متى نتخطى حاجز اليأس؟ - إبراهيم يسري - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 1:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متى نتخطى حاجز اليأس؟

نشر فى : الأربعاء 4 نوفمبر 2009 - 10:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 نوفمبر 2009 - 10:15 ص

 كعادته دائما لم يتخلف الأستاذ هيكل عن الإسهام فى توقيت مناسب بآرائه وتحليلاته المتعمقة والرصينة فى أهم الأمور المطروحة على الساحة مصريا وعربيا وإقليميا، فقد تناول بالتحليل ــ وبعد أن احتدم النقاش وتقارعت الآراء لكل ألوان الطيف السياسى فى قضايا التوريث وتداول السلطة ــ الوضع الداخلى فى مصر وسط حملات وآراء متضاربة حول أساليب وآليات الخروج من ضبابية الوضع السياسى الماثل. وبعد أن اشتعل ما بدى وكأنه أوكازيون سباق الرئاسة المحموم الذى دخله من جاء من داخل النظام بعد أن لبس حلة المصلح وقناع المجدد.

وقد تضمن حديث الأستاذ المسهب والرصين مسحا متميزا للمشهد السياسى المصرى وناقش فيه الأفكار المطروحة واقترح ما يراه من حلول، وأشار مما جاء فى حديثه الأخير إلى أبرز المعطيات التى تبلور رؤيته للموقف المصرى الداخلى، إلى أنه مر على مصر 30 عاما دون حراك، وأننا نعيش بلا سياسة، وأن الفكر السياسى تراجع وتوارى لأن المفكر السياسى لم يكن يواجه بالرأى الآخر وإنما بفرق الكاراتيه والضرب.. وقال إنه ليس لدينا سياسة، فالبرلمان جاء بالتعيين وأصبح الأمر يحتاج إلى حوار خلاق ومتكافئ بين جميع الأطراف، وأنه جرى تجريف وتفريغ وخنق للحياة السياسية، وأننا وصلنا إلى وضع متردى يستوجب إعادة النظر فى إعادة تنظيم الدولة من جديد على أساس عقد اجتماعى جديد. ثم أكد أنه لا بد من الحرية للوصول إلى الديمقراطية. وعن آليات الإصلاح فى نظره نادى بإقامة مجلس أمناء الدولة والدستور يضم إلى عضويته كل من تم ترشيحه من شخصيات، وأن يضم المجلس يجب أن يكون ممثلا للقوات المسلحة وتكون مهمة المجلس التفكير فى وسائل التوصل إلى إجراء استفتاء على دستور جديد وعقد اجتماعى جديد وترتيب الانتقال للسلطة.

أما أهم ما يطرحه فهو ضرورة موافقة الرئيس مبارك على توصيات المجلس، وإلا تحدثنا عن انقلاب وليس إصلاحا، و أكد فيما أكد عليه أن منصب رئيس الدولة يجب أن يحترم.

ومن الغريب أن هذا الطرح الواقعى المنضبط الذى يدعو للإصلاح السياسى من داخل النظام وبواسطته، قد قوبل برفض سريع وحاسم من المتحدثين باسم النظام ذاته. وأكثر محاجاتهم طرافة هو ما ردده عدد من كبار المسئولين بأن ذلك هذا الاقتراح الذى يدعو إلى دستور جديد يشكل مخالفة للدستور الحالى، وهذا ما لا يبشر بأى انفتاح قريب من النظام على حقيقة ما يحدث على الساحة المصرية، وما قد تؤدى به تفاقم السلبيات من إعصار جامح لا يعرف اتجاهه ولا توقيته. ففى رأى مفكرى النظام أنه ليس هناك ما يبرر العجلة فى الإصلاح السياسى، وأنه من الأفضل الحفاظ على الاستقرار فى مصر تحت الحكم الحالى وما يلج به من فساد سرطانى زرعه رجال الأعمال فى صدر الأمة، فى حين أن واقع الحال يؤكد قصور ذلك التقدير لتجاهله لعوامل التفجير الكامنة فى الساحة السياسية المصرية مما قد يدمر ــ لا قدر الله ــ الاستقرار ويستبدله بفوضى عارمة ودمار هائل.

وإذ توجت طروحات الأستاذ هيكل مبادرات الدعوة للإصلاح والتغيير، والتى تتمثل بشكل خاص فى مبادرات ائتلاف القوى من أجل التغيير، والتى تتوافق عليها وتشارك فيها كل القوى السياسية والقاعدة الجماهيرية العريضة، فإنها لم تبزغ من فراغ. فالساحة الوطنية تزخر بصيحات ودعوات الإصلاح والتغيير، التى تبلورت فى حراك نشط وغير مسبوق، واكتسبت نسيجا متماسكا شاركت فيها قوى عديدة سياسية ومهنية وفئوية.

وقد استطاعت المبادرة المهمة للاتحاد من أجل التغيير ــ والتى تتفق فى هدفها الأساسى مع طروحات الأستاذ أن تستقطب رموز وقيادات القوى السياسية وألهبت حماس القاعدة الشعبية العريضة. وينادى البيان التأسيسى لائتلاف التغيير بأنه لا حل لأزمة مصر بغير الإنهاء السلمى للنظام القائم، والتحول إلى حكم الشعب مقترحا خطوات تنفيدية محددة.. منها وضع فترة انتقالية لمدة سنتين، تدير البلاد خلالها رئاسة محايدة وحكومة ائتلاف وطنى، والإعداد لدستور ديمقراطى شعبى جديد.

غير أنه تبدت من داخل القوى المطالبة بالتغيير بعض الخلافات فى الرؤى، فيرى الائتلاف من أجل التغيير فى مبادرة الأستاذ جوانب إيجابية، فهو يريد أن يتوقى خطر سيناريو توريث الرئاسة من مبارك الأب إلى مبارك الابن، ويقترح سيناريو الفترة الانتقالية الذى يتوافق فى مجمله مع فكر ائتلاف المصريين من أجل التغيير، أما وجوه الخلاف فى نظر الائتلاف، فهى أنه يقترح تنحى الرئيس مبارك، بينما فكرة الأستاذ هيكل تبدو كنصيحة يمكن لمبارك أن يأخذ بها، أو أن يتجاهلها. فحكم الائتلاف الوطنى الانتقالى ينطوى على معنى القطيعة مع سياسات النظام الحالى، وسياساته الداخلية والخارجية، بينما يبدو تصور الأستاذ هيكل محددا برغبة إصلاح معلقة بدورها على رغبة مبارك،
هنا أميل بشدة إلى أن أشارك فى تساؤل مطروح بشدة على المسرح السياسى، هل يمكن أن تتم فى أقل من عامين تعبئة النخب والجماهير لتطوير حراكها فى شكل عصيان مدنى ضاغط على السلطة من أجل الدخول فى مرحلة الانتقال إلى الحرية والديمقراطية؟ قد يحدونا جميعا أمل رومانسى بأن أن تخرج لنا زعامة كاريزمية تستطيع أن توقظ بعض رموزنا وجماهيرنا من سلبيتها وإحباطها، وتبعث فيهم روح الطموح إلى الأحسن ورفض التسلط والقمع وإرساء الحرية والديمقراطية. لكن هذا الأمل ما زال بعيدا وأمامنا دونه الكثير من العمل الدءوب والتضحيات الكبيرة المتواصلة وهو أمر ضرورى ومطلوب.

والحقيقة أنه ليس أمامنا متسع من الوقت، وأن خطورة الوضع فى الوقت الراهن تتطلب العمل السريع والمنظم والفاعل لتفادى كارثة متوقعة تطيح بالأخضر واليابس وتجهز على هويتنا بل ووجودنا، فهل تنتظم النخب فى خط واحد، وهل تتجاوب الجماهير؟

هنا نكون أمام بديلين لا ثالث لهما:
الأول: هو يسير فى خط أفكار الأستاذ، بأن ينقلب النظام على نفسه ويبادر الرئيس مبارك بتغيير جوهرى فى توجهاته، فيمضى فى بناء الهرم الرابع الذى يخلد اسمه فى تاريخ هذا الوطن، بتأمين آليات التحول الديمقراطى الحر وتقديم عناصر عقد اجتماعى جديد.

الثانى: وهو سيناريو كئيب قصير النظر، وهو أن يمضى النظام فى إغلاق عينه وذهنه عن حقيقة التجريف السياسي الذى وقع فى مصر وشل حركتها السياسية التى أصبحت بكاملها فى عهدة الأمن.

إن أيام وساعات المستقبل القريب حبلى بتطورات حادة قد لا يتوقعها أحد، ونسأل المسئولين فى داخل النظام ورموز المعارضة داخله أن يحبوا مصر وألا يخذلوها.

إبراهيم يسري  محام ومحكم دولي
التعليقات