الثورة هى الحل - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 11:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورة هى الحل

نشر فى : الأحد 4 يوليه 2010 - 9:56 ص | آخر تحديث : الأحد 4 يوليه 2010 - 9:56 ص

 «هل مللت حديثى عن أحلامى؟ إننى أحب أن أتحدث فى هذا الموضوع. لو أنك تدرك مدى حاجة الريف الروسى للمعلمين الحصيفين الحاذقين، جيدى الثقافة. بكل بساطة علينا فى روسيا أن نوفر للمعلمين ظروف حياة ممتازة. وأن نفعل ذلك بأقصى ما نستطيع من سرعة. فنحن نعلم بأن بلدنا سينهار إذا لم يحصل الناس على تعليم يتناول جميع جوانب الحياة، سينهار كما يتداعى بيت بنى من آجر لم يتم شيه وحرقه إلى الدرجة المناسبة.

على المعلم أن يكون ممثلا وفنانا وإنسانا مغرما بعمله، أما معلمونا فهم بسطاء سذج، أنصاف متعلمين، إنهم مسحوقون يتضورون جوعا. يجب أن يحتل المعلم المركز الأول فى القرية وأن يكون قادرا على الإجابة عن كل الأسئلة التى يطرحها عليه الفلاحون بحيث يزرع فى نفوسهم الاحترام لقدراته حتى يصغوا لما يقول، ويكنوا له الاحترام والتبجيل، وبحيث لا يجرؤ أحد على الصراخ فى وجهه أو الحط من كرامته كما يفعل الجميع فى قرانا فى الوقت الحاضر».

كانت هذه المقدمة الطويلة هى حوار أجراه «أنطون تشيخوف» مع أحد الصحفيين وأنهى حديثه هذا بالقول: «ها قد ألقيت على مسامعك مقالا افتتاحيا كاملا من النوع الذى تنشره الصحف الليبرالية».

توفى تشيخوف عام 1904 أى منذ أكثر من قرن كامل ويبدو حديثه هذا معاصرا تماما لما نعيشه اليوم ويليق ولا شك أن يكون مقالا افتتاحيا فى أى صحيفة مصرية. التعديل المطلوب تنفيذه هو تغيير حديثه عن القرية بالحديث عن الوطن بأكمله وبالطبع تغيير روسيا بمصر.

أحلام تشيخوف هى أحلامنا جميعا ولكن يبقى السؤال كيف يمكننا تطبيق هذه الأحلام فى واقعنا المصرى اليوم. الرد الدائم الجاهز عن هذا السؤال هو أنه لا يمكن لرجال الثقافة والمشتغلين فى الهم العام القيام بأى شىء فى هذا الخصوص، فالاقتراب من قضية التعليم هو كالدخول فى عش الدبابير. تتداخل السياسة مع ألعاب الفساد وزمرة المنتفعين وضغط الموازنة العامة للدولة والنتيجة أنه لا أمل على الإطلاق فى محاولة إصلاح النظام التعليمى.

الخطأ هنا بسيط من وجهة نظرى لأن الحديث دائما ما يكون عن إصلاح النظام التعليمى أما المطلوب فى الواقع ليس إصلاحه وإنما الثورة الكاملة عليه. المطلوب تقديم رؤية جديدة لمنظومة تعليمية جديدة تماما. فمشكلتنا الأولى ليست فى الميزانية وليست كذلك فى المناهج وإنما فى النظام ذاته. ولنبدأ معا بالنهاية:

فى وجهة نظرى إن البداية يجب أن تكون بدراسة متأنية وجادة من المهمومين والمثقفين وعلماء الاجتماع والإحصاء باحتياجات المجتمع فى كل تخصص. والتخصص هنا ليس التخصص العلمى وإنما التخصص الوظيفى. فالتطورات التقنية والاجتماعية والاقتصادية خلال العشرة أعوام الماضية كانت من الحدة أن غيرت وجه سوق العمل فى مصر تماما ولم تنعكس هذه التطورات على النظام التعليمى بالشكل الكافى. فقد تم استحداث عشرات وربما مئات المهن الجديدة ولا توجد معاهد للإعداد لها. ورغم أن الأمر يبدو واضحا وشديد البساطة فالتعليم إما أن يكون هدفه الإعداد لمهنة أو أن يكون هدفه إعداد الطالب للبحث العلمى بغرض تطوير المعرفة العلمية، إلا أن ما يحصل عليه الطالب المصرى فى النظام التعليمى العالى لا يحقق أيا من الهدفين فهذا الطالب لا يتم إعداده بصورة حقيقية لشغل وظيفة بعينها ولا هو يتم إعداده ليكون باحثا علميا. والأمر بالتأكيد ينطبق على مهنة المعلم فى النظام الأساسى كما شرح أنطون تشيخوف فى حديثه.

وتهدف هذه الدراسة الاجتماعية إلى تحديد قائمة بجميع المهن والوظائف والتخصصات المتاحة مقسمة على المناطق الجغرافية المختلفة، كما تهدف إلى تحديد القوة التعليمية المطلوبة فى مختلف التخصصات الوظيفية الذى يتيحها المجتمع المصرى خلال خمسة أعوام قادمة. ويتم نشر هذه الدراسة بجميع الوسائل والسبل وفتح أبواب الحوار فى شأنها وفيما توصلت إليه من نتائج على مستوى المجتمع بكل فصائله لمدة عام على الأقل. ومن المحتمل وبناء على هذا الحوار أن يتم إعادة الدراسة للتوصل إلى نتائج أكثر دقة. ثم إعادة فتح حوار مجتمعى فى كل تفاصيل الدراسة الاجتماعية.

وسوف تكون هذه الدراسة هى النواة أو البذرة لخلق منظومة تعليمية جديدة مؤسسة على أسس علمية ومنهجية. وسوف أبدأ حديثى بتصورى العام جدا للمنظومة التعليمية فى النظام العالى ما بعد الثانوية العامة. فتنفيذا لما توصلت إليه الدراسة الاجتماعية لاحتياجات المجتمع وفهم الشعب المصرى الدقيق لهذه الاحتياجات يجب تقسيم الدراسة بعد المرحلة الثانوية أولا إلى معاهد متخصصة، مدة الدراسة فيها ثلاثة أعوام تقوم بتخريج طلبة لشغل وظيفة بعينها يتم ربط الدراسة فيها بمقتضيات سوق العمل بناء على الوظائف الموجودة بالفعل فى المجتمع المصرى. وثانيا إلى كليات نظرية مدة الدراسة فيها من أربعة إلى خمسة أعوام تقوم بتخريج باحثين هدفهم تطوير المعرفة الإنسانية وثالثا إلى كليات عملية تقوم بتخريج طلبة يمتهنون تخصصات هذه الكليات.

الالتحاق بهذه المعاهد المتخصصة والكليات لا يجب أن يكون بالدرجة التى حصل عليها التلميذ فى المرحلة الثانوية وإنما بنظام المسابقة وهو امتحان قبول ليس فيه درجة للنجاح وإنما يتم قبول أفضل من تقدم بناء على العدد المحدد سلفا فى الدراسة الاجتماعية لطلبة العام الأول. وعلى هذه المعاهد المتخصصة والكليات النظرية والعلمية الالتزام بأعداد طلبة لا تزيد على احتياجات المجتمع. ويكون المسئول عن هذه المسابقات هم أساتذة كل معهد وكلية ولا حق للوزارات أو إدارات الجامعات المختلفة التدخل فى مسابقات القبول بحيث يكون لها جميعا استقلالية كاملة عن الجامعات.

فى هذا التصور ليست هناك أهمية على الإطلاق للدرجات العلمية التى حصل عليها التلميذ فى المرحلة الثانوية، وإنما الأهمية لما قد تم تحصيله من معرفة لتخطى مسابقات القبول. وأفصل وجهة نظرى فى الثورة على النظام التعليمى الأساسى والفنى فى المقال القادم.

خالد الخميسي  كاتب مصري