ارحموا الصناعة فهى الأمل - محمد تيمور - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 9:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ارحموا الصناعة فهى الأمل

نشر فى : الخميس 25 ديسمبر 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الخميس 25 ديسمبر 2014 - 12:51 م

نحن فى حاجة لقرارات شجاعة توازن بين ما هو فى مصلحتنا على المدى المتوسط والطويل وبين الخوف من تأثيرات وقتية لتلك القرارات قد لا تحظى بشعبية

.من الواضح أن الحكومة تركز الآن على المشروعات الجديدة باعتبارها الوسيلة الأولى لجذب الاستثمارات وتنشيط الاقتصاد. ولا أظن أن أحدا يختلف على أهمية ذلك خاصة أن بعض هذه المشروعات، كمشروع قناة السويس، سيكون لها بإذن الله مردودا مباشرا، وغير مباشر، ويمكن فعلا أن يحقق تأثيرا سريعا على مسار الاقتصاد. لكننا نلاحظ أيضا أننا نسينا أو تناسينا الانتباه إلى حقيقة مهمة وهى أن مصر لديها قاعدة صناعية، وخدمية، هائلة وأننا إذا انتبهنا إلى توفير المناخ المناسب لتلك القاعدة، التى تضم مشروعات كبيرة ومتوسطة وصغيرة قائمة، وخدمات فى قطاعات مهمة كالسياحة، والمعلومات والتجارة، فإن قدرتنا على النمو السريع وعلى توفير فرص عمل خلال فترة وجيزة ستفوق ما يمكن تحقيقه من أى مشروعات جديدة. ولن يحتاج ذلك أن تضخ الدولة اموالا جديدة فإن هذه القاعدة قادرة على زيادة إنتاجها والتوسع ذاتيا عن طريق رفع كفاءتها والحصول على التمويل من استثمارات القطاع الخاص ومن البنوك. مرة أخرى فإن ذلك لا يعنى التخلى عن المشروعات الجديدة التى يثبت جدواها وإنما يعنى الانتباه إلى ضرورة توفير المناخ المناسب لما هو موجود حاليا.

كيف يمكننا ذلك؟ إن المراقب لما تعرضت له الصناعة فى مصر خلال السنوات الاربع الماضية لا بد أن يذهل من الضربات التى تلقاها هذا القطاع ومن قدرته على الاستمرار رغم ذلك. وكانت أولى الصدمات هى فترة القلائل التى تلت الثورة، وتوقف الكثير من المصانع عن العمل مما أدى إلى تآكل احتياطياتها المالية بل إلى توقف بعضها تماما.

وتلى ذلك ارتفاع شديد فى الأجور يقدر بأكثر من 200% خلال 3 سنوات (وهو أمر مبرر فى الحقيقة) ثم ارتفعت أسعارالطاقة بنسب كبيرة (وهو أمر مبرر وإن كان الأفضل أن يتم تدريجيا) وفى الوقت نفسه ارتفعت أسعار الفائدة على التمويل حتى بلغت للصناعات المتوسطة والصغيرة ما يتراوح بين 15% و17% وهو مستوى لابد أن يشل حركة الصناعات ويوقف اى تفكير فى التوسع. (ولا ننسى ان الارتفاع الحالى لخدمة الدين العام والذى يبلغ نصف الميزانية سينخفض إذا ما استطعنا تخفيض اسعار الفائدة. ولا أظن انه يمكن تبرير الارتفاع فى سعر الفائدة بالرغبة فى محاربة الغلاء حيث ان سعر الفائدة الحقيقى، اى بعد خصم التضخم، لايزال مرتفعا بالمقاييس العالمية).

وأخيرا فإن ثبات سعر الجنيه المصرى خلال الفترة الأخيرة كان القشة إلى نرجو الا تقصم ظهر البعير. فبالرغم أن الشهور الماضية شهدت ارتفاعا كبيرا للدولار امام جميع العملات الرئيسية تقريبا وخاصة تلك التى نستخدمها فى مبادلاتنا التجارية كاليورو الذى انخفض بـ10% تقريبا وعملات الأسواق النامية التى انخفضت بين 6% و15%. فإن الجنيه ظل ثابتا متحديا دون سبب واضح.

ولا يحتاج توضيح تأثير ذلك على الصناعة وعلى الخدمات إلى شرح كبير. فبالنسبة للصناعات التصديرية فإن ارتفاع قيمة الجنيه أمام عملات البلاد التى نصدر اليها، أضعف من قدرتنا التنافسية وخفض من هوامش الربح إن وجدت. اما بالنسبة للصناعة التى تعتمد على السوق المحلية فإن اسعار الواردات المنافسة الآتية من الدول التى خفضت عملاتها بدأت أيضا فى الانخفاض مشكلة ضغطا على قدرة الصناعة المحلية على المنافسة. وعلى مستوى الميزان التجارى فإن التأثر لابد وان يكون سالبا حيث إن الوضع يزيد من الواردات ويجعل التصدير اكثر صعوبة. وقد يقول البعض ان تخفيض قيمة الجنيه امام الدولار سيزيد من فاتورة الدعم وسيؤدى إلى ارتفاع عام فى الأسعار وفى زيادة عجز الموازنة وهى أمور صحيحة من الناحية النظرية فإذا فحصنا الأمر بتمعن سنجد ان الانخفاض الاخير فى أسعار البترول قد حل جزءا كبيرا من مشكلة الدعم وان ذلك سيخفض من تأثر عجز الموازنة كما ان جزءا مهما من موارد الدولة هو بالعملة الأجنبية، كدخل قناة السويس وحقنا من البترول المنتج فى مصر وبالتالى فإن دخل الدولة، بالجنيه المصرى، سيرتفع.

أما عن مستوى الأسعار عامة فإن تأثره سيكون ضعيفا خاصة أن أغلب السلع المستوردة يتم استيرادها الآن بعملات مشتراة من السوق الموازية للعملة بزيادة حوالى 10% عن السعر الرسمى.

كما أن حصيلة الدولة من الجمارك ستزيد بنسبة مساوية للزيادة فى أسعار العملات الأجنبية. أما إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية اجتذاب استثمارات خارجية فإن تخفيض الجنيه سيؤدى بدون شك إلى زيادة التدفقات الرأسمالية إلى مصر وسيقلل من العجز الحالى فى ميزان التدفقات الكلية الخارجية.

اما الضربة الأخيرة التى تلقاها القطاع فهى الزيادة المتلاحقة فى الضرائب. فبعد أن تم رفع الضريبة على أرباح الشركات بـ5% فيما زاد على مليون جنيه، جاء قانون الضرائب الأخير والذى رغم احتوائه على ضريبة على الأرباح الرأسمالية (نرى أنها عادلة) فإنه أضاف ضريبة على التوزيعات حتى تلك التى يتم توزيعها على شركات تساهم فى شركات أخرى رغم خضوعها للضريبة وكانت النتيجة انه فى بعض الحالات ستصل الضريبة أكثر من 40% وهو مستوى ليس له مثيل فى الدول النامية. كما أن القانون يحتوى على نقاط غير واضحة كان المفروض ان توضحها اللائحة التنفيذية التى لم تصدر حتى الآن.

إننا نرحب بحصول الدولة على حقوقها ولكن يجب أن نفكر فى وسائل جديدة تنقل جزءا من العبء الضريبى من المؤسسات الاقتصادية إلى المستفيد النهائى عن طريق ضريبة على الدخل العام مثلا.

إن الأمر يحتاج نظرة سريعة من الحكومة ومن البنك المركزى لدراسة الموضوع واتخاذ القرارات المناسبة. ويا حبذا لو تم نشر نتائج تلك الدراسة وأن تتخذ القرارات الضرورية لإصلاح الوضع أو على أقل تقدير، إقناعنا بأن الوضع الحالى هو الافضل وهو ما لا نظنه.

اننا فى حاجة لقرارات شجاعة توازن بين ما هو فى مصلحتنا على المدى المتوسط والطويل وبين الخوف من تأثيرات وقتية لتلك القرارات قد لا تحظى بشعبية.

وختاما أرجو ألا ننسى دروس التاريخ الاقتصادى الحديث التى أثبتت أن الصناعة هى أساس التنمية وأن دولا مثل كوريا وماليزيا والصين بل واليابان فيما سبق قد وصلت أساسا إلى ما هى فيه من تقدم نتيجة لتطبيق سياسات مشجعة للقطاع الصناعى، فالصناعة هى الأمل.

محمد تيمور رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية
التعليقات