حديث الأرقام - محمد تيمور - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 4:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حديث الأرقام

نشر فى : الأحد 31 مايو 2009 - 10:41 ص | آخر تحديث : الأحد 31 مايو 2009 - 10:41 ص

 هذا المقال ليس لمن لا يحبون التعامل مع الأرقام، والذين يرون أنها رموزا صماء لا يستطيعون أن يترجموها إلى حقائق ولا يمكن تفسيرها بسهولة لتعبر عن أشياء ملموسة. كما أن المقال ليس لمن يتشككون فى صحة ونزاهة أى أرقام تنشر عن الاقتصاد فهى إما «مطبوخة من الحكومة» وإما تم حسابها بواسطة موظفين جهلة، وإن كانوا مستعدين لقبولها ما دامت تمثل تدهورا فى أحوال الاقتصاد. فهم مثلا يؤكدون صحة الأرقام الخاصة بالتضخم ما دامت تلك الأرقام تبين تسارعا فيه، بينما إذا أظهرت الأرقام تباطؤا فهى بالضرورة غير صحيحة على الرغم من أن نفس الجهة هى التى أصدرت الأرقام فى الحالتين مستخدمة نفس المنهجية. وحيث إن ما يقدمه هذا المقال هو تحليل مبنى على أرقام منشورة عن الاقتصاد المصرى فإننى أكرر نصحى لكارهى الأرقام و/أو المتشككين فى صحتها ألا يكملوا قراءتهم توفيرا لوقتهم.

من ناحية أخرى، فإن من يتتبع ما يكتب فى العديد من الصحف غير الحكومية أو الفضائيات المستقلة لابد أن يتصور أن الاقتصاد المصرى فى حالة مزرية وأنه على وشك الانهيار بل وصل الأمر إلى أن من يكتب، أو يقول، بغير ذلك يتهم فورا بأنه منافق يبتغى الحصول على رضاء الحكام بترديد ادعاءات لا أساس لها. وقد رأيت، والحال كذلك، أنه من المناسب أن نتحرى الأمر بناء على أرقام منشورة من جهات محايدة علنا نستكشف الحقيقة أو بعضا منها.

الأرقام التى سنقوم باستخدامها فى هذا المقال تنشرها مجلة الإيكونوميست الأسبوعية والتى تعتبر أهم مجلة تتناول الموضوعات الاقتصادية والسياسية فى العالم. وهى مجلة عريقة بدأ صدورها فى منتصف القرن التاسع عشر قبل أكثر من 150 عاما اكتسبت خلالها مكانة رفيعة ومصداقية لا تدانيها أى مجلات أو نشرات أخرى. وهى مجلة لا يمكن اعتبارها متحيزة لمصر أو للدول العربية بل قد يكون العكس هو الصحيح فطالما انتقدت المجلة سياسات الحكومة المصرية. وتنشر المجلة أسبوعيا على آخر صفحتين بها مجموعة من الإحصاءات عن أداء الاقتصاد العالمى بما فى ذلك معلومات عن 43 دولة تشمل العديد من النواحى عن النمو والأسعار والتجارة وأسواق المال مما يعطى صورة متكاملة عن الأداء الاقتصادى لكل من هذه الدول. وحيث إن مصر هى إحدى الدول التى تشملها مجموعة الـ 43 دولة التى ترصدها الإيكونوميست فإنه من الممكن أن نقوم بعملية مقارنة بين أداء الاقتصاد المصرى وأداء اقتصاديات الدول الأخرى وبالتالى نستطيع أن نحكم، على الأقل بصورة عامة، على مدى نجاح السياسات التى تتبعها الحكومة والبنك المركزى فى توجيه الاقتصاد.

وفى البداية قد يكون من المناسب أن نحدد الدول الـ 43 التى تشملها إحصاءات الإيكونوميست وهى:

الولايات المتحدة، اليابان، الصين، بريطانيا، كندا، النمسا، بلجيكا، فرنسا، ألمانيـا، اليونان، إيطاليا، هولندا، إسبانيا، جمهورية التشيك، الدنمارك، المجر، النرويج، بولندا، روسيا، السويد، سويسرا، تركيا، أستراليا، هونج كونج، الهند، إندونيسيا، ماليزيا، باكستان، سنغافورة، كوريا الجنوبية، تايوان، تايلاند، الأرجنتين، البرازيل، شيلى، كولومبيا، المكسيك، فنزويلا، مصر، إسرائيل، المملكة العربية السعودية، جنوب إفريقيا.

وسنختار مؤشرات نعتقد أنها تمثل العناصر الأساسية التى يمكن بواسطتها الحكم على الأداء الاقتصادى وهى:
معدل النمو ( الحالى والمتوقع)، معدل النمو للقطاع الصناعى، معدل التضخم، معدل البطالة، ميزان المدفوعات (الجارى)، التغير فى سعر العملة (مقارنة بالدولار)، عجز الموازنة. وسيكون المصدر هو عدد الإيكونوميست المؤرخ 16ــ22 مايو 2009.

أثرت الأزمة المالية العالمية بشدة على معدلات النمو فى الدول المختلفة إلا أن أداء مصر سواء خلال عام 2008 أو المتوقع خلال عامى 2009 و2010 يعتبر أفضل كثيرا من أغلب الدول الأخرى حيث جاء ترتيبها السادس من 43 دولة حيث حققتت نموا بمعدل لـ4.3% خلال الربع الأول من عام 2009 (محسوبا على أساس سنوى) بينما حققت الصين 6.1% والهند 35.3% (الربع الرابع لعام 2008) وأندونيسيا 5.2( الربع الرابع لعام 2008) أما إذا نظرنا إلى توقعات النمو خلال 2009 فإن مصر تقفز إلى المركز الثالث بتوقع نمو يبلغ 3.6% ولا يفوقها سوى الصين (6.5%) والهند (05.00%). وبالنسبة لتوقعات 2010 فإن مصر تحتفظ أيضا بالمركز الثالث بعد الصين والهند. وتعكس هذه الأرقام ثقة العالم فى أن تأثر الاقتصاد المصرى بالأزمة المالية العالمية سيكون أقل كثيرا من أغلب الدول الأخرى وإن كان ذلك لا يقلل من حجم هذا التأثر خصوصا إذا قارنا توقعات النمو بتلك التى تحققت فعلا خلال عام 2007 والتى فاقت 7% سنويا.

يظهر تفوق أداء الاقتصاد المصرى حاليا فى معدل نمو القطاع الصناعى إذ يجىء ترتيبه الثانى عالميا بعد الصين حيث بلغ معدل النمو السنوى فى الربع الرابع لعام 2008 حوالى 5.7% بينما حققت أغلب الدول الأخرى انكماشا فى معدلات نمو القطاع الصناعى وصل إلى أكثر من 30% (بالسالب) فى بعض الدول. ويرجع السبب الرئيسى فى الأداء المتميز لقطاع الصناعة فى مصر إلى أنه لايزال يعتمد أساسا على الإنتاج للسوق المحلية حيث لا يمثل قطاع التصدير، الذى تأثر بالأزمة العالمية، جزءا رئيسيا فى مصر. إلا أننا يجب ألا نقلل من شأن السياسات المشجعة لقطاع الصناعة التى تنتهجها الحكومة.

فإذا انتقلنا إلى معيار ميزان المدفوعات الجارية CURRENT ACCOUNT BALANCE فإن الصورة تختلف، فإن ترتيب مصر ينخفض إلى المركز العشرين من 43 دولة حيث يظهر ميزان المدفوعات الجارية سالبا بنسبة 8.0% من مجمل الدخل القومى. إلا إن ذلك المعدل بالنسبة لدولة لا يزال قطاع التصدير فيها فى بداية تطوره كما أنها ليست من الدول المصدرة للبترول، يعتبر معقولا إلى حد كبير ــ ويؤيد ذلك استقرار سعر العملة كما هو مبين فى الفقرة التالية.

إذا استبعدنا الدول، الواردة فى فائمة الايكونوميست، التى ترتبط عملاتها بالدولار ارتباطا مباشرا، وهى هونج كونج والسعودية فإن ترتيب أداء الجنيه المصرى أمام الدولار يجىء فى المرتبة الرابعة (بعد اليابان والصين وسويسرا) من 43 دولة حيث لم ينخفض خلال العام الماضى الا بـ 4.6% بينما انخفضت معظم العملات الأخرى بنسب تراوحت بين 10% و33%. ويعكس هذا ثقة الأسواق بقوة الجنيه. وإن كنا من ناحية أخرى نحبذ أن ينخفض الجنيه بنسبة 5 ــ 6% إضافية حيث إن ذلك يقوى مركز الصادرات المصرية التى بدأت تتأثر نتيجة الأزمة العالمية وانخفاض عملات الدول المنافسة لنا خاصة تركيا التى بلغ انخفاض عملتها أكثر من 20% خلال نفس المدة.

ويوضح مقياس التغير فى الأسعار (التضخم) الأداء المتدنى للاقتصاد المصرى فى هذا المجال إذ يجىء ترتيبه الرابع بنسبة تضخم تبلغ 7.11% ولا يفوقه سوى فنزويلا (29.4%) وباكستان (17.2%) وروسيا (13.2%). وعلى اتجاه التضخم فى مصر نحو الانخفاض، بحيث يتوقع أن يبلغ 7 ــ 9% فى نهاية العام، فإن التضخم يعتبر مشكلة رئيسية خصوصا أن التعامل معها ليس سهلا ويحتاج إلـى إجراءات قد لا تكون مقبولة سياسيا لما تتطلبه من سياسات مالية ونقدية متشددة. ويبدو ذلك واضحا إذا قارنا عجز الموازنة فى مصر بالدول الأخرى حيث يجىء ترتيب مصر تاسعا (من حيث السوء) بنسبة عجز يبلغ 96.9% على الرغم من أن ارتفاع نسبة التضخم تتطلب تخفيض عجز الموازنة.

ويأتى ترتيب مصر عاشرا من حيث ارتفاع نسبة البطالة التى بلغت، حسب الإحصائيات المنشورة فى الايكونوميست، 9.4% بعد ان كانت قد وصلت فى منتصف عام 2008 إلى 8.5% مما يعكس أثار الأزمة العالمية خاصة فى قطاعى التصدير والسياحة. وبرغم إن هذه النسبة تعتبر، بدون شك، مرتفعة فإنها تقارب النسب السائدة فى كثير من الدول النامية.

ما الذى نستخلصه من هذه الأرقام؟ فى ظنى أنها توضح أن الاقتصاد المصرى على الرغم من تأثره بالأزمة العالمية فإن أداءه يعتبر متقدما مقارنا بأغلب الدول الأخرى التى تغطيها إحصاءات الإيكونوميست. هذا بالطبع لا ينفى وجود نقاط ضعف به لكن المؤكد أنه فى حال أحسن كثيرا مما قد نخرج به من انطباع إذا تابعنا ما ينشر فى بعض الصحف أو تذيعه بعض الفضائيات.

محمد تيمور رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية
التعليقات