مأساة مدام فهمى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مأساة مدام فهمى

نشر فى : الخميس 8 سبتمبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : الخميس 8 سبتمبر 2011 - 9:00 ص

قديما، كان شيخ الحارة مرجعية لا يشك فى معرفتها بظواهر الأمور وبواطنها. إنه عدة مؤسسات فى رجل واحد. مركز معلومات لا يشق لها غبار. يحفظ تاريخ الحارة وجغرافيتها، بأزقتها، ومنعطفاتها، وبيوتها، وسكانها، أسرة أسرة، وفردا فردا، وأوضاع الجميع، فكريا واقتصاديا وأخلاقيا، ويمتد إدراكه للدوائر المحيطة بالحارة، بأجوائها وأسرارها، لذا فإن شهادته يعتد بها، تؤخذ مأخذ الجد والتصديق، خاصة حين يكون شيخ الحارة من نوع صلاح عيسى، النادر، الذى يعشق مهنته، يملك من الوثائق ما يجعله أهلا للثقة، فضلا عن نفاذ بصيرته، وقدرته على التحليل والمقارنة والتحرى والوصول إلى استنتاجات صائبة، بل اكتشاف القوانين المؤدية للظواهر وعدم الاكتفاء برصدها وتحقيقها.. هكذا فعل وأنجز فى «رجال ريا وسكينة» و«البرنسيسة والافندى» ثم «مأساة مدام فهمى».

 

شيخ حارة مصر، فى الثلث الأول من القرن الماضى، صلاح عيسى، يدلى بشهادته المطولة «295 صفحة من القطع الكبير، فى مقتل الوجيه الأمثل، ابن الحسب والنسب، على بك فهمى، وهو فى شرخ الشباب، برصاصات أطلقتها عليه زوجته الفرنسية، الغانية، مرجريت، فى أحد ممرات فندق بلندن.. أى أن أماكن الأحداث، أو ديكور التراجيديا، وأبطالها، تشتمل على جوانب من مصر، وفرنسا، وإنجلترا. ولأن شيخ الحارة المصرى، يعرف أصول مهنته، فإنه يتعقب ما جرى لأبطاله، فى باريس، ولندن، ويسجل أصداء المأساة، فى الشرق والغرب، فالجريمة، المتعددة الأسباب، متباينة التأثيرات، ومنها تلك الأعمال الأدبية التى ظهرت فى أوروبا ومسرحيات يوسف وهبى، وغيره، التى قدمت، بنجاح، على خشبة المسرح، ثم شاشة السينما.

 

الوقائع، فى التراجيديات، معروفة سلفا، لكن كل كاتب يحللها ويفسرها ويقيمها حسب رؤيته. وهنا، فى «مأساة مدام فهمى»، يلجأ صلاح عيسى إلى أسلوب سينمائى. يبدأ بمشهد الذروة: منتصف ليلة الثلاثاء 10 يوليو 1923، فى فندق سافواى بعاصمة بريطانيا «العظمى»، وثمة عاصفة فى الخارج، ومعركة تقليدية شرسة بين مرجريت وزوجها الذى يصغرها بعشرة أعوام، تنتهى به صريعا.. وعن طريق «الفلاش باك»، يقدم الكتاب، أو الفيلم، أو المسرحية إن شئت، نشأة ومسار حياة أبطاله: مرجريت ميلر، الجميلة فى منبت السوء، التى يجب تجنبها، والتى تهب جسدها للأثرياء وأصحاب النفوذ.. وعلى كامل فهمى، المدلل، الوارث لثروة من المال والأطيان، المفعم بالشباب والحيوية، الغرائزى النزعة، المسرف فى كل الملذات، والذى فتن بمرجريت فاصطادها كما اصطادته، وتزوجا زيجة مدمرة، فهو بالغ الشراسة، وهى فالتة العيار، قد تخضع أحيانا لأهوائه الجنسية الخارجة عن المألوف، لكن تمتنع عن نار معاشرته، مما يغضبه لدرجة الجنون فيوسعها لكما، يطاردها، يحاول اغتصابها، ترديه قتيلا، كأن ما يبدأ بشذوذ ينتهى بجريمة.

 

أما المشاهد الأخيرة، أو الفصل الثالث، فيدور فى قاعة المحكمة، حيث تتجلى قدرات المحامى البريطانى العتيد «مارشال هول» الذى سخر كل قدراته ومواهبه فى الدفاع عن موكلته، فوضع القتيل، وحضارته الشرقية، فى قفص الاتهام، واستطاع إنقاذ موكلته من الإعدام، والسجن المطول.. ويرصد شيخ الحارة ردود أفعال الصحافة هنا وهناك، ويتابع ما حل بقصر على فهمى الذى آل لعائشة فهمى، ليصبح مقرا لمجمع الفنون.. فيالها من رحلة، وعبرة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات