آمال أكتوبر.. أكبر مما جرى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 3:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

آمال أكتوبر.. أكبر مما جرى

نشر فى : السبت 6 أكتوبر 2012 - 8:10 ص | آخر تحديث : السبت 6 أكتوبر 2012 - 8:10 ص

فى «سواق الأتوبيس» 1983، فتح عاطف الطيب، لأول مرة، سينمائيا، باب الأسئلة المسكوت عنها، أو المؤجلة، وأهمها: إلى أين ذهبت آمال الذين خاضوا، بدمائهم وأرواحهم، حرب أكتوبر؟.. الإجابة تأتينا طوال الفيلم، خلال متاهة الرحلة التى يقطعها «حسن»، بأداء نور الشريف، من أجل إنقاذ ورشة الخشب، المهددة بالضياع، التى يملكها والده.. «حسن»، من جيل عاطف الطيب، كل منهما ولد فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.

 

وبينما كان الطيب مجندا أيام أكتوبر شارك «حسن» فى معاركها.. والآن، ها هو يذهب لشقيقته، فى دمياط وبورسعيد، وبرغم ثراء زوجيهما الواضح، فإن قيم الانفتاح الأنانية أثرت فى أخلاقيات الأسرتين، فجعلتهما أشد شراهة، فيقترحان بيع الورشة لبناء عمارة كبيرة.. وفى مشهد يغلفه الشجن، تحت ضوء القمر، عند سفح الهرم، مع لحن «بلادى بلادى» الذى يأتى خافتا، حزينا، بعيدا، يلتقى «حسن» ببقايا زملاء الجيش، تنتعش أرواحهم بذكريات أيام النار والفداء، والأحلام بوطن يختلف عما أصبح عليه.. يحاولون تجميع النقوذ اللازمة لاستمرار الورشة، بكل ما تحمله من معنى، لكن تغيرات الواقع، بتوجهاته السياسية والاقتصادية، تقضى على آمال أبطال العبور.

 

فى العام التالى، يحقق أحمد السبعاوى «بيت القاضى»، المأخوذ عن رواية لإسماعيل ولى الدين. لم يستطع الفيلم التخلص من خشونتها وبعض جوانبها الفجة. لكن قيمته ترجع إلى قدرته على رصد العديد من الظواهر التى غيرت من سلوك الناسو بدءا من بيع القطاع العام وإلغاء المجمعات الاستهلاكية، إلى ظهور الجماعات المتطرفة، وبروز دور الأكثر فسادا، ومهاجمة السلطات لقوى اليسار.. هنا، مرة ثانية، يطالعنا نور الشريف، فى دور «فتحى الدفراوى»، العائد من الخليج بعد ثلاثة أعوام. فى الحى الشعبى يلتقى بصديق وزميل حرب أكتوبر، «حسن» ــ فاروق الفيشاوى ــ الذى بترت ذراعه أثناء المعارك وقد أصبح إلى البلطجية أقرب، ذلك أنه بلا عمل ومن دون سكن بعد انهيار بيته القديم وغدت والدته نصف معتوهة، تتساقط اللعنات على من دمروا حياتها. تتدفق الحياة فى الحارة، بصراعات ذات طابع مخاتل ووحشى، تنتهى بمقتل «حسن» الذى يتذكر، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، لحظات النصر، حين رفع «فتحى» علم مصر، فى سيناء.. نهاية فاجعة، يزيد من وطأتها هتافات تؤيد دخول تاجر المخدرات مجلس الشعب، بينما يقف «فتحى» حائرا، ضائعا.

 

على العكس من «بيت القاضى» المشتت، يأتى «زمن حاتم زهران» لمحمد النجار 1988، متماسكا، قويا، بفضل السيناريو المكثف، الذى يعرف هدفه تماما، والذى كتبه عبدالرحمن محسن.. الفيلم يبدأ بمشاهد تسجيلية من المعارك، يتخللها زواج المجند «يحيى زهران»، الذى يستشهد فى آتون القتال، ثم تظهر العناوين، وكأنها فاصل زمنى بين الماضى والحاضر.. سنوات قد لا تكون طويلة، لكن المسافة بين العالمين، جد واسعة. فالآن، نحن فى «زمن حاتم زهران»، المناقض تماما لأيام «يحيى زهران». وسواء كان «حاتم» هو شقيق الشهيد «يحيى» حقيقة، أو أن الربط بينهما يتخذ معنى رمزيا، فإن الفيلم يتابع مجىء حاتم، بأداء نور الشريف، بعد حصوله على درجة الدكتوراه من أمريكا التى ذهب لها هربا من فاتورة الوطن.

 

إنه نموذج لوجهاء المرحلة الجديدة: ذكاء مقترن بالدهاء والخبث. شراهة للمال والنفوذ. خفوت فى الحس الأخلاقى. يوصف بأنه رجل أعمال، بينما مشروعه لا يتعدى إقامة مصنع مستحضرات تجميل فوق أرض زراعية نرى فلاحيها يطردون منها بلا رحمة، والفيلم فى هذا يشير إلى كارثة تبوير الأرض التى استفحلت فيما بعد.. مع توالى المواقف، والمشاهد، يصعد حاتم زهران، على كرامة وحقوق الآخرين، متنكرا لزوجة شقيقه البطل، مؤكدا أن ثمار النصر، التقطها شبيحة متأنقون.

 

يعود عاطف الطيب، فى «كتيبة الإعدام» 1989، ومعه نور الشريف أيضا، ليفتح من جديد، ملف ما بعد أيام المجد والأمل.. وبعيدا عن الطابع البوليسى المشوق للسيناريو الذى كتبه أسامة أنور عكاشة، وما يمكن أن يؤخذ عليه من ثغرات، ينجح الفيلم فى توجيه أصبع الاتهام نحو الذين حولوا دماء الشهداء إلى «سوبر ماركت»، بكل ما يحمله «السوبر ماركت» من معنى. هنا يخرج «حسن عز الرجال» من السجن بعد عقد ونصف، عقابا على جريمة لم يرتكبها: سرقة مستحقات أفراد من الجيش وقتل بطل المقاومة الشعبية «الغريب وأولاده».. مباحث الأموال العامة تراقبه، وتطارده، لاسترداد المال، ابنة «الغريب» تبحث عنه للانتقام. نتابع، بأداء المتمكن نور الشريف، اليأس، المنهك نفسيا، محاولة فك لغز عملية القتل وسرقة المال.. أخيرا، ينكشف السر: الخائن «فرج الأكتع»، الذى أصبح من وجهاء المرحلة الدنيئة، هو المجرم، ميت الضمير، الذى يلقى حتفه بين رفوف بضاعته.

 

هذه الأفلام الأربعة، وكأنها حلقات، منفصلة، متصلة، تؤكد أن آمال أكتوبر أقوى وأوسع وأشرف مما جرى بعده، على أرض الواقع، وتثبت بجلاء، أن فى السينما المصرية، ما يستحق الدراسة والتأمل.

 

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات