كلمات سائق تاكسى - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 1:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كلمات سائق تاكسى

نشر فى : الأحد 2 أكتوبر 2011 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 2 أكتوبر 2011 - 9:10 ص

«يمكننا تلخيص حياة الإنسان بالفرص التى سنحت له لكى يفتح لروحه نافذة جديدة يطل منها على مشهد جديد. كل واحد منا تسنح له عبر حياته فرصا تكاد تكون متساوية. فرص للحب وأخرى للعمل وفرص نادرة لابتلاع طاقة إيجابية تمنحنا القدرة على الاستمرار. استثمار هذه الفرص يفتح لنا دروبا لم نكن نعرف بها من قبل، أما عدم استثمارها فيجعلنا سائرون فى ذات الطريق الذى نسير فيه. والفارق بين إنسان وآخر هو فى قدرته على انتهاز هذه الفرص من عدمها. أتذكر الآن بالكاد النكتة التى كانت تحكى قصة رجل طلب من الله طعاما وسنحت له ثلاثة فرص متوالية لكى يسد جوعه ولكنه رفضها كلها لأنه كان ينتظر طبقا من طعام من يد الله شخصيا. وبعد الفرص الثلاث قال له الله إنه لن يستطيع أن يقدم له المزيد من الفرص. حالة هذا الرجل فى النكتة كحال مصر بالضبط. فرص تاريخية تتوالى ويرفض القائمون على الأمر استغلالها الواحدة بعد الأخرى»

 

●●●

 

كان شابا فى الثلاثين من العمر يتحدث وكأنه شيخ هرم. حتى مخارج ألفاظه كانت تخرج من فمه بطيئة وهادئة وكأنها تخرج من رجل أدرك بعد سنوات طويلة من عمره المديد أن العجلة من الشيطان وأن علينا نحن أن نحدد للزمن سرعته، فدقائق هذا الزمن تسير وفقا لأوامرنا وليس كما يتصور المتعجلون الذى يلهثون وراءه بلا معنى. بدا لى أنه ولد والحكمة تسكنه. الغريب أننى لا أتذكر له ملامح. فرغم حضوره الطاغى داخل ذاكرتى بكلماته الواضحة فإننى لا أتذكر منه أى شىء محسوس. كان حضوره باطنى. أعصر ذهنى الآن كى أتذكر أى تفصيل فى وجهه. عيناه. شعره. أبدا. ما أتذكره هو طعم الزمن فى أذنى. سألته فعرفت أنه درس التاريخ فى الجامعة ثم قرر العمل سائق تاكسى لمدة خمس ساعات فى اليوم فقط، وبعدها يعود إلى منزله ليجلس مع والدته الخرساء فهو وحيدها بعد أن طلقها الأب منذ زمن واختفى. قال لى أن مهنة السائق مناسبة له لأن مواعيدها مرنة ويجب أن يكون مع أمه لو احتاج الأمر لذلك. قال لى أن فرصته التى قدمها له الزمن هو أن يتلقى كل يوم موجات الطاقة اللا نهائية التى تمنحها له أمه يوميا. فهمت السبب من وراء رنة الحزن الدفين فى صوته. ننبهر أحيانا من البشر. وهذا السائق بهرنى بحديثه.

 

سألته عن الفرص التى أهدرت؟ فقال لى بداية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أهدر فرصة لا تعوض. الجميع يعرف أن جميع أعضاءه جزء من نظام قديم استمر لعقود ولكن الشعب المصرى كان على أتم الاستعداد لنسيان هذا الأمر برمته فى مقابل أن يقوم هؤلاء باستغلال الفرصة التى سنحت له، ويقدموا سياسات تربط المواطن العادى بتنمية بلاده. كان يمكن مثلا أن يقدموا خطة للقضاء على الفساد أو خطة أولية للعدالة الاجتماعية، أو أن يكونوا أكثر وضوحا فى خريطة المرحلة الانتقالية بعد سقوط مبارك. ولكن كانت أقدامهم البائسة غائصة أكثر من اللازم فى أرض طينية متحجرة منعتهم تماما من التحرك السليم. وعندما تكون عاجزا عن الحركة تكون أيضا وبنفس القدر عاجزا عن التفكير السليم. تجد ذهنك يتحرك وفقا لقدرتك على التحرك. وفى نهاية الأمر لم يفهموا طبيعة الطبق الذهبى الذى وجدوه أمامهم بالصدفة. ثم يأتى رئيس الوزراء الذى جاء بتأييد شعبى جارف. شعبية جماهيرية كانت تؤهله أن يتحرك بحرية ويقوم بسياسات تحقق أهداف الثورة. ولكنه لم يفهم أيضا الفرصة التى لا يمكن أن تسنح غير مرة واحدة وتصرف تصرف المرتعدين العاجزين عن فعل أى خطوة. كيف لم يفهم ما تم منحه إياه؟ لا أعرف. فقدان ولا شك فى البصر والبصيرة. أما العالم وكيف يرى ثورتنا وفرصنا المهدرة؟ فقد كان هذا العالم ونحن بداخله يحتاج لقصة نجاح. يحتاج إلى حدوتة قبل النوم تجعل عيناه تترقرقان بالدموع قبل أن يخلد إلى النوم. فقرر أن يرى فى الثورة المصرية سندريللا المقهورة تقف وتتزوج من الأمير الجميل. وفجأة انقلب موقف الكرة الأرضية بعد أن أدركت أن الأمر فى مصر أصبح أقرب إلى «شريك» Shrek منه إلى «سندريللا». كالعادة ينتقل الإنسان بكل سهولة من نقيض إلى آخر.

 

سألته وهل يمكن أن نسمى عرض وظيفة «مؤلف أغانى» لعامل سكة حديد فرصة؟ قال لى أن الإنسان له وجوه عديدة لا يدرك فى معظم الأحيان عنها شيئا. الفرص تفجر طاقات كامنة لو أننا فهمنا جوهر الأشياء. لم أستطع منع نفسى من السؤال التقليدى الممل: وما الحل؟

أجاب أنه تحدث عن الفرص التى أهدرها القائمون على الأمر ولكنه لم يتحدث عن الفرص التى سوف يستغلها الشعب. فالشعب فى حركته الجماعية سوف يختطف كل فرصة سوف تسنح لإنجاح ما بدأناه. كنت أتمنى أن يقول هذه الجملة بحماسة أكبر. ولكنه استمر يتحدث وكأنه الزمن يتقدم بلا أى عجلة من أمره.

 

●●●

 

نزلت من السيارة وتساءلت لماذا لا يتقدم أمثاله إلى رئاسة البشرية ولكننى تذكرت أن من يحكمونا منذ آلاف السنين من أقصى شرق الكون إلى غربه البعيد هم بشر متلهفون دائما للصراخ، العبوس يسكن تقاطيعهم، يعشقون الحماس الفارغ ويغتسلون بدماء البشر.

خالد الخميسي  كاتب مصري