علاقة اغتيال حتر بقانون جيستا - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علاقة اغتيال حتر بقانون جيستا

نشر فى : الجمعة 7 أكتوبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الجمعة 7 أكتوبر 2016 - 9:25 م
رفض الكونجرس الأمريكى اعتراض أوباما رئيس الولايات المتحدة على قانون حق ضحايا 11 سبتمبر فى رفع قضايا ضد دول ترعى الإرهاب وتموله والمقصود هنا السعودية فى المقام الأول، ذلك فى الوقت الذى تم فيه اغتيال ناهض حتر أمام قصر العدالة بعمان عاصمة الأردن طبقا لقانون سيئ السمعة وضعه بشر يحاولون حماية الذات الإلهية من إساءة البشر وكأن الله فى حاجة إلى أن يحميه الإنسان. وهو شبيه بقانون «ازدراء الأديان» فى مصر وهكذا تكون الأديان لها كهنتها وسدنتها التى تدافع عنها وهذا لا نجده فى معظم بلدان وحضارات العالم المتحضر مما يدعونا للقول إنها ثقافة عربية بامتياز.

والسؤال الآن ما هى العلاقة بين الحدثين أو الخبرين؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد أن نعود تاريخيا إلى بداية القرن الحادى والعشرين وترديد شعارات الفوضى الخلاقة، فقد وضح أن الحكام العسكريين لهذه البلاد والتى حكموها لأكثر من نصف قرن من الزمان نتيجة انقلابات لم يستطيعوا أن يتقدموا ببلادهم قيد أنملة، بل بالعكس كانت هذه البلاد فى ظل الأنظمة السابقة على الانقلابات ليست أفضل حالًا لكنها كانت تسير بخطى واثقة نحو التقدم والتحضر دون مغامرات عسكرية. ثم كانت الطامة الكبرى بعد ذلك فى ظهور جماعات إسلامية متطرفة بعد هزيمة 1967 توحشت فى العراق وسوريا وليبيا...إلخ، وهنا جاءت التقاريرالمخابراتية بعد تغول هذه الجماعات فى أوروبا وأمريكا توصى بأنه يجب مساعدة هذه الجماعات والتيارات الإسلامية المتطرفة لتحكم دول الشرق الأوسط كنماذج فى عدة أماكن؛ وبذلك لن يكون لهم مبرر للبقاء فى أوروبا المختلفة عنهم حضاريا وكذلك ليرى العالم كيف يحكمون من خلال فكرهم وحضارتهم؟

من هنا بدأ الغرب وعلى رأسه أمريكا بدعم داعش حتى سيطرت على مساحات واسعة فى سوريا والعراق وليبيا واستخدمت فى سيطرتها أسلحة حديثة وإعلام بتقنيات عالية جدا لا يقدر عليها سوى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد سمحوا لهم ببيع البترول فانتعشوا اقتصاديا لدرجة أن شبابا من كل العالم وخاصة من الغرب انضموا إلى داعش وكأنها الجنة المطلوبة، وكانت الإدارة الداعشية تقدم مرتبات شهرية وسنوية بآلاف الدولارات لمن ينضم إليهم من الغرب. ولقد لاحظنا تمويل السعودية لهذه الجماعات لتسقط الأسد فى سوريا وأيضا قامت تركيا بتسهيل بيع البترول لصالح داعش، وفى دخول داعش إلى العراق قامت بتنفيذ أمرين واضحين جدا لهما دلالة ثقافية وحضارية؛ الأول تدمير كل الحضارة البابلية والآشورية القديمة فحطمت التماثيل ودمرت المتاحف وهكذا فعلت فى سوريا، ولو نجح انقلاب الإخوان فى مصر لتم نفس الأمر بتدمير الآثار المصرية القديمة، أما الأمر الثانى يتمثل فى أنهم سبوا النساء المسيحيات والأيزيديات وباعوهن فى سوق للنخاسة وأخذوا الأطفال معهم وقتلوا الرجال. فى الحالتين لو أن الأمر كان طبيعيا لرفعت أمريكا وأوروبا عقيرتها بأن هذا انتهاك لحقوق الإنسان وأنه لابد وأن تتوقف هذه الهمجية لأنها من مخلفات عصور قديمة لكن هذا لم يحدث والسؤال لماذا؟ والإجابة لكى يرى العالم أجمع الفارق الضخم بين الحضارة الغربية المتقدمة التى تمثلها إسرائيل فى المنطقة وبين الحضارة العربية المحيطة بها وكيف ارتقى الشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية ورام الله حيث إسرائيل وتخلف فى غزة، وكيف أن إسرائيل تعبر عن التقدم والحضارة وهى تحافظ على الآثار الإسلامية والمسيحية القديمة وعلى رأسها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة مقابل تدمير الحضارة الفينيقية والبابلية وقتل وسحق أصحاب الديانات القديمة الموجودة فى المنطقة سواء كانت المسيحية أم اليهودية أم اليزيدية. ولعلنا نتذكر ما نادى به السلفيون فى غزوة الصناديق ومازالوا فى ضرورة ترك المسيحيين لمصر.

***
من هنا بدأ الحديث عن تجربة أمريكا مع الهنود الحمر الذين رفضوا أن يتنازلوا عن حضارتهم وآثارهم وقيمهم فكانت النتيجة تدمير حضارتهم وإحلال حضارة راقية متقدمة بديلا لها. بدأ الحديث عن وطن بديل للفلسطينيين فى الأردن ومعروف أن الأردن 42 % من شعبه فلسطينى متجنس بالجنسية الأردنية وهناك مليون و200 ألف لاجئ لم يحصل على الجنسية والخطة هى توطينهم بالأردن كوطن فلسطينى بديل يعيشون فيه فى سلام فى ظل الحضارة الغربية اليهودية. وكى تتحقق الخطة كاملة كان لابد وأن يمدوا الحبل للسعودية لكى تمول جبهة النصرة بالمال والسلاح وتتورط فى اليمن وتظهر أمام العالم كله كدولة داعمة للإرهاب تستخدم المنظمات الإرهابية لتحقيق مآربها وهنا يكون إصدار قانون جيستا مبررا. وهكذا وبعد أن انتهى دور داعش وباقى الجماعات فى تحطيم الآثار القديمة ومحاولة التخلص من الشعوب التاريخية المسيحية واليزيدية وغيرها، هنا تندفع الشعوب نحو الحضارة الغربية اليهودية بكل مقوماتها الحديثة والتى تمثلها فى المنطقة إسرائيل ولقد بنت إسرائيل دعايتها بناء على هذه النظرية؛ فبينما كنا فى مصر نناقش قانون بناء الكنائس كانت الدعاية الإسرائيلية فى أوروبا وأمريكا تركز على أن إسرائيل هى البلد الوحيد فى الشرق الأوسط الذى يتمتع فيه المسيحيون بحرية كاملة للعبادة بدون قوانين خاصة بهم، وأنها تحمى التراث الدينى مثل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة. ويقوم التليفزيون الأمريكى بعقد لقاءات مع رجل الشارع المسيحى والمسلم فى إسرائيل اللذين يشهدان على الحرية الدينية بالمقارنة مع السعودية ودول الخليج والفقهاء الذين يتحدثون عن أرض الإسلام التى تمنع إقامة معابد أو كنائس عليها.

ولعلك تلاحظ عزيزى القارئ كيف هرعت السعودية ودول الخليج مؤخرا إلى إسرائيل بمقدار بعدها عن إيران وهكذا تتلخص الخطة فى نزع التاريخ من الشعب بتحطيم آثاره ونسيان تاريخه، ثم تفريغ الوطن من تعدد الجنسيات وخاصة القديمة والأصيلة فى المنطقة ــ وربما نتذكر دعوة الغرب لتفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين العرب منذ أكثر من عشرين عاما؛ لأنهم العقبة الحضارية الحقيقية فى وجود إسرائيل، لأنهم الشعب العريق فى المنطقة بينما إسرائيل مستحدثة هذا الفكر وما شابهه. كان من أهم من قام بفضحه والحديث عنه علانية هو ناهض حتر ومعه مجموعة أخرى من المثقفين فى العالم العربى لكنه كان أكثرهم جلبة وضوضاء وأقواهم لذلك كان لابد وأن يصمت، وبنفس الطريقة المتبعة يقوم داعشى متوحش من الذين قتلوا اليزيديين والمسيحيين وسبوا نساءهم وأطفالهم بقتل حتر فى سبيل الله، وهو مجرد أداة لكن علينا أن نتعرف على من يستخدم هذه الأداة وكيف ولماذا؟

***

هل نتعلم قبل فوات الأوان؟ خاصة هنا فى مصر إذ مازال لدينا فرصة حقيقية لرفض كل تطرف وإزالة القوانين سيئة السمعة واحترام تاريخنا الفرعونى والمسيحى بجانب الإسلامى والعيش فى ظل ديمقراطية حقيقية، من هنا تكتمل أعمدة الدولة المتحضرة فى مقابل إسرائيل لأنه كما ذكر محمد حسنين هيكل وبطرس بطرس غالى وغيرهما من المحللين السياسيين العالميين أن صراعنا مع إسرائيل ليس صراعا عسكريا لكنه صراع وجودى حضاري؛ أحد أدواته الحرب لكن أهم أدواته الأخذ بمقومات الدولة الحديثة وأهمها الديمقراطية والحرية الدينية والعلم. هكذا نكون قادرين على الصمود أمام إسرائيل والعالم ولا نصنف هنودا حمرا يجب إبادة حضارتهم واستبدالها بحضارة قادرة على التعامل مع مقومات المستقبل كما يريدون لنا والمنطقة.
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات