الأشجار.. هبة الله للإنسان - محمود عبد المنعم القيسونى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 3:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأشجار.. هبة الله للإنسان

نشر فى : السبت 3 يونيو 2023 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 3 يونيو 2023 - 9:50 م

رأيت أن أسجل نبذة عن جمال إحدى هبات الله لنا ليضىء حياتنا على هذه الأرض وقد اخترت الأشجار. فاليوم، نحن الأحفاد للأسف، نقوم بدق الإعلانات على جزوعها أو تعليق اليافطات الانتخابية على فروعها أو بترها، أو قتلها دون سبب أو لسبب جاهل مثل حجبها ليافطة صيدلية مثلا فيتم سكب ماء نار على جذورها حول جزعها حتى تموت وتقوم البلدية بإزالتها، والرصف مكانها ليتحقق هدف قتلها. اليوم أكتب عن أطول حياة لكائن على وجه الأرض حياة تتعدى الخمسة آلاف سنة، أكتب عن الشجرة.

الشجر له مكانة عظمية ومحترمة لدى العديد من شعوب العالم، فهناك مثلا اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وهما يحتفلان سنويا بتفتح زهور الكرز ويتسابق المواطنون والمواطنات للتنزه أسفلها وحولها والتقاط الصور وتصوير الأفلام فهى مناسبة مبهجة ينتظرها الجميع بشغف شديد. ودول أعلنت محميات طبيعية لمساحات تضم أشجارا نادرة وجميلة.

الشجر هو نبات معمر ذو ساق أو جزع واحد تتفرع منه فروع على ارتفاع من الأرض تكسوها أوراق، والملحوظة الواضحة كالشمس هنا فى مصر هى أن مسئولى المحافظات يفتقدون لحس أو للمسة الجمال فى تنفيذ مهامهم، والدليل على ذلك أنه خلال الستين سنة الماضية الشجرة الوحيدة التى تم زراعتها ونشرها على جميع أرصفة الشوارع وبمعظم الحدائق هى شجرى فيكس نتدا الرخيصة، والتى لا زهور لها وأوراقها كثيفة جدا تلتصق عليها الأتربة والعوادم لينقلب لونها من الأخضر إلى الأسود دون مبالغة، مع إشارتى إلى أنها شجرة ظل أولا وأخيرا وتحتاج لعناية ومتابعة مستديمة بالتقليم والتهذيب لضمان تخلل الهواء لفروعها ومنع تراكمات الأتربة، وهو ما لا يحدث بالمرة، فمن النادر مشاهدة عمليات تقليم وتهذيب للأشجار فى محافظات مصر مما حول هذه الأشجار إلى منظر لا جمال فيه مغطاة بالقاذورات والأتربة مثل المنتشر بحى جاردن ستى.

حتى الشجر الذى جف تماما ومات منذ سنوات وشكل هياكل قبيحة لا يتم إزالتها وإحلالها بشجر جديد مثل الحادث اليوم بشوارع محافظة الجيزة وأمام أهم فنادقها... بينما كل الطرقات والشوارع التى كانت دائما تظهر فى أفلام السينما قبل الخمسينيات كانت محاطة بالأشجار المزهرة الجميلة على أجنابها مثل شارع الجبلاية أمام النادى الأهلى، والذى كان مغطى بأفرع شجر البوانسيانا ذات تيجان الزهور الكثيفة الحمراء اللون رائعة الجمال.
• • •

أبدأ مقالتى هذه بتسجيل نبذة مختصرة عن أشجار مصر والتى للأسف لا يعلمها معظمنا. أبدأ برمز من رموز مصر، أبدأ بشجرة الجميز أو شجرة التين الأحمر وهى من الفصيلة التوتية وثمارها وجدت بمقابر الفراعنة، وقد لقب المصريون القدماء هذه الشجره
بـ(نهت) قدسوها واليوم أقدم شجرة جميز بمصر توجد بالمطرية شمال القاهرة، وتلقب بشجرة مريم فهى الشجرة التى ظللت السيدة مريم العذراء وطفلها سيدنا المسيح عليهما السلام عند لجوئهم لمصر. جزع الجميز مجعد مغضن وهى مستديمة الخضرة تحمل ثمارها على فريعات قصيرة ومن خشبها صنعت توابيت الفراعنة ويصنع منها السفن والمراكب. وهى رمز من رموز مصر تذكر فى العديد من القصص والأساطير والأغانى الشعبية.

أنتقل لتسجيل معلومات عن بعض الأشجار الجميلة والمنتشرة بحدائق مصر الخاصة والعامة وبصحاريها وببعض الأماكن العامة وهى أشجار أقترح نشر الجميل منها على أجناب شوارع مصر الرئيسية داخل المدن لإضفاء لمسه جمال وبهجة. شجرة الفتنة من الأشجار الجميلة حقا ــ أزهارها عبارة عن كور صغيرة صفراء لها رائحة عطرية تزهر فى الشتاء والربيع، تتحمل الحرارة الشديدة والجفاف. ذقن الباشا ــ اللبخ ــ لسان المرأة ــ ارتفاعها 16 مترا أزهارها تتفتح أوائل الصيف، لونها أخضر مائل للاصفرار ذات رائحة عطرية، عندما تتعرض للرياح تصدر قرونها المحتوية على البذور أصواتا تشبه ثرثرة البشر.

شجره التين البنغالى أو الأثأب أو الفيكس البنغالى وهى الشجرة الضخمة القادمة من الهند والتى تخرج من أغصانها جذورا دعامية هوائية كثيرة تتدلى منها، وعند بلوغها التربة تخترقها وتتضخم لتشبه الجذوع وهى موجودة بقصر محمد على بمنيل الروضة وبحديقة الزهرية حيث توجد شجرة منها ضخمة وسط قلب الميدان المؤدى لبرج القاهرة، وجذورها الهوائية منتشرة على أجناب الطرق الأسفلتية المحيطة بالميدان والسيارات تخترقها.

شجرة المخيط والتى منذ آلاف السنين كانت تستخدم المادة المخاطية المستخرجة من ثمارها فى صيد العصافير لمقاومة توابعها السلبية على مخزون الحبوب والزراعات وذلك بتغطية فروعها بهذه المادة، وعندما تحط عليها العصافير تلتصق بها ولا تستطيع الطيران وبالتالى يتم الإمساك بها. شجره المرجان تزهر فى الربيع وزهورها الجميلة تشبه أصابع اليد ولونها أحمر. الجكرندا أزهارها بنفسجية زاهية توجد على شكل بوكيهات كبيرة أو نورات تزهر فى الربيع قبل ظهور ورقها الأخضر. شجره البترول ــ جاتروفا ارتفاعها 5 أمتار يستخرج من بذورها زيت مثل الديزل حيث يخلط بالبنزين ــ ويصنع منها الصابون كما تستعمل أوراقها لإزالة البقع ــ شجره الماجنوليا ــ مانوليا زهورها بيضاء عطرية يصل قطرها 15 سم تزهر صيفا وهى أكبر الزهور فى مصر.

شجره الصفصاف أم الشعور أو الصفصاف الباكى ارتفاعها عشرة أمتار تنتشر على حواف الترع والبرك والقنوات. شجرة البرونيا أزهارها حمراء كثيفة رائعة الجمال. شجره كاليندا (ذقن الباشا الزينة) ذات الزهور المستديرة وردية اللون طوال الربيع والخريف والشتاء. فرشة الزجاج أزهارها حمراء سنبلية تشبه فرشة تنظيف زجاجات رضاعة الأطفال. خيار شمبر ــ الخروب الهندى أزهارها صفراء ذهبية تخرج قبل الورق فى شهر مايو ويونيه فى عناقيد رائعة الجمال مثل عناقيد العنب يبلغ طول العنقود نحو خمسة وأربعين سم وتلقب فى الخارج برذاذ الذهب. كاسياندوزا المنتشرة فى معظم الحدائق الخاصة زهورها البيضاء والحمراء تدوم لفترات طويلة طوال الصيف تشبه المظلة وهى من الشجر المفضل فى الحدائق الخاصة. شجرة كوريزيا البيضاء والمنتشرة عند شارع البحر الأعظم بجوار كوبرى عباس بالجيزة الجزع مغطى بشوك سميك وزهورها بيضاء كبيرة الحجم.

هناك الأشجار المنتشرة بالقطاعات شديدة الجفاف على أرض مصر ومنها أشجار السنط الضخمة ذات الأزهار البيضاء المائلة للاصفرار وقرونها وأوراقها التى تتغذى عليها ماشية البدو والقبائل المنتشرة بصحارى مصر، وشجر السيال المعمر والمنتشر وسط وديان الجلف الكبير وجبل العوينات أقصى جنوب غرب مصر، وشجرة المرو ذات الخشب الصلب والتى لها أزهار بيضاء كبيرة الحجم وأوراقها يقبل عليها حيوانات الرعى. والشجرة النادرة والمهددة بالانقراض المدرجة فى قائمة الاتحاد العالمى لحماية التنوع الإحيائى وهى شجرة الأنبط التى توجد على مرتفعات جبل علبة داخل محمية علبة أقصى جنوب شرق مصر، ويبلغ طولها خمسة أمتار ذات أفرع متشعبة، تنتهى بتيجان من أوراق تشبه نصال السيوف وتتوزع أزهارها القرمزية فى تجمعات طويلة قائمة.
• • •

أشهر حى فى مصر غنى جدا بتنوع رائع من الأشجار صمدت وتصمد أمام العديد من محاولات قطعها تحت مسميات عديدة غير مقبولة وغير حضارية هو حى المعادى، حيث صمدت أشجاره بفضل وعى أهل الحى وشراستهم فى حماية هذه الكنوز الطبيعية الجميلة، وهو ما دفعهم لتكوين جمعية محبى الأشجار والتى تضم شخصيات مرموقة حريصة على حماية البيئة ووقف التشوهات والقبح فى شوارع وطرقات الحى، ونشاطهم اليوم امتد لأحياء أخرى بهدف نشر الجمال والخضرة والبهجة.

ويمكننى تأكيد أن أضخم عمليات قطع وإزالة أشجار تحت مسميات متنوعة فى عواصم العالم تتم فى القاهرة، فالأسمنت والأسفلت والإعلانات الضخمة حلت مكان الحدائق والأشجار، وظاهرة التلوث البصرى أصبحت سائدة وتتفاقم. دولة سيراليون بغرب إفريقيا نهاية شهر مايو من عام ٢٠٢٣ ضربت عاصمتها عاصفة تسببت فى اقتلاع شجرة مسنة عمرها أكثر من أربعمائة عام وهى التى كان الشعب يعتبرها رمزا وطنيا للصمود والحرية، مما تسبب فى محزنة دفعت رئيس الدولة وقيادات الأحزاب أن يشاطروا المواطنين والمواطنات الحزن على كامل وسائل الإعلام ويعلنوا أنها خسارة محزنة لا تعوض للوطن.

الشاعر والكاتب الصحفى/ فاروق جويدة كتب فى عاموده بجريدة الأهرام نهاية شهر مايو ٢٠٢٣ (حين يفقد الإنسان الإحساس بالجمال فهو يفقد البصر والبصيرة، وحين ينسحب الجمال من حياة الناس يترك خلفه حشودا من العميان لأن الذى لا يرى الجمال إنسان أعمى.. إنه لا يفرق بين عصفور يغنى وعصفور يموت.. إن الجمال أكبر هدية قدمتها السماء للبشر.. ولك أن تتخيل النهر بلا ماء والحديقة عارية بلا أشجار. والبيوت كتلا من الأسمنت. ووجوه الناس بلا ملامح. والحوار يشبه نعيق الغربان. والشمس أخذت إجازة. حين يغيب الجمال أشياء فى الحياة تتغير ولن يعد الإنسان إنسانا. بالأمس اكتشفت أن سرب العصافير الذى كان يسكن أشجار شارعنا اختفى فجأة واتضح أن شبحا آدميا تسلل ليلا وذبح الأشجار).

أوائل شهر إبريل من عام ٢٠٢٢ ضربت عاصفة شديدة عدة أحياء بلندن بريطانيا وفى حى ريتشمان والذى يضم أكبر محمية غزلان بالجزيرة البريطانية، كنت أتجول فى شوارع الحى وتوقفت أمام يافطة معلقة على سور حديقة خاصة واطلعت على مشمولها وترجمته (للأسف بسبب العاصفة التى ضربت المنطقة أوائل شهر إبريل من العام الحالى مالت شجرة أم الشعور العملاقة ــ الصفصاف (عمرها ٧٠ سنة) والتى كانت تاج حديقتنا لتتسبب فى أضرار شديدة بجدار الحديقة وتهديد للممتلكات الواقعة خارج نطاق الحديقة، ما دفعنا استدعاء خبراء الأشجار ومسئولى الحى فى محاولة لإنقاذ الشجرة وإعادتها إلى وضعها السابق، لكن للأسف الجميع أعلن استحالة ذلك ووجوب إزالتها لتفادى أى توابع سلبية على المارة والسيارات بالشارع الملاصق للحديقة وهو ما تم للأسف الشديد مما سبب لنا حزنا لفقد هذه الجميلة التى كانت مصدر بهجة وجمال لأسرتنا).

العالم يتسابق حيال زرع ونشر ملايين وملايين الأشجار لمواجهة كارثة التغيرات المناخية وتوابعها المميتة والتى تقترب بسرعة عاما بعد عام للأسف… ونحن؟… الحمد لله على نعمه الشجر.

المستشار السابق لوزير السياحة ووزيرة البيئة

محمود عبد المنعم القيسونى المستشار السابق لوزير السياحة ووزيرة البيئة
التعليقات