من البشر»، كلها أسئلة أصبحت أمتلك لها إجابة أحب أن أصفها بأنها قاطعة، مع أنها قد لاتكون قاطعة أبدا، لكنني أحب أن أراها كذلك رغبة في إغلاق ملفاتها، وإدراكا لحقيقة أن الأسئلة التي لا أعتقد أنني سأجد إجابات قاطعة لها قد تغيرت وتبدلت وأصبحت أعقد بكثير «هل تحين ساعة الفراق قبل إكتمال الحلم.. ولماذا لا يكتمل الحلم أبدا ولا يكف عن التكاثر المتوحش الجميل وهل نرتاح حقا لو إكتمل أم أننا سنحن لحظة إكتماله إلى حلم جديد. لماذا كلما إقترب الإنسان ابتعد وكلما إبتعد ظل يحلم بالقُرب.. ولماذا لا يتفاءل الإنسان بالخير لكي يجده.. هل لأنه جرب أن يتفاءل بالخير فلم يجده.. أم لأنه لا يريد أن يصدق أن هناك دائما منعطفات لا بد أن يمر بها راضيا لأنه لم يخلق الله أبدا لأحد من عباده طريقا دون منعطفات.. لماذا يدرك الناس جميعا سبيل خلاصهم لكنهم يَجبُنون عن اقتحامه.. لماذا يُعطى الدين الكامل لأنفس ناقصة.. وهل سيدخل النار من أخذ بأسباب الله وسننه في الكون لمجرد أنه لم ينطق بالشهادتين.. وهل سيشم رائحة الجنة من نطق بها بينما أفسد في الكون وأفسد الكون».

 

أسئلة تثقل القلب، لكن مايجعلها محتملة ثقتي أن الله عز وجل سيرشدني يوما إلى إجابة لها مثلما أرشدني إلى إجابة لأسئلتي الطفولية التي كنت أظنها معقدة ولا سبيل للوصول إلى إجابة لها.

 

ها أنا ألجأ مع تغول تلك الأسئلة يوما بعد يوم، إلى إدخالها مؤقتا في ثنايا إجابتي التي سكنت إليها وهنَئِتُ بها «خلق الله الذباب والحر والبشر الذي يزيد من وطأة الحر وغتاتة الذباب، وفوق كل هذا خلق الأسئلة التي تثقل القلب فتهون إلى جوارها وطأة الحر وغتاتة الذباب وخرتتة البشر، فقط لكي يدرك الإنسان أن تسليمه بنقص الحياة أجدى من طلبه العبثي للكمال، وأن الحياة لن تبلغ الكمال إلا إذا بلغت نهايتها».

 

حكمتك يارب .. أين أودعتها ياإلهي، وهل نهتدي إليها يوما ما، ونهنأ بها ولو لحظات، قبل أن تسترد وديعتك.

 

 (فصل من كتابي ضحك مجروح الصادر عن دار الشروق والذي صدرت طبعته السادسة قبل أيام)

 

belalfadl@hotmail.com