المصريون أولى بالحرية - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المصريون أولى بالحرية

نشر فى : الجمعة 6 فبراير 2015 - 7:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 6 فبراير 2015 - 7:50 ص

لا نعرف لماذا تم اعتقال الصحفيين الثلاثة الأسترالى بيتر جريستى والمصرى الكندى محمد فهمى والمصرى باهر محمد، ولا ندرى ما هى جريمتهم بالتحديد، وهل يعتبر عملهم الصحفى جريمة يعاقبون عليها مهما كان خلاف الجهة الاعلامية التى يعملون بها مع النظام فى مصر. كل الذى ندريه أن هناك أحكاما قاسية بالسجن طالت هؤلاء وسببت صداعا فى رأس السلطة بعد الاهتمام الدولى والإدانة العالمية والضغوط المتوالية التى استجابت لها السلطة فى مصر مؤخرا بعمل قانون مخصوص للخروج من الحرج القانونى حيث نص القانون الذى تم استحداثه على جواز تسليم الاجانب المحكوم عليهم فى مصر إلى بلادهم، وبالتالى كان هذا تمهيدا للإفراج عن الصحفى الأسترالى جريستى وترحيله لبلاده.

ولأن القانون المستحدث لا ينطبق على المصريين الذين يحملون جنسية أجنبية بجوار جنسيتهم المصرية كان لابد على الصحفى المصرى محمد فهمى الذى يحمل الجنسية الكندية أن يتنازل عن جنسيته المصرية حتى يتم اخلاء سبيله ويحصل على حريته.

وبالفعل نشرت الجريدة الرسمية القرار وحمل رقم 4497 لسنة 2014، ونشر فى 1 فبراير فى الوقائع المصرية: (بعد الاطلاع على الدستور والقانون رقم 26 لسنة 1975 الصادر بشأن الجنسية المصرية، يؤذن للسيد محمد محمود فاضل محمد فهمى، مواليد الكويت 27 إبريل 1974 بالتجنس بالجنسية الكندية، مع عدم الاحتفاظ بالجنسية المصرية).

لم تنته الدراما عند هذا الحد فهناك صحفى ثالث فى القضية هو باهر محمد الذى لن يحصل على حريته لأنه يحمل الجنسية المصرية فقط ولا يحمل جنسية أخرى ولا يوجد سفارة ولا وزارة خارجية ولا دولة تطالب بإطلاق سراحه أو العفو عنه. ومن الجدير بالذكر أن الصحفى الاسترالى والآخر المصرى الكندى صدر عليهم الحكم بسبع سنوات بينما كان نصيب المصرى باهر محمد السجن عشر سنوات.

•••

إذا أعدنا قراءة المشهد وتفكيك الصور بداخله ثم إعادة تركيبها سنكتشف أننا أمام مأساة معنوية لا تخص الصحفى المصرى الثالث فقط بل تعنى ملايين المصريين الذين أرسل لهم التصرف، وهذه الطريقة فى معالجة الأزمة رسالة واضحة وهى «لا كرامة لمصرى فى وطنه» وأن جنسيتك قد تعنى شقاءك وعناءك، وأن حصولك على جنسية أخرى قد يصنع لك أمانا فى هذه الأرض حين تجد يوما من تحتاج لضغوطه ومساعدته لك.

لا يمكن أن نلوم محمد فهمى على تنازله عن الجنسية المصرية حتى يحصل على حريته، وكل انسان طبيعى اذا تعرض لهذه الظروف وخيروه بين حريته والبقاء بجوار اسرته وأطفاله وبين بقائه سجينا خلف القضبان سيفعل ما فعله محمد فهمى. لكن المأساة أكبر من مشكلة شخصين نتمنى للثانى منهما وهو باهر محمد أن يخرج فورا وينال حريته، المأساة هى أن هذه الحكاية ستتعمق فى وجدان شباب هذا الوطن وسيحكونها لأطفالهم، سيقولون لهم إن التنازل عن مصريتك قد يعنى الحصول على حريتك، سيقولون لهم إن هناك فترة بائسة مرت فيها مصر باعتقالات ومحاكمات لشباب فى عمر الزهور لمجرد أنهم عبروا عن رأيهم بسلمية، سيقولون لهم إنه بعد ثورة يناير المجيدة عاد تكميم الأفواه والانتقام من الثوار والمطالبين بالديمقراطية الحقيقية وعادت مصر لتتحول لدولة الصوت الواحد وضاقت بأبنائها حتى صار الخروج منها والاغتراب أملا لدى غالبية أبنائها الذين فقدوا الأمل فى أن ينصلح حال الوطن.

لا يعلم من خططوا لسيناريو خروج الصحفيين الاسترالى والكندى (حاليا) بهذه الطريقة بأنهم حفروا جرحا فى نفوس أجيال لن تنسى ما حدث وستظل تذكره بكثير من المرارة. كيف لنا أن نتحدث عن الانتماء للوطن ونحن نهدره تحت أقدامنا؟ كيف لنا ان ننظر فى عيون أطفالنا الذين يدركون ما حدث ثم نحدثهم بعد ذلك عن التمسك بالبقاء فى وطنهم والمساهمة فى بناءه، سيسألنا أطفالنا عن محمد فهمى ويقولون لنا (هل خان الوطن حين تنازل عن جنسيته) وسنقول لهم لا، سيسألنا أطفالنا عن يارا سلام وسناء سيف وكل رفاقهم ويقولون لنا (هل سيخرجون من السجون اذا تنازلوا عن جنسيتهم المصرية) وحينها سنخفض رءوسنا خجلا ولا نجيب.

•••

الافراج عن الصحفيين المعتقلين ضرورة ليس فقط من أجل تحسين صورة مصر فى الخارج ولكن من أجل ضمان حرية الرأى والتعبير. وهناك عشرات الصحفيين المعتقلين والصادر ضد بعضهم أحكام وكل ذنبهم أنهم حملوا كاميرا او تواجدوا فى مواقع الاحداث للتغطية. ولكن لماذا لا يصدر عفو عن كل هؤلاء ولماذا لا نفصل قانونا جديدا مثل قانون الاجانب لنخرج به من السجون آلاف المظلومين ونحرر إرادة شباب مخلص لم يفعلوا شيئا لهذا الوطن إلا أنهم عشقوه وحلموا له بمستقبل أفضل.

أليس المصريون أولى بالحرية؟ أليس شباب الوطن هم فلذات الأكباد الذين يستحقون أن نفعل من أجلهم ما فعلناه لغيرهم من أبناء البلاد الأخرى؟ إن المأساة المعنوية والرمزية التى خلقها ما حدث فى قضية صحفيى الجزيرة الاجانب لن يمكن محوها إلا إذا أتبعها خطوة شاملة تُخرج المظلومين والشباب من سجونهم وتعيدهم لبيوتهم وأهلهم، وتبقى المرارة فى النفوس تصرخ أن المصريين أولى بالحرية.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات