قصة من الواقع عن الفن والهندسة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قصة من الواقع عن الفن والهندسة

نشر فى : السبت 4 يوليه 2009 - 4:16 م | آخر تحديث : السبت 4 يوليه 2009 - 4:16 م

 طارق شاب فى الثامنة والثلاثين من العمر، رياضى الجسد، وسيم الملامح، متعثر فى أعماله كغيره من البشر. أنهى عمله وتوجه إلى منزل صديق. وصل إلى مدخل العمارة وحيا البواب وتوقف أمام البوابة لينهى مكالمة هاتفية على المحمول. وفجأة وجده البواب يتألم، يمسك بصدره وهو يتأوه، يفكر فى الدخول، ثم يغير رأيه ويعود فى اتجاه سيارته ولكنه بعد خطوتين يقع على الأرض. يصرخ البواب وينتبه المارة وتبدأ ــ بسرعة اندلاع حريق ــ جمهرة تتحلق حوله. ولكنه كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة. مات طارق لحظة سقوطه على الأرض، قبل أن يعرف من الأمراض غير الزكام. حضرت الشرطة وحررت محضرا بالحادثة. وأحضرت سيارة إسعاف التى قامت بنقله إلى المستشفى. كان البواب خلال هذه الفترة قد أبلغ صديق طارق الذى هرول إلى صديقه المسجى على أسفلت الشارع، وقام من فوره بالاتصال بأخت طارق. ولحق الأهل بابنهم فى المستشفى وسط عويل ونحيب.

توجه زوج أخته الذى كان أكثرهم تماسكا إلى إدارة المستشفى فقدموا له تقريرا يفيد أن طارق قد ورد إلى المستشفى متوفى ولم تحدد سبب الوفاة. أخذ التقرير وهمّ بالتوجه إلى مكتب الصحة لاستخراج تصريح الدفن. ولكن أحد المتطوعين من الأصدقاء العارفين ببواطن الأمور اقترح طلب تغيير تقرير المستشفى حيث إن جملة «ولم تحدد سبب الوفاة» يمكن أن تعرقل الإجراءات. وتساءل الجميع كيف قبل المستشفى دخول طارق وهو متوفى وهو إجراء على حد علمهم غير متبع. توجه جمع منهم ليطلبوا من أحد المسئولين فى المستشفى تغيير هذه الجملة. وبعد جهد جهيد وحوارات مع أطباء فى المستشفى تم تغيير التقرير بورود طارق متوفى وسبب الوفاة هبوط حاد فى الدورة الدموية.

ذهبوا بهذا التقرير إلى مكتب الصحة وهم مغيبون تماما من الغم والحزن وهول الصدمة. طلب منهم مكتب الصحة بعد أن استلموا تقرير المستشفى تحرير محضر بالواقعة فى قسم الشرطة قبل أن يستطيعوا استخراج تصريح الدفن. توجه أهل طارق وهم مسلوبو الإرادة إلى قسم الشرطة، يسيرون عميانا فى ساقية دهاليز البيروقراطية المصرية. وهناك قاموا بتحرير المحضر المطلوب، ولكنهم فوجئوا بأن الإجراء المتبع هو تحويلهم إلى النيابة.

وكيل النيابة: اسمك، سنك، مهنتك، ماذا تعرف عن المتوفى؟، ماذا تعرف عن سبب الوفاة؟؟؟؟، إلى آخره من أسئلة النيابة. يعترف زوج أخت طارق أنه فقد أعصابه أمام وكيل النيابة. وشعر ابن العم بمزيج من القهر والأسى ورشّة من ذل. وانتهت موقعة النيابة بانتصار منطقى للنيابة 3-1 حين صدر تقرير النيابة: «يصرح بالدفن إذا لم تكن هناك شبهة جنائية». أخذوا تقرير النيابة وتوجهوا إلى قسم الشرطة الذى تفضل مشكورا بكتابة مذكرة إلى مكتب الصحة للتأكد أنه لا توجد شبهة جنائية. أدرك هنا أهل طارق أنه يجب استعمال بعض العلاقات لإنهاء تصريح الدفن بسرعة. قاموا ببعض الاتصالات وسط فرحة فودافون وموبينيل واستطاعوا تحريك طبيب الصحة وهو أمر ليس من السهل أن يحدث بهذه السرعة. وانتقل الدكتور إلى المستشفى وعاين الجثمان وكتب فى النهاية تقريره المنتظر: لا توجد هناك شبهة جنائية.

أخذ الأهل تقرير طبيب الصحة وعادوا للمرة الألف إلى قسم الشرطة وكلهم آمال لإنهاء الأمر. ولكن الضابط الواعى بمسالك ودهاليز الأمن العام والخاص والخاص جدا صرح بأنه يجب على القسم أولا وبناء على تقرير النيابة أن يقوم بمحضر تحريات يفيد أنه لا توجد بالفعل شبهة جنائية. وهنا صرخ الأهل بالصوت العالى. وقام أحدهم بتذكرة العاملين فى قسم الشرطة أنه قد تحرر بالفعل محضرا بالواقعة لحظة الوفاة وقبل انتقال المتوفى إلى المستشفى. ولكن الضابط صمم على محضر التحريات. وانطلق الصراخ يجوب السماوات السبع.

انتهت المعركة هذه المرة بانتصار الأهل لأسباب مجهولة، وقام القسم بإصدار خطاب موجه إلى مكتب الصحة لاستخراج تصريح الدفن. وهناك التقوا بطبيب الصحة وهم فى حالة من الذهول. طيب الطبيب خاطرهم وأكد لهم أنهم المخطئون فى كل ما حدث لهم. فالحكومة المصرية واحدة والبيروقراطية واحدة لا تتغير مثلها مثل الموت، ولكن يجب على المتعاملين معها أن يكونوا أذكياء. واستغرب جدا أن يقوموا وهم المصريون بهذه الأخطاء الشنعاء. فالخطأ يركبهم الواحد بعد الآخر. فكان يجب عليهم منذ اللحظة الأولى أن يمزقوا تقرير المستشفى ويحضروا إلى مكتب الصحة دون أى تقارير. وفى هذه الحالة كان مكتب الصحة سوف ينهى التصريح فورا.

تم استخراج تصريح الدفن، أخذوه وتوجهوا إلى المستشفى كى يأخذوا ابنهم طارق. وقفوا هناك لفترة طويلة لإثبات أن طارق ليس عليه أى التزامات تجاه المستشفى. وبعد انتظار رفض المستشفى إخراج طارق. فقد تم صرف عدد واحد أمبول له.

خالد الخميسي  كاتب مصري