عين جالوت (2-3) - محمد سليم العوا - بوابة الشروق
الأربعاء 29 مايو 2024 5:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عين جالوت (2-3)

نشر فى : الخميس 2 سبتمبر 2010 - 9:50 ص | آخر تحديث : الخميس 2 سبتمبر 2010 - 9:50 ص

اكان الملك المظفر قطز فيما تجمع عليه المصادر التاريخية بطلا شجاعا، مقداما، حازما، حسن التدبير، له دين، وفى خلقه وسلوكه خير كثير. فلما دهم التتار بلاد الشام رأى أن الوقت يحتاج إلى سلطان مهيب كامل الرجولة فعزل الصبى الذى كان يحكم مصر وملك نفسه أمرها. يقول الحافظ الذهبى: «ثم لم يبلع ريقه، ولا تهنى بالسلطنة، حتى امتلأت الشامات المباركة بالتتار، فتجهز للجهاد وشرع فى أهبة الغزو، والتفت إليه عسكر الشام وبايعوه، فسار بالجيوش فى أول رمضان من سنة 658هـ لقصد الشام ونصر الإسلام».

لما التقى جيش المظفر قطز بجيوش التتار عند عين جالوت كان فى قلوب المسلمين وهم عظيم من التتر، وكان التقاء الجيشين بعد طلوع الشمس من يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان، وبدأ التتار بهجوم مباغت أرادوا به تحقيق نصر سريع على المسلمين، ووقع اضطراب فى جناح جيش قطز، فما كان منه عندئذ إلا أن ألقى خوذته على الأرض وصرخ بأعلى صوته (واإسلاماه) قالها ثلاثا، فانضم إليه قواد كثيرون بمن معهم من العسكر، وحمل بنفسه، وبهم، حملة صادقة على التتار فقتل قائدهم وقتل أحد الملوك العرب الذين كانوا يقاتلون مع التتار ضد جيش مصر (ملوك الخيانة التى تقع بقتال وبغير قتال، بمجرد الانحياز إلى العدو وتوليه) فانهزم التتار هزيمة منكرة، وفروا من مكان المعركة، وأبلى الأمير بيبرس البندقدار بلاء حسنا بين يدى قطز، فأعادت هذه الكرة الناجحة الروح المعنوية لجيوش المسلمين عالية، وثقتهم بقيادتهم إلى سابق عهدها.

وتجمع التتار بعد ذلك قرب بيسان، وأعادوا ترتيب جيوشهم فلحقهم المسلمون، وكان فى جيش المسلمين صبى تترى جاء مع رسل هولاكو إلى مصر، فأخرجه قطز مع الجيش، فانتهز فرصة اصطفاف الجيش فى بيسان ورمى سهما نحو قطز يريد قتله فأخطأه وأصاب فرسه فصرعه وأُخِذَ الصبى فقتل من فوره (لا يقولن قائل: كيف يقتل صبى؟ فهذا ليس صبيا بريئا بل هو مقاتل مخاتل شرع فى قتل قطز فعلا، ومن قاتل يجرى عليه حكم المقاتلين بغير خلاف) وأصبح قطز يقود الجيش على قدميه(!) فجاءه أحد شجعان قواده، وهو الأمير فخر الدين ماما، وعرض عليه فرسه يركبه فأبى وقال له: «ما كنت لأرزأ المسلمين بنزولك فى هذه الساعة». وجىء للسلطان بفرس بديل من خيل الجيش فركبه. وكان جمع التتر فى هذه المرة أكثر بأسا من جمعهم فى عين جالوت بسبب ما نزل بهم من هزيمة هناك، فقد كانت هزيمتهم فى عين جالوت هى أول هزيمة تلحقهم على يد جيوش المسلمين منذ خرجوا من بلادهم يهلكون الحرث والنسل، ولا تقوم فى مواجهتهم قوة ولا يردهم جيش ولا يهابون دولة!

وزلزل المسلمون زلزالا شديدا فى أول اللقاء، كما حدث فى عين جالوت، فلجأ قطز إلى السلاح الذى جربه هناك فصاح بأعلى صوته «يا الله انصر عبدك قطز على التتار» «واإسلاماه» ثلاث مرات، فالتأم عليه جيش المسلمين كله حوله، وتراصت صفوفهم بعد الفرقة، وكان الظاهر بيبرس يبلى أحسن البلاء فى مواجهة جنود التتر، واستمر القتال معظم اليوم، فلما انكسر التتار وهزموا فروا من موضع القتال وتوجه السلطان قطز بيبرس البندقدارى خلفهم، ليسترد من فى أيديهم من أسرى المسلمين، ويمنعهم من دخول القرى والمدن التى تقع فى طريق فرارهم. فظل بيبرس البندقدارى يتابعهم حتى بلغ حلب. وبلغت الأخبار إلى دمشق ففر من كان فيها من التتر وتبعهم المسلمون يقاتلونهم ويستخلصون الأسرى من أيديهم، وقتل جمع من الخونة الذين كانوا يوالون التتار ضد المسلمين، وأعلنت البشائر بانتصار قطز وقرب وصوله إلى دمشق.

هذا كان شأن التتر المهزومين وأشياعهم من الخائنين، أما قطز، المنتصر بفضل الله، فقد كان من شأنه أنه نزل عن فرسه، عند تحقق النصر، وسجد على الأرض شكرا لله تعالى، وقبلها، وحمد الله أعظم الحمد. ثم ركب بعد ذلك إلى دمشق، فلم يكن أهلها أفرح بشىء كما فرحوا بوصوله إليها. ودانت له سائر الشام وجميع البلدان من حد الفرات إلى حد مصر. وتوحدت الجبهة العربية الإسلامية فلم تقم فى وجهها للتتار قائمة بعد ذلك.

محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
التعليقات