حمل الأفيال - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 1:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حمل الأفيال

نشر فى : الأحد 8 يناير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 8 يناير 2012 - 9:10 ص

فاجأنى بأنه يناضل مع آخرين فى تأسيس نقابة جديدة. كان شابا فى نهاية العشرينيات من العمر، تزوج فى يوم 9 فبراير فى ميدان التحرير بعد أن قضى هو وخطيبته كل أيام الثورة يهتفان لإسقاط نظام. وفى يوم 11 فبراير ــ يوم رحيل مبارك ــ قضيا سويا ساعات طوال فى الفراش لمحاولة وضع نطفة فى رحم الحياة ليخرج ابنهم أو ابنتهم إلى النور بعد ظلام حقبة مبارك، هذه الحقبة التى جاء خلالها هو وزوجته إلى الدنيا. ونجحت مهمتهما بالفعل وخرجت «هدى» إلى النور للمشاركة فى زرع النور ونشره فى ربوع الوطن. سألنى عن رأيى فيما يحدث على المستوى السياسى، ولكنه لم ينتظر الرد، وقال لى أنه فكر كثيرا فى أحواله وأحوال البلد، وتحدث كثيرا مع زملاء له وقرر فى النهاية ألا يهتم بما يحدث فى الشأن العام (جدا) ليس فقط لأنه محبط وغبى ومتخلف، ولكن فى الأساس ليركز فى الشأن العام (الضيق). بمعنى أن يهتم بتحسين أوضاع مهنته. فبجهوده لإصلاح مهنته، وبتأسيس نقابة حقيقية كبديل عن النقابة المصطنعة التى كانت شبيهة بالحياة المصطنعة التى صنعها مبارك، يستطيع أن يغير وضعه ووضع كل العاملين معه إلى الأفضل. فلابد أن نبدأ اليوم النضال للحصول على حق تأسيس أى عدد من النقابات لكل مهنة، وتأسيس نقابات داخل كل مؤسسة وشركة. فالنقابة ليست فقط الجهة المنوط بها الدفاع عن أصحاب المهنة ولكنها بالأساس لاعب أساسى فى الحوار المجتمعى بين ذوى الأجور من ناحية والحكومة من ناحية أخرى، ثم البدء فى حوار جاد بين النقابات بعضها وبعض لتشكيل جبهة حقيقية للدفاع عن حقوق العاملين المصريين. يجب أن تكون النقابة الممثل الشرعى فى كل العلاقات القانونية التى تنشأ بين ذوى الأجور وأصحاب العمل، أن تصبح الجهة المنظمة للإضرابات. لو فكر كل واحد أن يغير من وضعه ويدخل تعديلات حقيقية فى صالح مهنته سوف تتحسن أوضاع كل المصريين. ثم سألنى بتوتر ظاهر هل ما يقوله حقيقى؟ أم أن الانشغال بالسياسة العليا أمر حتمى؟ فقلت له أن الثورة فى مصر وفى تونس وفى ليبيا قامت إلى اليوم بخطوة واحدة وهى إزاحة من كانوا يحكمون، وتصور العالم أن الثورة أنجزت مطالب من تظاهروا فى الشوارع ومن ماتوا للدفاع عن حريتهم. ولكن فى الحقيقة أن الثورة سوف تحقق مطالبها باستمرارها فى التقدم خطوة وراء خطوة. وأن ما يقوم به من تأسيس نقابة جديدة وما يقوم به ملايين المصريين اليوم من مطالب تناقش أوضاع كل مهنة وكل فئة فى المجتمع هى الخطوة الثانية فى الثورة المصرية وفى الحقيقة فهى خطوة لا تقل أهمية عن سقوط مبارك.

 

ولكن هذه الخطوة ليست كافية فى حد ذاتها وإنما يجب أن تتلوها خطوات خاصة بتبلور أفكار وبرامج حزبية ثم قيادات حزبية تقود الحياة السياسية. ثم يلى ذلك خطوة أخرى خاصة بتأسيس نظام عام دقيق يحتضن كل النشاطات السياسية والاجتماعية. كل هذا لن يتم إلا عبر عمل دءوب من الجميع سوف يستمر لسنوات طويلة خاصة أن هناك فئات سوف تتضرر ماليا من هذه التغييرات وهى تقاوم بكل قوة لحماية مصالحها. ولكنه لم يرض بهذه الإجابة وأكد على سؤاله: أريد أن أعرف رأيك هل أسير فى الطريق الصائب بعدم الانضمام إلى أحزاب، أو حتى الاهتمام «بالانتفاخات التشريعية» كما يقال عليها، والاكتفاء فقط بالعمل المهنى؟ فأنا أريد أن تنجح هذه الثورة. لا أريدها أن تفشل ويستفيد مما قمنا به بعض العسكر أو بعض السياسيين النصابين، محترفى التسلق وعقد الصفقات. قال لى إنه كان ينظر كل يوم إلى بطن زوجته الذى يكبر ويتساءل معها إذا كانت مصر تسير فى الطريق الصحيح؟ هل مصر حامل كزوجته وتنتظر مولودا جديدا، سنوات جديدة تختلف عن السنوات العجاف التى عشناها؟ أم أن مصر سوف تتعرض لعملية إجهاض فى إحدى مستشفيات مليونيرات مصر؟

 

أمر رائع أن أرى شابا مصريا يشعر بهذه المسئولية الواقعة على عاتقه لإنقاذ بلده من سوء المصير. هذا وضع جديد. هذا الشاب لم يكن موجودا فى شوارع مصر منذ عام. كان الحديث دائما ما يتجه إلى حلم هؤلاء الشباب بالسفر إلى الخارج. إلى دول الخليج أو إلى أوروبا. تحولت أحلام الشباب من الهرب إلى تأسيس نقابات والنضال لتغيير أوضاع بائسة نعيش فى كنفها منذ عقود. ويا له من تغيير حاسم. خرجت من اللقاء وأنا مطمئن على الثورة وقدرتها على التغيير. هو طريق طويل، أو حمل طويل كما قال. أطول من حمل الأفيال. حمل الفيل يستمر 22 شهرا، فما بالكم بفترة حمل وطن.

خالد الخميسي  كاتب مصري