جلال أمين … سنفتقدك - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جلال أمين … سنفتقدك

نشر فى : الخميس 4 أكتوبر 2018 - 11:10 م | آخر تحديث : الخميس 4 أكتوبر 2018 - 11:10 م

رحل عنا الدكتور جلال أمين، أستاذ الاقتصاد، والكاتب والمحلل المصرى الذى بسط لجيل كامل مفاهيم الاقتصاد وتأثيرها المباشر على المجتمع والفرد. رحل وترك إرثا كبيرا من الكتابات سواء التى جمعها فى كتب أو ما نشره فى مقالاته. كما ترك آلافا من التلاميذ الذين تتلمذوا فى محاضراته سواء فى جامعة القاهرة أو الجامعة الأمريكية.
جلال أمين لم يتفق معه بالضرورة زملاؤه أو طلابه فى كل آرائه، لكن الشاهد من رثائهم له سواء من كتب عنه أو من تكلم وعبر عن حزنه، أنه حظى بحب كبير واحترام من كُثر. من جالسه لا ينسى حضوره القوى على الرغم من حديثه الهادئ ورفضه أن يجر إلى خلاف فيه بعد شخصى، فوجوده فى أى تجمع أكاديمى أو ثقافى أو اجتماعى كان يعنى مناقشات جادة وجدل مثمر لموضوعات متنوعة كثيرا ما يكون رأيه فيها غير تقليدى، فكان لا يخشى أن يعبر عن رأى ليس بالضرورة مقبولا للجميع، بل أظن أن كثيرا منا كان يرى فى عينيه لمعة مَرِحة كلما استطاع أن يشعل الحوار بأفكار وآراء مختلفة. وكان اهتمامه بمشاركة جميع الحضور فى الحوار بغض النظر عن السن أو القدرة على التعبير تجعل الجلسة شديدة الدفء بالرغم من جدية الموضوعات، وهى المهارة التى جعلت منه معلما من الطراز الأول.
***
كتاباه «ماذا حدث للمصريين» والجزء الثانى منه «عصر الجماهير الغفيرة»، قدم فيهما مزيجا من التحليل والوصف لتأثير الوضع الاقتصادى فى مصر فى حقب مختلفة على الحراك الاجتماعى وذلك على مدى حياته من ثلاثينيات القرن وحتى تسعيناته عندما صدر الكتاب، وتطرق إلى صفات وممارسات فى الشخصية المصرية تغيرت خلال هذه الفترة وأثرت فى أهم نواحى الحياة من تعليم واغتراب وعادات اجتماعية فى الفرح والحزن، وكان دائما يصف المجتمع بأنه «سلم العمارة» به ناس تقطن الطابق الأعلى وناس فى البدروم وآخرون فى الطوابق الوسط، فى أوقات الاستقرار يبقى معظمهم فى أماكنهم إما فى أوقات التغييرات السياسية والاقتصادية العنيفة فهناك من هم فى الطوابق العليا ينتقلون إلى أسفل ومن هم فى البدروم يعتلون السلم إلى أعلى وجميعهم يتقابلون على السلم حيث تحدث كل المشادات والخلافات. وكان يستخدم هذا المثال فى وصف ما حدث فى مصر بعد أحداث ١٩٥٢ وبعد الانفتاح فى أوائل السبعينيات ثم الوضع الاقتصادى فى النصف الأول من حكم مبارك، فاستطاع أن يشرح للقارئ غير المتخصص العلاقة الوثيقة بين السياسية والاقتصاد وتأثيرهما علينا كشعوب.
على الرغم من احتكاكه الطويل بالحضارة الغربية أو بسبب ذلك سواء عن طريق دراسته فى لندن وعمله فى جامعة غير مصرية، إلا أنه بقى ناقدا حادا لسياسات أمريكا وأوروبا الغربية وتأثيرها على الشرق الأوسط، وكان للقضية الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطينى جرح كبير فى قلبه كان واضحا كلما تحدث عنها، تفاقمت بعد ١١ سبتمبر ثم حرب العراق.
***
الدكتور جلال أمين كان خفيف الظل، له ابتسامة مبهجة وضحكة رنانة يضحكها من القلب فتشجعك على مشاركته الفكاهة، وكان يضحكها حتى وهو يتحدث بمرارة وعدم رضا عن أحلام لبلده تمنى أن تكتمل أو ظلم اجتماعى واقع، أو انهيار فى الذوق والثقافة يؤلمه. فعلى الرغم من زواجه من سيدة إنجليزية شاركته حياته بحلوها ومرها وكان احترامه وتقديره وحبه لها واضح لمن يراهما معا، وعلى الرغم من حصوله على الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن فإنه اختار أن يعيش فى مصر، وربى أبناءه فيها، وعمل بها بالرغم من فرصته فى العمل فى جامعة فى أوروبا أو أمريكا وكان يستطيع الحصول على الجنسية وضمان حياة أكثر استقرارا، وليس بالضرورة أن ينقطع عن مصر، فكم من مصرى سافر وبنى حياته بنجاح فى الخارج وعاد لمصر «كخبير» لتستقبله أفضل كثيرا ما تستقبل أبنائها الذين اختاروا البقاء وخدمتها فى أوقات الشدة والرخاء على السواء. لكن هذا اختيار طبيعى لشخص من خلفية جلال أمين الأسرية وتركيبته المصرية التى لن تجد السكن إلا فى المحروسة.
فى سيرته الذاتية الأولى «ماذا علمتنى الحياة» والثانية «رحيق العمر» تناول طفولته وحياته كأصغر أخوته فى أسرة كبيرة لأب كاتب ومفكر وأم تحمل ثقافة وفطرة توارثتها من جداتها المصريات عبر العصور جعلتها قادرة على تربية ٧ أبناء بنات وبنين مميزين فيما حققوه على المستوى الفكرى والمهنى والاجتماعى. كلمنا أيضا عن التعليم فى طفولته وقارنه بتعليم أبنائه، وتكلم عن علاقته بأخيه «حسين» السفير والكاتب والمفكر وهو الأقرب إليه سنا وطبعا، بأسلوبه الساخر حكى عن لحظات فارقة فى حياته الشخصية وفى تاريخ مصر عاشها، حكى بكرم وبقلب مفتوح وقدرة على إظهار لحظات ضعفه دون خجل أو خوف فأعطى مثلا رائعا لكيف تُكتَب السيرة الذاتية فنصدقها وتُعلِمنا أن الضعف والقوة كلاهما صفات تضيف إلى إنسانيتنا لا يجب أن نخجل من إظهارهما.
رحمك الله يا دكتور جلال، أثرت كثيرا فى فكرى وفكر جيلى وسكنت قلبى وقلب كثير من أحبائى.
أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
الاقتباس
الدكتور جلال أمين كان خفيف الظل، له ابتسامة مبهجة وضحكة رنانة يضحكها من القلب فتشجعك على مشاركته الفكاهة، وكان يضحكها حتى وهو يتحدث بمرارة وعدم رضا عن أحلام لبلده تمنى أن تكتمل أو ظلم اجتماعى واقع، أو انهيار فى الذوق والثقافة يؤلمه.

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات