انهيار المفاوضات المباشرة: عود على بدء - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 7:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انهيار المفاوضات المباشرة: عود على بدء

نشر فى : الخميس 7 أكتوبر 2010 - 10:15 ص | آخر تحديث : الخميس 7 أكتوبر 2010 - 10:15 ص

 بأسرع مما توقع الكثيرون أعلن رسميا انهيار المفاوضات المباشرة، التى بدأت مطلع الشهر الماضى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد قررت القيادة الفلسطينية يوم السبت الماضى وقف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل ردا على رفضها تجميد الاستيطان.

من ناحيته أعلن جورج ميتشل توقف المفاوضات المباشرة، إلا أنه أكد التزام الإدارة الأمريكية بدعم المشاورات غير المباشرة بين الطرفين. كنت قد نشرت فى هذه الصفحة مقالا يجزم بهذا المصير لأسباب معروفة وبديهية، والواقع أن الإلحاح الأمريكى على ضرورة الانتقال إلى المفاوضات المباشرة كان مبنيا إما على سذاجة مفرطة (لأن نموذج العجز الأمريكى عن الضغط على إسرائيل موجود منذ نشأتها)، وإما على أمل كاذب بأن يخفف هذا الجهد الأمريكى من حدة الانتقادات الموجهة لأوباما فى الداخل، ويساعده فيما هو مقبل عليه من تحديات داخلية.

أما نتنياهو فكان يريد أن يكسب من هذه المفاوضات شرعية يحاجج بها أولئك، الذين يملأون الدنيا صخبا حول السياسة الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فها هو الرئيس الفلسطينى يجلس للتفاوض معه رغم كل ما فعله ويفعله.

وعلى الرغم من أن الجانب الفلسطينى قد خرج من هذه المفاوضات صفر اليدين فإننى أعتقد أنه كان أكثر الرابحين منها، أولا لأنه فوت على كل من الإدارة الأمريكية ونتنياهو أن يحققا غرضهما من المفاوضات، وثانيا لأنه تفادى الاتهام بمسئوليته ــ إذا غاب عن المفاوضات ــ عن إضاعة «الفرصة التاريخية» لبناء السلام، وثالثا لأنه لأول مرة فى تقديرى خرج من المفاوضات دون أن يقدم تنازلا جديدا، وبالذات فيما يتعلق بشرط وقف الاستيطان للبدء فى المفاوضات. والواقع أن البعض يتساءل عن مغزى هذا «التشدد»، وما هو بتشدد بطبيعة الحال لأن من شأن استمرار المفاوضات دون جدوى مع تسارع الاستيطان أن نصل إلى نهاية الشوط وقد ضاعت كل فلسطين.

لم يكن هذا المآل مفاجئا لأحد، وإن كان لدى البعض من أنصار التفاوض أمل فى أن تختلف طبيعة الجولة هذه المرة، ولا أحد يدرى مصدر هذا الأمل، فالجديد الوحيد هو أوباما الذى أثبت بلا ريب أن توجهاته ليست سوى كلمات معسولة، وأنه غير قادر على تحويلها إلى أفعال فى علاقته بإسرائيل، ومع ذلك فإن الرئيس عباس فى حديث له فى 26 من الشهر الماضى تكفل بتبديد أمل هؤلاء، فوفقا لهذا الحديث لم يكن هناك أى تقدم فى موضوع وقف الاستيطان، بما فى ذلك أن الأمريكيين لم يقدموا شيئا محددا فى هذا الصدد، والرئيس الأمريكى فى تقدير عباس «نياته طيبة» ومواقفه جيدة، ولكن العبرة بالتطبيق.

 
فى هذه الظروف يصبح حديث البدائل حيويا، لأنه ما لم تكن هناك بدائل فإن الموقف الفلسطينى يصبح عبثيا، فهو يرفض التفاوض لعدم وقف الاستيطان، لكن الاستيطان يمضى بوتيرة متسارعة بغض النظر عن المفاوضات، ولذلك لابد من بدائل يمكن من خلالها تحسين الوضع الفلسطينى. تجدر الإشارة هنا إلى أن القيادة الفلسطينية فى الاجتماع، الذى أعلنت فيه انهيار المفاوضات المباشرة قد شكلت لجنة لدرس الخيارات المتاحة أمامها، وفى مقدمتها خياران أولهما التوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بموقف دولى يلزم إسرائيل بوقف الاستيطان وتطبيق حل الدولتين، والثانى العمل على تحقيق الوحدة الوطنية الشاملة، على أن تعد هذه اللجنة توصياتها فى تقرير يرفعه الرئيس عباس إلى اجتماع لجنة المتابعة العربية المقرر انعقاده يوم 8 أكتوبر الجارى فى مدينة سرت.

 
وبالنظر إلى المواقف السابقة لهذه اللجنة فإن أقصى المتوقع منها أن تؤيد خيار اللجوء إلى مجلس الأمن باعتباره خطوة «تصعيدية» لأن البعض يتحدث عن إعطاء مهلة جديدة للإدارة الأمريكية، ومع ذلك فليس متصورا أن يحدث المجلس اختراقا فى عملية التسوية السلمية يغضب إسرائيل أو حتى يضايقها لأن الاعتراض الأمريكى سوف يكون بالمرصاد لأى قرار يتضمن هذا المعنى، وكلنا يذكر المآل الذى انتهت إليه اجتماعات المجلس السابقة، التى عقدت بطلب من المجموعة العربية فى الأمم المتحدة، وحتى لو توصل إلى قرار يرضينا نسبيا فإن تنفيذه يكاد أن يكون مستحيلا، لأن مناطه الوحيد سوف يكون الضغط الأمريكى على إسرائيل، الذى أكدت جميع السوابق أنه لا يصل حتى إلى مستوى الطبل الأجوف.

يبقى البديل الثانى وهو استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهو بديل بالغ الأهمية لأنه لا أحد يتفاوض بالنيابة عن الآخرين، ولو توصلت جهود الرئيس الفلسطينى التفاوضية جدلا إلى نتائج معينة لاستحال إلزام حماس بها، وبذلك يبقى الحال على ما هو عليه.

وقد سبقت الإشارة إلى نية لجنة دراسة الخيارات المتاحة العمل على تحقيق الوحدة الوطنية الشاملة، ومن حسن الحظ أن استئناف جهود تحقيق هذه الوحدة قد بدأ قبل إعلان انهيار المفاوضات المباشرة، وذلك باجتماع رئيس المكتب السياسى لحركة حماس خالد مشعل مع وفد حركة فتح برئاسة عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لفتح مساء الجمعة 21 سبتمبر الماضى بعد وساطة مصرية جديدة. وقد بدا من الاجتماع أن هناك نهجا مختلفا لمناقشة المصالحة يحاول تجاوز عقبة اعتراض حماس على بعض ما ورد ــ أو لم يرد ــ فى الورقة المصرية بالاتفاق على ملحق يتضمن جميع ملاحظات حماس ويكون جزءا لا يتجزأ من الورقة المصرية، وبهذا يتم التوفيق بين مطالب جميع الأطراف.

وقد كنت دائما متشائما من فرص إنجاز المصالحة بين الفصيلين الفلسطينيين المتصارعين سواء لاختلاف النهج حول المقاومة والمفاوضات أو لأن حماس تبدو أحيانا مشغولة ببناء سلطتها «الإسلامية» أكثر منها باستعادة الحقوق الفلسطينية، أما فتح فقد تم تحييد قواتها أصلا فى الصراع منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993، وإن كانت ربما تخشى أن يؤول مصير الضفة الغربية إلى ما آل إليه قطاع غزة.

لكن الجديد هذه المرة أن نهج المفاوضات قد أثبت عقمه الكامل بسرعة لافتة، وأن الرئيس الفلسطينى نصير التفاوض الأول أصبح بحكم خبرته أقدر الناس على الحكم على الموقف الإسرائيلى، وعبثية التفاوض معه خاصة فى ظل الظروف الراهنة. أما حماس فعلى الرغم من أنها تحظى بدعم دولى متزايد بسبب جريمة الحصار، فإن الرسالة الأهم ربما تكون قد وصلت إليها ومؤداها أن موقفها الراهن يهدد مستقبلها على نحو جذرى، فقد تجد حماس نفسها فاعلا صغيرا للغاية فى أتون صراع إقليمى قد تديره إسرائيل بهدف إعادة ترتيب أوضاع المنطقة، وبالذات موقع إيران منها.

وفى هذا الصدد قد تبدأ بحماس وتوجه لها عن بعد ضربات مؤلمة ربما لا تقضى عليها، لكنها بالتأكيد سوف تخلق صعابا جمة فى طريقها لترسيخ وضعها كممثل لكل الشعب الفلسطينى، ولذلك أصبح لقاء فتح وحماس حدا أدنى مطلوبا لتقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية، ومن المأمول أن يفضى هذا الحد الأدنى لاحقا إلى بحث فى استراتيجية العمل الوطنى الفلسطينى يجعله أكثر تماسكا وفاعلية، وكذلك إلى إعادة بناء منظمة التحرير بما يعكس الحقائق الجديدة فى الواقع السياسى الفلسطينى، وإذا كان تصريح عزت الرشق عضو المكتب السياسى لحماس بأن اتفاق حماس وفتح على تحقيق المصالحة الفلسطينية أصبح أقرب من أى وقت مضى صحيحا فلنا أن نتنفس الصعداء للمرة الأولى منذ وقع الصدام المسلح بينهما فى 2007، مع الدعاء لله سبحانه وتعالى بألا يفاجئنا الطرفان مجددا بما يفاقم من تدهور الوضع الفلسطينى.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية