الاقتصاد المصرى والضفادع المسلوقة - محمد تيمور - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 6:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد المصرى والضفادع المسلوقة

نشر فى : الخميس 6 أغسطس 2009 - 9:23 م | آخر تحديث : الخميس 6 أغسطس 2009 - 9:23 م

 يقال إن حكيما صينيا أتى بمجموعة من الضفادع ووضع كلا منها فى إناء منفصل به ماء بارد وبعض الأعشاب التى تتغذى عليها الضفادع عادة. ثم حمل الأوانى ووضعها فوق موقد مشتعل بحيث يتم تسخين المياه ببطء، ثم جلس يراقب ما تفعله الضفادع.

ولاحظ الحكيم أن أغلب الضفادع لم تنتبه إلى الزيادة فى درجة الحرارة إلا عندما أصبح الماء ساخنا جدا وأصبحت فى حال من الإعياء لا يمكن معها الفرار من الإناء وتحولت فى النهاية إلى ضفادع مسلوقة، إلا ضفدع وحيد، يبدو أنه أكثر ذكاء، ما إن أحس بالسخونة المتزايدة حتى استجمع قواه، قبل أن تخور، وقفز قفزة هائلة خرج بها من الإناء وسقط على الأرض ومن ثم اختفى بسرعة فى نهر صغير مجاور للموقد.

قرأت هذه الحكاية أخيرا وقفز إلى ذهنى مباشرة عدد من المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى والتى يبدو أننا نتعامل معها بنفس الطريقة التى تعاملت بها الضفادع مع الماء الساخن. وأول تلك المشكلات مشكلة تزايد السكان حيث قارب تعداد مصر حاليا ثمانين مليونا، بينما أذكر، وأنا طفل صغير، أن والدى قال لى إن تعداد مصر 16 مليونا وذلك حسب إحصاء قامت به الحكومة سنة 1946 (على ما أذكر). وفى سنة 1956 أذكر أغنية مشهورة، خلال فترة العدوان الثلاثى على مصر، كان يغنيها المطرب محمد عبدالمطلب يقول فيها «عشرين مليون عبدالناصر هيحاربوا الاستعمار» ولابد أن التعداد الحقيقى كان عندئذ فى هذه الحدود. وعندما تولى الرئيس السادات الحكم كان التعداد قد بلغ حوالى 35 مليونا وقفز إلى 45 مليونا فى سنة 1981عندما تولى الرئيس مبارك الحكم والآن وصلنا إلى 80 مليونا!! أى إن تعداد مصر قد زاد بـ5 أضعاف خلال ما يقارب من 60 عاما. وبالطبع فقد انعكس ذلك بالسالب على كل نواحى الحياة فى مصر. وانخفض نصيب الفرد من الأرض الزراعية بشدة وأصبحنا نستورد أكثر من 50% من غذائنا من الخارج. وبعد أن كنا نصدر البترول أصبحنا نستورده وتفاقمت أزمة المساكن وانتشرت العشوائيات. كل ذلك ومعدل الزيادة فى السكان ما زال يضيف ما لا يقل عن 1.5 مليون نسمة سنويا دون أمل فى تخفيضه.. ألا يذكرنا ذلك بالضفدع المسكين الذى ترتفع درجة حرارة المياه من حوله دون أن يلاحظ الكارثة التى تقترب منه ودون أن يستجمع قواه ويقفز خارجا من الإناء؟!
يقول قائل وما الحل؟ وما الذى يمكن أن نفعله لمواجهة هذه المشكلة؟ أقول، ولست خبيرا فى مجال دراسات السكان وتنظيم الأسرة، إن هناك التجربة الصينية فى هذا المجال والتى كان لى الحظ أن أراقبها عن قرب فى زيارة للصين منذ شهر. الصين قفزت خارج الإناء وأقدمت على حلول جذرية، قاسية لكن فعالة. فمنذ عشرين عاما أصدرت قانونا يفرض غرامة باهظة تدفعها الأسرة عن كل طفل يولد بعد الطفل الأول مع بعض الاستثناءات للمناطق الريفية المحتاجة إلى عمالة ولبعض الأقليات المهددة بالانقراض. وكانت النتيجة أن تعداد الصين الآن يقل عما كان سيصل إليه دون هذا الإجراء بـ400 مليون نسمة. وبالطبع أنا لا أدعو إلى أن ننقل الحل الصينى.. ولكن أدعو أن نواجه المشكلة باستنفار قومى يبحث عن حلول غير تقليدية ويوضح للمواطنين حجم الكارثة القادمة إذا ما استمرينا فى تجاهل الزيادة المضطردة فى السكان.

ويمثل نظام التعليم فى مصر مشكلة أخرى تتفاقم يوما بعد يوم ويكفى أن ننظر إلى مستوى خريجى الثانوية العامة، بل، والجامعات ليتبين لنا ما وصلنا إليه فأغلبهم غير قادر على كتابة خطاب بسيط دون أن يقع فى أخطاء لغوية وإملائية فادحة، كما أن معلوماتهم العامة ضحلة إلى درجة تدعو للرثاء. والأدهى من ذلك، فى حالة الثانوية العامة، أن مجاميع هؤلاء الطلاب قد أصبحت مدعاة للسخرية والتندر.. فأعداد الحاصلين على مجموع يفوق 95% (!!) بلغت عشرات الألوف وكأن الطلبة المصريين قد أصابتهم موجة من النبوغ والتفوق بينما هم فى الحقيقة يأتون فى ذيل القائمة مقارنة بأغلب الدول، نامية هى أو متقدمة. وإذا رجعنا بالذاكرة بضع عقود إلى فترتى الأربعينيات والخمسينيات لوجدنا أن التعليم العام فى مصر كان على مستوى يضاهى أفضل الدول الأوروبية، وكان تقييم الطلاب يتم بصرامة ودون التدليل المفرط الذى نشهده الآن، وأتذكر أن أول الثانوية العامة فى عام 1958، وهو العام الذى حصلت فيه على تلك الشهادة، كان 91%، وكان من يحصل على 75% يضمن أن يدخل الكلية التى يرغب فيها أيا كانت، وهو مجموع لا يسمح الآن بدخول أى كلية ولا حتى كلية الآداب فى أبعد الجامعات الإقليمية. كل هذا يوضح مدى عبثية نظام التعليم، فبينما انخفض مستوى الطلاب بشدة ارتفعت درجاتهم إلى أرقام خيالية مؤكدة مدى التسيب الذى انتاب التعليم فى مصر.

مرة أخرى الوضع يتدهور سنة بعد أخرى ونحن لاهون عما يحدث حتى أوشك النظام كله أن ينهار من أساسه.. ألا يذكرنا ذلك بوضع الضفادع الصينية وهى فى الرمق الأخير وتوشك أن تتحول إلى ضفادع مسلوقة تطفو على وجه الإناء؟ ألا يتطلب ذلك أن نستجمع قوى هذا المجتمع لنقفز خارج الإناء ونطبق حلولا جذرية تنقذ نظام التعليم فى مصر؟

مرة أخرى لا أدعى أن لدى حلولا جاهزة ولكنى متأكد أننا إذا حولنا الموضوع إلى قضية قومية واستجمعنا موارد هذه الأمة وأعطينا الأمر أولوية مطلقة من حيث الجهد والمال لاستطعنا، كما استطاع غيرنا، أن نتفادى كارثة قومية توشك أن تداهمنا.

إن هاتين المشكلتين الزيادة السكانية والتعليم هما فى رأيى أهم ما يمنعنا من أن ننطلق قدما فى تحويل هذا البلد إلى بلد متقدم يتمتع بالرفاهية والاستقرار. صحيح أن هناك مشكلات أخرى ولكنها جميعا لا تقارب حجم هاتين المشكلتين ومن هنا يجب أن يكون لهما الأولوية فى توجيه الموارد والجهود، وإن كان الخروج منهما يتطلب أيضا أن نكون مستعدين لتطبيق حلول جريئة وغير تقليدية وأن نفكر خارج الأطر المعتادة (Out of the box) وأن نقفز خارج الإناء.. الوقت يمر والماء يزداد سخونة.. ولنا أن نتساءل متى تقفز الضفادع؟

محمد تيمور رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية
التعليقات