ثلاثة رجال.. وامرأة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثلاثة رجال.. وامرأة

نشر فى : الإثنين 4 أبريل 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 4 أبريل 2016 - 9:50 م
نماذج بشرية أقرب لفئران التجارب.. هذا حال أبطال فيلم يحمل عنوانا مبهما «حرام الجسد» لصاحبه، خالد الحجر، الطموح، الذى تنقل، فى أعماله السابقة بين عدة توجهات، ليستقر، فى أحدث أفلامه، عند تخوم «المذهب الطبيعى»، ملتزما برؤيته الممتدة من الكاتب الفرنسى، إميل زولا ١٨٤٠ــ١٩٠٢، إلى عشرات الثقافات، فى إبداعات الأوطان الأخرى.

«المذهب الطبيعى» ازدهر بفضل نظريات داروين وقوانين مندل، ناظرا إلى الإنسان على أنه النتاج الحتمى، للبيئة والوراثة، تحكمه الغرائز، يتصارع، من أجل تحقيقها، بكل السبل، لذا، ستجد «الشخصيات الطبيعية» تتسم بدرجات متباينة من الوحشية، لا تقيم وزنا إلا لتلبية احتياجاتها، تدرك أنها إما أن تكون الفريسة وإما أن تكون الصياد، تغدو، عنصرا فعالا، حيويا، على شاشة السينما، سواء اعتمدت على روايات إميل زولا، أو نسجت نماذجها على منواله، مثل «شفاعات ــ تحية كاريوكا ــ فى شباب امرأة» لصلاح أبوسيف ١٩٥٦، أو «لواحظ» ــ هدى سلطان ــ فى «امرأة على الطريق» لعز الدين ذو الفقار ١٩٥٨، وغيرها.. أما عن الرجال، الغرائزيين، فحدث بلا حرج.

فى «حرام الجسد»، يضع خالد الحجر، ثلاثة رجال وامرأة، فى مصيدة: مزرعة معزولة عن العالم.. المرأة، فاطمة، تؤدى دورها «ناهد السباعى»، وريثة مواهب جديها، هدى سلطان وفريد شوقى، ذات بنيان قوى، رغباتها الملتهبة لا يطفئها الزوج العليل، حسن، بتجسيد الموهوب المتمكن، المتفهم، «محمود البزاوى»، المعتمد على عينين ينطقان بالانفعالات المركبة، بلا كلام، فحين يفشل مع زوجته، يتجلى فى نظرته مزيج من الأسى والاعتذار، الكمد والاستسلام.. أما هى، فإنها تتصبب عرقا، تحاول مداراة إحباطها.. لكن، نبض رغباتها، لا يتوقف أو يخفت.

فجأة يأتى «على»، ابن عم الزوج، الهارب، من السجن مع من هربوا، إبان فوضى ما بعد اندلاع الثورة.. شاب قوى، لامؤاخذة، فحل، محكوم عليه بتأبيدة إثر قتله لخفير رذيل، دأب التحرش بخطيبته «فاطمة».. بعد تردد قليل، وحرج، يتقبل «حسن» بقاء «على» الذى يؤدى دوره الممثل الجديد، أحمد عبدالله محمود، الذى يحتاج لمزيد من التدريب، مع تليين ملامح وجهه، والاستغناء عن التكشيرة الملازمة له، وتجنب تلك العصبية الزائدة.

بعيدا عن الحوارات الركيكة، المكررة، التى كتبها خالد الحجر، يحدث ما هو متوقع، طبقا لتعاليم المدرسة الطبيعية، تنطلق غرائز الوافد والمرأة المحرومة، فيحدث بينهما ما يحدث.

لا يكتفى الحجر بوجود رجلين وامرأة، يضيف رجلا ثالثا: صاحب المزرعة، الوجيه الغاضب دائما، مراد بيك، بالأداء الشاهينى، اللطيف الظريف المتكرر، لـ«زكى فطين عبدالوهاب»، المتجول ليلا، من دون سبب فى مزرعته.. يسمع، ويرى، خلال نافذة، ما يدور بين «فاطمة ــ وعلى».. وفيما يبدو طبقا لمقولات المذهب الطبيعى، تنتابه الرغبة فى امرأة الرجلين.

فى إحدى اللقاءات الحميمة، بين «فاطمة» وزوجها، الذى تعاطى حبتين زرقاوتين، وقاك الله شرهما، تنتابه وعكة قلب عنيفة، تنادى العاشق «على».. أثناء محاولة إنقاذه، تعصف به فكرة التخلص منه، يكتم أنفاسه، يأمر «فاطمة» بالإمساك بقدميه، وفى عدة لقطات سريعة، ترصد كاميرا المصور «نستور كالفو»، نظرات محمود البزاوى، ويعبر بها عن أحاسيس متوالية، متباينة: فى الدهشة، الذعر، الرجاء، العتاب، الألم.. الاستسلام.

يدرك صاحب المزرعة، بلا شك، أن «حسن» مات قتيلا، يأتى بالمرأة إلى استراحته، يصفعها عدة صفعات، يجعلها تعترف، يحولها إلى فريسة ذليلة، واستكمالا للحوار، يقول لها: «إقلعى... علشان هانام معاكى» !...أهذا كلام يا عم حجر؟

تغدو «فاطمة» حاملا، على طريقة «تريز راكان» لإميل زولا، التى جسدتها فاتن حمامة فى «لك يوم يا ظالم» لصلاح أبوسيف ١٩٥١، وشمس البارودى فى «المجرم» لصلاح أبوسيف ١٩٧٨، وناهد شريف فى «الوحش داخل الإنسان» لأشرف فهمى ١٩٨٠، يظهر شبح الزوج القتيل للزوجة المشاركة فى الجريمة، مما يصيبها بمس من الجنون.

يتجه خالد الحجر، بفيلمه، اتجاها ميلودراميا: فاطمة. فى نوبات هيستيريا، تحاول إلقاء وليدها فى البئر التى تسقط فيها.. يحاول عشيقها «العتويل» الذى تزوجها إنقاذها.. يغرق معها.

جدير بالذكر أن إميل زولا، كتب بعد مشواره المهم، أن شيئا جوهريا يفتقر له المذهب الطبيعى، فالإنسان، ليس مجرد محصلة للبيئة والوراثة، فثمة، بالضرورة، الوعى والإرادة، يتولد منهما معايير وقيم، تحدد سلوك الإنسان، ولا تجعله مجرد فأر لا يساهم فى صنع مصيره.

درس زولا، استوعبه كتاب المذهب الواقعى، لكن البعض لم يلتفت له، فظهر الناس، عندهم، مجرد أفواه ورغبات.. وهذا حال «حرام الجسد».
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات