لا يفل الحديد إلا الحديد - وائل جمال - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا يفل الحديد إلا الحديد

نشر فى : الثلاثاء 6 أبريل 2010 - 10:08 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 6 أبريل 2010 - 10:08 ص

 لماذا قفزت أسعار الحديد فى مصر 25% فى شهر واحد؟ هناك إجابتان جاهزتان عن هذا السؤال؛ الأولى هى أن الزيادة انعكاس لزيادة الأسعار العالمية، وهذا التفسير هو بالطبع ما تدفع به شركة حديد عز، أكبر منتجى الحديد فى مصر، والثانية هى أن هذا الارتفاع الكبير هو انعكاس لسيطرة الشركة على السوق المحلية، التى ترقى لحد الاحتكار، وهذه هى حجة المعارضة وغير المتحمسين لتطور السيرة المهنية لرئيس لجنة الخطة والموازنة أحمد عز.

وللأسف فإن الطرفين لا يقدمان تفسيرا حقا لما حدث ولا ما سيحدث فى سوق الحديد فى 2010، ولا عجب فالرؤيتان المنفصلتان مسيستان وأحاديتان بامتياز.

هناك شىء كبير يحدث بالفعل فى السوق العالمية للحديد. فقد استطاعت شركة فيل Vale البرازيلية، وهى إحدى أكبر الشركات الموردة لخام الحديد فى العالم، أن توقع اتفاقا تاريخيا مع مصنعى الحديد اليابانيين (شركة بوسكو، وهى رابع أكبر المنتجين العالميين) غير نظام تسعيره العالمى السائد منذ 40 عاما، ورفع سعر التوريد لليابان بنحو 86%.

ويسمح نظام التسعير الجديد الذى تبنته فورا شركتا ريوتينتو وبى اتش بى بيليتون، اللتان تسيطران مع فيل على ثلثى السوق العالمية لخام الحديد، بعقود ربع سنوية مبنية على متوسط لأسعار العقود الآنية بدلا من طويلة الأجل يتم التوصل إليها بالتفاوض، وهو ما يعنى أن السعر سيعتمد أكثر على تطورات السوق منه على مفاوضات التسعير السنوية بين الموردين والمنتجين.

وكان هذا النظام يعمل كالآتى: أول سعر يتم الاتفاق عليه بين شركة التعدين والمنتجين خلال تجديد العقد السنوى يصبح أساسا للسعر طوال العام. أما نتيجة سقوط هذا النظام الذى استقر منذ الستينيات فهى ارتفاع فى الأسعار وتغيير هائل فى أسواق الحديد العالمية بزيادة دور سوق العقود الآنية، وهو ما يعنى درجة عالية من التذبذب فى الأسعار العالمية.

كنتيجة لهذا من المتوقع أن ترتفع أسعار الخام من 60 دولارا للطن، وفقا للعقود السنوية الخاصة بـ2009/2010 إلى ما بين 110 و120 دولارا للطن خلال الربع الثانى من العام. ويعنى هذا بشكل مباشر ضغطا على أسعار الخردة والحديد المصنع وارتفاعا فى أسعار كل السلع التى تعتمد على الحديد من السيارات إلى الأجهزة المنزلية، وبالطبع حديد التسليح.
المشكلة فى هذا التطور هو أن ارتفاع الأسعار ليس إلا انعكاسا لتوازن جديد فى السوق العالمى بين كبرى شركات تعدين الخام وكبرى الشركات المنتجة.

فارتفاع الأسعار هنا ليس مشابها لما حدث قبل عامين بفعل النمو الهائل فى الصين وزيادة الطلب العالمى. هذه المرة الارتفاع يجىء على خلفية اقتصاد عالمى يعانى من آثار أزمة كبرى لم تنته بعد. وارتفاع الأسعار ربما يكون مفيدا للمنتجين على المدى القصير برفع الأسعار، وعودة الإنتاج لمعدلات أعلى.

لكن فى أجواء كساد ونمو مازال يحبو بعد ضربة كبرى فإن هذا الارتفاع الكبير فى الأسعار قد يتسبب فى تحجيم الطلب الضعيف أصلا، مهددا النمو الاقتصادى عموما. وقد قدم منتجو السيارات الأوروبيون شكوى رسمية للاتحاد الأوروبى بخصوص تأثير نظام التسعير الجديد على فرص نمو صناعتهم.

النتيجة الثانية لهذا التطور هو أنه يغير قواعد المنافسة العالمية لصالح المنتجين فى الولايات المتحدة، بالأساس يو اس ستيل وارسيلور ميتال. فهذه الشركات معزولة نسبيا عن تطورات سوق الخام العالمية لأنها متكاملة رأسيا وتمتلك مناجمها الخاصة وهو ما يعطيها ميزة سعرية تنافسية فى السوق العالمية بقدرتها على أن تقدم أسعارا أقل من منافسيها.

وهنا تجىء مصر ووضعيتها الخاصة. فارتفاع الأسعار المصرية وتطورها خلال العام ليس انعكاسا كاملا للسوق العالمى كما تدعى شركة حديد عز. فأولا الشركة رفعت فورا سعر بيع حديد التسليح بـ 25% على الرغم من أن توقعات المحللين العالميين تضع الحد الأقصى لارتفاع منتجات الحديد المصنعة خلال ذروتها فى 2010 عند 30%. ناهيك عن أن حديد عز فى الأغلب لديها عقود توريد طويلة الأجل عند أسعار أدنى بكثير مما سيعنيه ارتفاع طن الخام لـ120 دولارا.

تمرير زيادة التكلفة للمستهلك هو بالطبع إجراء تقوم به كل الشركات العالمية المنتجة للحديد. لكن فى السوق العالمية هناك محددان أساسيان لهذا: العرض والطلب من ناحية والمنافسة من ناحية أخرى، وهما محددان بهما مشكلة فى مصر.

فالشركات العالمية مضطرة لرفع الأسعار وتمرير التكلفة الجديدة التى تضغط على هوامش أرباحها للمشترين والمستهلكين بالطبع لكنها ستكون حريصة على ألا يرتفع السعر لحد يؤذى مبيعاتها. مع ملاحظة أن تراجع الإنتاج وإغلاق بعض المصانع وإعادة تشغيلها أمر مكلف للغاية، ناهيك عن تأثير ذلك على تكلفة تمويل النمو الاقتصادى، الذى يتوق له كل اللاعبين فى الأسواق. والمشكلة فى مصر أن مرونة الطلب محدودة بدرجة كبيرة. فالدولة هى أكبر مستهلك للحديد من خلال مشروعات البنية الأساسية، التى تشهد دفعة وتركيزا كبيرا فى الفترة المقبلة.

ومن يحدد هذا الطلب هو من ناحية الحكومة لكن أيضا مجلس الشعب الذى يناقش خطة الدولة وموازنتها ويقرها. وغنى عن البيان أن رئيس لجنة الخطة والموازنة هو أحمد عز نفسه، الذى هو نفسه أمين التنظيم فى الحزب الوطنى. وبالتالى فإن شركة حديد عز لها تمثيل رفيع فى الحزب الذى يوجه سياسة الحكومة فى الموازنة واللجنة البرلمانية التى تقيمها وبالتالى لها تمثيل رفيع فى القرار السياسى الحكومى المحدد للطلب.

على الجانب الآخر هناك العرض. وبغض النظر عما إذا كانت شركة عز تنتهج ممارسات احتكارية فى السوق من عدمه، وهو أمر خلافى، هى الشركة الأكبر فيه، ونسبتها إلى الإنتاج تقترب من 60%، وكل المنتجين ينتظرون شهريا أسعارها قبل أن يتخذوا قرارا فى أسعارهم. الشركة تعرضت لتراجع كبير فى أرباحها فى 2009 بنسبة 92% إلى 88 مليون جنيه فقط. وإذا كان هناك أسباب لذلك لها علاقة بالأزمة العالمية وببعض التراجع فى الإنتاج بفعل عمليات تطوير فى بعض المصانع إلى آخره، إلا أن السبب الرئيس كان هو المنافسة من الحديد التركى المستورد.

ووفقا لبيانات حديد عز فإن نصيب المجموعة من السوق المحلية لحديد التسليح تراجع فى 2009 إلى 44% من 62.2% فى 2008 بعد أن اقتطع الحديد المستورد حصة 33% لم تكن موجودة قبل، فرضت منافسة غير مسبوقة وتخفيضا تاريخيا للأسعار المحلية.

المنافسة هى العنصر الثانى المختلف عن السوق العالمية. وإذا كان لما قاله وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد من أن الأسعار لن تعود لذروتها التى شهدتها قبل عامين أن تتحقق فهو بسبب وجود منافسة من منتجين آخرين. وفى هذا الإطار فأمام عز عام قبل أن تدخل شركة ارسيلور ميتال العملاقة السوق، وهى صاحبة الميزة النسبية الخاصة بالسوق الأمريكية التى تحدثنا عنها، وساعتها فقط يمكن أن يصبح ارتباط مصر بالسوق العالمى منطقيا أكثر. إذ إنه فى عالم الصناعة الأكثر حيوية فى الرأسمالية العالمية، لا يفل الحديد إلا الحديد.




وائل جمال كاتب صحفي
التعليقات