العاشق يكتب «المسرح وأنا» - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 2:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العاشق يكتب «المسرح وأنا»

نشر فى : الثلاثاء 6 مايو 2014 - 7:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 6 مايو 2014 - 7:05 ص

تماما مثل الجواهرجى الخبير بعمله، العاشق له، يشير لك نحو مواطن الجمال، ينبهك إلى روعة لون الضياء المشع من هذا الجانب، ويبين، بوضوح، تناغم وتباين واختلاف ألوان الجوهرة، حسب زاوية الرؤية، ولا يفوته إلقاء المزيف بعيدا، مشيعا بقدر ما من الضيق.. هكذا يبدو الناس عند سمير العصفورى، فى الجزء الأول من مذكراته الشائعة، بعنوان «المسرح وأنا»، المكتوب بذات أسلوب إخراج العصفورى لعروضه، حيث النعومة الأخاذة، والبساطة القائمة على الصدق والتفهم العميق، للحياة، والواقع، والبشر، فضلا على لغة أدبية، ذات طابع درامى، استقاها من تشيكوف ودوستويفسكى، ومئات الروايات إن لم تكن آلاف الكتب التى اطلع عليها.

فى البدء كان الخوف. الطفل الذى لم يتجاوز الثمانية أعوام، مرعوب من صوت انفجارات القنابل مع نهايات الحرب العالمية الثانية. مدينة بورسعيد لابد من مغادرتها ببحرها ونوارسها وأناقة حيها الأفرنجى واللجوء إلى إحدى قرى الدقهلية بعد عبور بحيرة المنزلة. فى الريف، ليس سوى الفقر والطين.. ثم العودة إلى المدينة المتمسكة بالحياة، وتمكن حب المسرح من قلب الفتى، سواء بمتابعة عروض الفرق القادمة من القاهرة، أو الانغماس وتمثيلا، مع فتيان من ذات العمر، سيكون لهم شأنهم فى عالم الفن، هم: محمود ياسين، حمدى الوزير، عبدالرحمن عرنوس، أحمد عباس، وآخرون.

غدا الفتى شابا، التحق بقسم اللغة العربية بكلية الآداب، وبكلمات مفعمة بالتقدير يذكر أساتذته: عبدالقادر القط، عزالدين إسماعيل، مهدى علام، العميد، الذى خرج عليهم، بالروب الجامعى، وحوله سائر الأساتذة ووقف على كرسى فى حديقة الكلية، وأمسك بميكروفون وصرخ: أيها الأبناء.. إن بلدنا تتعرض الآن لغزو ثلاثى لمدينة بورسعيد الباسلة.. إن فرنسا وإنجلترا وإسرائيل تهاجم قطعة عزيزة من بلادنا.. ونحن لا نستطيع الآن الاستمرار فى الدراسة.. بل أنا أدعوكم لاتخاذ موقف. لابد من الجهاد ولابد من الخروج الآن للدفاع عن الوطن.

للعصفورى طريقته فى تقديم وتقييم من عرفهم. يرسمهم بريشة فنان تبرز مظهرهم ومخبرهم. يصف فتاة نحيفة، بسيطة، رشيقة، متوسطة الجمال، لكنها جذابة، مرحة جدا. جاورتنى فى قسم اللغة العربية أربع سنوات. لازمتنى فى معهد الفنون المسرحية أربع سنوات.. جاورتنى فى كوشة الزفاف، وأنجبت لى ابنتى «تغريد ومنى».. هى زوجتى «إنعام سالوسة».. هى أثمن ما أملك، وأعتقد أنى كذلك بالنسبة لها.

فى معرض الجواهر، يثمن العصفورى أحباءه، يتلمس، على نحو موضوعى متفهم، أساليبهم فى الأداء، ولا تفوته المقارنة بينهم، وفى ظنى أن السطور التى كتبها عن كل منهم، تضيف الكثير للتذوق الفنى عموما، ولنقد وتحليل الأداء التمثيلى خصوصا، وهو الجانب الذى لا يزال صعبا ومبهما فى الكتابات العربية، حيث تكتفى بعبارات من نوع «أبدع فلان فى تجسيد الشخصية» أو «كان موفقا» أو «لم يتمكن من..» إنه كلام عام، لا علاقة له بقدرة الخبير على تحويل أسلوب الممثل إلى عبارات بالغة الدقة. خذ مثلا حديثه عن عبدالرحيم الزرقانى الذى «يحول الانفعال الحاد إلى إقناع عميق بحقه فى الانفعال، إنه يطالب المستمع أن يسمعه ويجذب آذان المستمع بنغمة خافتة، مقنعة، صوت رخيم رغم محدودية نغماته ورتابتها أحيانا «ويصل إلى نتيجة مؤداها» إنه الأستاذ الوسط، رمانة الميزان بين ذهنية نبيل الألفى وانفعالات حمدى غيث، إنه المعلم الذى لا يتكرر».

يحاول العصفورى سبر أغوار من عرفهم، فنيا وإنسانيا، وأحيانا، بصدق، يعترف بأنه ثمة منطقة، لم يصل إليها.. عن الفنان الكبير، محمد توفيق، أحد أساتذته يكتب «هو ممثل متميز ومخرج قادر وأغرب ما فيه شخصيته التى تشع تواضعا وأدبا وانكسارا، لا ندرى سببا له، ثم تتفاقم انفعالاته ليتحول إلى شخص آخر عنيف ومسيطر ومعتز بنفسه ومدرك مقدار موهبته وقدراته الفائقة على رسم شخصيات من قاع المجتمع».

يتوالى أساطين الفن، لكن حمدى غيث، عند العصفورى، هو «الدرة اليتيمة»: مرجل الغضب والعصب العارى، جاهز بشحنة انفعال مدوية ــ أمام أى إهمال أو ظلم.. يعلمك النبش وراء الكلمات والحروف والمعانى، يرى خلف كل كلمة وكل حرف قنبلة صالحة لتفجير شحنة هائلة من الأداء الانفعالى.

حمدى غيث، المدافع عن «المسرح العالمى»، قائد مجموعة الفنانين ــ بينهم العصفورى ــ الذين دافعوا، بكل طاقاتهم، ضد تشتيت الفرقة التى قدمت العديد من مسرحيات لم يعرفها المسرح المصرى من قبل، كما أنه ــ غيث ــ المؤازر لسياسة عبدالقادر حاتم، المعتمدة على الكم، ضد سياسة ثروت عكاشة، الرامية إلى الكيف.. العصفورى، على نحو درامى أقرب للسيناريو، يحكى عن هذا الصراع، من وجهة نظره طبعا، وربما، تحتاج الحكاية الخصبة لأن تروى من وجهة نظر أخرى. «المسرح وأنا»، شهادة شاملة، فى العمق، لفنان عايش ويعيش للمسرح، ممتع ومفيد، يستحق القراءة، أكثر من مرة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات