التعليم وخارطة التنمية - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعليم وخارطة التنمية

نشر فى : الأحد 3 يوليه 2011 - 9:28 ص | آخر تحديث : الأحد 3 يوليه 2011 - 9:28 ص

 طالب صحفى مصرى بمنع مواد تدريسية لطلبة يدرسون الأدب الإنجليزى لأنها تتضمن أفكارا لا يجب على الطلبة التعاطى معها، ويبدو لأن الموضوع جاء على هوى الإعلام المرئى فقد ظهر هذا الصحفى فى التليفزيون لعرض وجهة نظره فيما يجب أو لا يجب أن يتعرض له الطلبة الجامعيون من أفكار. فى حقيقة الأمر فان هذه القضية تجعلنا نتساءل عن ماهية التعليم. لماذا يدرس الطلبة فى الجامعة؟ ما الهدف من العملية التعليمية؟ لماذا يقوم طالب باختيار دراسة أدب اللغة الانجليزية أو دراسة العلوم السياسية؟ هل هناك علاقة مدروسة بين مواهب الطالب وإمكاناته وموضوع دراسته الجامعية؟ ما هو مستقبلنا الثقافى؟ ما هى النظم المعرفية القائمة؟ كيف يمكننا تنمية هذه النظم المعرفية؟ ما علاقة التعليم بالتقدم البشرى والاجتماعى والاقتصادى والسياسى؟

هناك نمطان معروفان فى النظم التعليمية، نمط تمثله الولايات المتحدة الأمريكية وهو النمط الذى يتعامل مع التعليم قبل الجامعى بقدر من التساهل ويركز خلاله على بناء الشخصية المستقلة وربط الفرد بعجلة الاقتصاد دون الاهتمام بمنح الطالب قاعدة معرفية حقيقية، بينما يهتم بقدر أكبر بالتعليم الجامعى الذى يدخله أساسا المؤهلون، وهناك دعم مجتمعى لهؤلاء للالتحاق بالجامعة. ويهتم هذا النمط فى الأساس بالتعليم ما بعد الجامعى لبناء القاعدة العلمية والمعرفية لبناء الدولة وفى هذه المرحلة يتفوق على جميع الدول الأخرى. ويؤدى هذا النمط إلى خلق طبقة فقيرة واسعة غير متعلمة تشكل اليد العاملة للدورة الاقتصادية، وطبقة متوسطة أقل حجما، وإلى تشكل نخبة علمية ومالية وثقافية محدودة العدد ولكنها حصلت على أعلى مستوى من التعليم فى العالم. أما النمط الآخر فهو النمط الفرنسى الذى يهتم بالتعليم المدرسى، فهناك مدرس لكل 15 تلميذا فى فرنسا فى المرحلة قبل الجامعية يقدمون للتلميذ قاعدة معرفية قوية وإعدادا جيدا لما يريدوه فى المرحلة ما بعد المدرسية، ويهتم هذا النمط بدرجة أقل بالتعليم الجامعى ويتوسع فى المعاهد المتخصصة لتخريج موظفين لتخصصات بعينها، حتى تجد معهدا لكل وظيفة فى المجتمع الفرنسى وتتحدد أعداد قبول هذه المعاهد بعدد الوظائف المجتمعية المتاحة فى كل تخصص. ويركز هذا النمط كبديل عن الجامعات على المدارس الكبرى لتخريج النخبة العلمية والسياسية للبلاد. وبهذا النمط تتشكل طبقة متوسطة عريضة ومثقفة ونخبة قليلة العدد وشريحة فقيرة قليلة العدد أيضا.

إلى أى نمط ننتمى؟ بالطبع لا ننتمى لشىء. فالعملية التعليمية لا علاقة بينها وبين المتطلبات المجتمعية. نسير بقوى الدفع الذاتى منذ سنوات طويلة. وكذلك لا ملامح دقيقة حول ماهية العملية التعليمية. هناك غياب للجسر المتين الذى يربط التعليم بالمجتمع. فمن تعليم مدرسى يتهاوى منذ عقود طويلة إلى تعليم جامعى تائه تماما فى حالة غياب خريطة للتنمية.

صدر الأسبوع الماضى فى فرنسا كتاب «أونطولوجيا التعليم» يتم بيعه الآن مع باعة الصحف، وهو نفس الوقت الذى ظهر فيه الصحفى المصرى فى التليفزيون مطالبا بحذف مادة تدريسية من الجامعة. وهو كتاب يضم بين جنباته أهم ما كتبه الفلاسفة وعلماء الاجتماع والمفكرون عبر التاريخ عن قضية العملية التعليمية. وكان صدور الكتاب بمناسبة أن فرنسا تتألم من انهيار العملية التعليمية لديها، وتتساءل عن كيفية مواجهة الأعداد المتزايدة من التلاميذ والطلبة؟ لا شك أن دخول أعداد غفيرة إلى العملية التعليمية بدءا من النصف الثانى من القرن العشرين بالإضافة إلى النمو السكانى الكبير الذى قفز بسكان الكوكب من 2.5 مليار عام 1950 إلى 7 مليارات هذا العام يشكلان عبئا كبيرا على إدارة المشروع التعليمى فى العالم أجمع. ولكن فى الحقيقة أن المشكلة المصرية مرتبطة أيضا بغياب مشروع تنموى واضح وكذلك غياب الإرادة السياسية.لماذا هذا التدهور؟ لأن التعليم فى مصر لم يعد وسيلة لتحقيق الأحلام فى مجتمع فشل فى تحقيق التنمية، كما لم يعد التعليم وسيلة للترقى الاجتماعى.

ما العمل؟ يجب أن نكف عن الشعارات، وننتقل إلى المرحلة التالية وهى مراجعة الاستراتيجيات التعليمية عن طريق مفكرين ورجال اقتصاد وأساتذة تنمية اقتصادية وسياسية ومتخصصين فى التنمية البشرية ورجال إحصاء وفلاسفة، ثم وضع الآليات المناسبة لتفعيل هذه الاستراتيجيات. صدر القرار الوزارى بالتقويم الشامل أو بطريقة التعلم الناشط وهى قرارات صائبة ولكنها عشوائية. لم يفهمها أحد وبالتالى لم يطبقها أحد. لم يعرف المدرسون الهدف من تطبيقها وكذلك لم تدخل فى إطار نظام تعليمى واضح الملامح، فظلت القرارات تتخبط داخل عشوائية مطلقة. تتخبط الجامعات بين نظام السنة الكاملة وبين نظام الفصل الدراسى، هناك قص ولصق من نظم مختلفة دون أن يكون لنظامنا شخصية واضحة. لابد من بناء الجسور المعرفية والفكرية بين الاستراتيجية التعليمية الشاملة وبين المجتمع. لابد من تحديد نمط معرفى دقيق لإدارة التعليم. حينها لن يجرؤ أحد على التدخل فيما يجوز أو لا يجوز تدريسه.

خالد الخميسي  كاتب مصري