أمنيات ضائعة.. كانت قريبة المنال - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمنيات ضائعة.. كانت قريبة المنال

نشر فى : السبت 6 يونيو 2015 - 10:05 ص | آخر تحديث : السبت 6 يونيو 2015 - 10:05 ص

فى معركة القلوب، التى تخوضها مصر، فى ألمانيا، فات جنرالتها، استخدام أهم الأسلحة، وأرقها، وأنجعها، وأعمقها صدقا وتأثيرا.. أقصد بها الفن والثقافة.. صحيح، صاحبت الرئيس، فى الزيارة، كتيبة من فنانينا، وهو أمر لا بأس به، لكن أفرادها، ذهبوا إلى برلين، طرازانات، من دون «هدايا»، معنوية طبعا، وليس مادية. صحيح، الجاليات العربية ستسعد بمشاهدة نجماتنا ونجومنا، لكن ماذا عن الجمهور الألمانى الذى كان من الممكن أن تقدم له ما سيبهجه، ويجعله يلتفت، باحترام ومحبة، إلى الثقافة المصرية، بقبولها وتوقيرها للآخر، وقدرتها، على استيعاب إبداعات شعوب العالم، ومن بينها الشعب الألمانى طبعا.

ألمانيا، علما وعملا وحضارة، ظهرت على نحو مرموق، فى السينما المصرية.. فثمة على سبيل المثال لا الحصر «قنديل أم هاشم» لكمال عطية ١٩٦٨، حيث يدرس البطل هناك، طب العيون، ويخفق قلبه بحب فتاة ألمانية، تجعله، بحنوها، يعيش أجمل أيام حياته.. وفى «النمر الأسود» لعاطف سالم ١٩٨٤، يستطيع المصرى، بعد عناء، أن يغدو من الوجوه المضيئة، يشار له بالبنان، فى مجتمع يحترم الدأب والجدية.

يوسف وهبى، المتأثر بالممثل الألمانى «إميل ياننجز»، فتح باب الاقتباس من السينما الألمانية، حين حقق «سفير جهنم» ١٩٤٥، المأخوذ عن «فاوست» التى أخرجها مورناو ١٩٢٦، ثم قدمتها السينما المصرية، مرتين: «موعد مع إبليس» لكامل التلمسانى ١٩٥٥، والأهم، وربما الأفضل «المرأة التى غلبت الشيطان» ليحيى العلمى ١٩٧٣، المأخوذ عن قصة لتوفيق الحكيم، يستوحى فيها أسطورة «فاوست».

هذه الأفلام، بالإضافة لتلك التى أوردها الناقد، الباحث، محمود قاسم، فى فصل كامل من كتابه «الاقتباس فى السينما المصرية»، خصصه للأفلام المقتبسة من السينما الألمانية، كان من الممكن، والمفيد، اختيار بعضها، للعرض فى إحدى صالات برلين، فالألمان، مثل كل الشعوب، يعشقون معرفة كيف تتراءى بلادهم، وإبداعاتهم، فى عيون الآخرين.

جدير بالذكر، أن جدنا العظيم، رجل الاقتصاد والصناعة، حين قرر، بإرادة بصيرة، من حديد، إنشاء «استوديو مصر»، اتجه إلى ألمانيا، ليس لشراء المعدات وحسب، بل للاستعانة بالخبرات الألمانية، فأحضر الثنائى المتخصص فى المونتاج، إنجلا وميلا، ومصمم الديكور، روبرت شارفنبرج، بالإضافة لآخرين، فضلا عن المخرج فرتيز كرامب، الذى عين رئيسا لقسم السيناريو والإخراج، وحقق فيلمين مهمين، قبل مغادرته لمصر مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، وأخرج «وداد» ١٩٣٦، و«لاشين» ١٩٣٨.. لو أن معرضا أو كتيبا، عن هؤلاء الألمان الذين عاشوا بيننا، صدر بمناسبة هذه الزيارة، لكان أمرا موفقا، يؤكد إمكانية التعاون بين الشعبين.

فى بداية التسعينيات، أثناء زيارة ألمانيا، بمناسبة إقامة مهرجان للسينما العربية، شاركت فى تنظيمه الناقدة، المخرجة، فيولا شفيق، فى مدينة أوجسبرج، مسقط رأس برتولد بريخت الذى تحول بيته إلى متحف، على جدران حجراته صور، من أنحاء العالم، لمسرحياته، من دون صورة مصرية واحدة.. وكم كانت دهشة مديرة المتحف عندما حدثتها عن الإخراج البديع لسعد أردش الذ قدم له «دائرة الطباشير القوقازية» و«الإنسان الطيب»، كما حقق له نجيب سرور مسرحية «أوبرا البنسات الثلاث»، ولم تتوقف فرق الهواة عن تقديم «القاعدة والاستثناء».. دهشت مديرة المتحف، طلبت لقطات من هذه العروض، كى تضيفها إلى الكتالوجات المتجددة. تحدثت، بعد عودتى، مع مسئولين فى هذا الشأن. وعدونى خيرا لم يتحقق بعد.. كم تمنيت أن يصدر كتابا عن «المسرح الألمانى فى مصر»، تحمل نسخة كتيبة المذيعين والفنانين، الذين ذهبوا.

مئات الروايا، الدراسات الألمانية صدرت فى مصر بعد ترجمتها للعربية، على نحو يستحق معرض لها، مشفوعا بالعناوين الألمانية، يبين بجلاء قدرة مصر على استيعاب ثقافة الآخرين، وتفهمها، والاحتفاء بها.

للقوة الناعمة عشرات الوجوه، كل ما سبق من ملامحها الأثيرة، وليست قاصرة على «هاى شلة».. لكن هكذا شاء أولو الأمر.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات