الحرب الدائرة من غزة إلى الجنوب.. اليوم التالي؟ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب الدائرة من غزة إلى الجنوب.. اليوم التالي؟

نشر فى : الإثنين 8 يناير 2024 - 6:45 م | آخر تحديث : الإثنين 8 يناير 2024 - 6:45 م

أشهر ثلاث مرت على انطلاق الحرب الإسرائيلية على غزة. وبقدر ما يمر الوقت بقدر ما يثبت غرق إسرائيل فى «مستنقع غزة» إذا ما تذكرنا الأهداف التى رفعتها إسرائيل فى تلك الحرب من إلغاء حماس فى القطاع أو إخراجها كليا من «الملعب» والسيطرة الأمنية على القطاع. تزداد مع الوقت الضغوطات على إسرائيل من طرف أصدقائها فى واشنطن وفى عواصم غربية أخرى لوقف حرب «الدمار الكثيف» ضد السكان. الأمر الذى خلق رد فعل كبير ومتزايد ضد السياسة الإسرائيلية على مستوى الرأى العام الدولى وفى العديد من مراكز القرار فى عواصم الدول المؤيدة أو المتفهمة للسياسة الإسرائيلية ضد حماس. وبالتالى لا تستطيع أن تستمر تلك العواصم فى منح ضوء أخضر لتلك السياسة التى صار المطلوب تغييرها. السلطة فى إسرائيل تعيش مأزقا متزايدا فى هذ الشأن. من أبرز مظاهر ذلك الخلاف المتزايد، والذى لم يعد خافيا، بين وزراء اليمين الدينى المتشدد من جهة والقيادة العسكرية من جهة أخرى من خلال «الاشتباك» مع رئيس الأركان كما ظهر فى الاجتماع الأخير للمجلس الوزارى المصغر المسئول عن الشئون السياسية والأمنية. الأمر الذى انعكس بالتالى على اجتماع الحكومة. أضف إلى ذلك الحملة على رئيس الوزراء نتنياهو واتهامه بأن هدفه من إدارة الحرب واستمرارها الهروب من استحقاق المثول أمام المحكمة لمخالفاته العديدة. تدعى القيادة الإسرائيلية أنها نجحت فى إخراج حماس من شمال القطاع وأن معركتها الآن تتعلق بالتخلص من حماس فى وسط وجنوب القطاع. وهذا بالأمر المستحيل أيا كان حجم الدمار الذى تنزله الآلة العسكرية الإسرائيلية بالقطاع. أكثر ما نتج عن هذا الوضع دعوة بعض قيادات اليمين المتشدد لإعادة الاستيطان إلى غزة أو العمل على التهجير القسرى والطوعى لأهل غزة إلى مختلف بقاع العالم. دعوات تعكس المأزق الإسرائيلى.
يحصل ذلك فيما تنشط سياسة إسرائيل فى زيادة الحصار و«والخنق» المادى المختلف الأوجه والأمنى لسكان الضفة الغربية، وإقامة المستوطنات الجديدة بغية تهجيرهم مما يرفع من درجة التوتر فى المنطقة.
• • •
وفى سياق الأزمة الناتجة عن عدم القدرة على تحقيق الأهداف المرتفعة السقف فى غزة وربما اضطرارها مع الوقت إلى اعتماد معادلة قوامها عدم وقف الحرب بسبب الرفض الشديد لذلك الأمر، كما عبر عنه أكثر من وزير فى الحكومة مهددا بالاستقالة مثل بن غفير وغيره إذا ما حصل ذلك من جهة، والاضطرار من جهة أخرى إلى بلورة استراتيجية حرب جديدة تقوم على «الضربات الجراحية» ضد أهداف «حماسية» مقابل التخفيف من حدة حرب الإبادة التى تقوم بها ضد السكان. كما قد تعمل فى السياق ذاته على محاولة إقامة منطقة آمنة فى عمق جغرافى ضرورى فى شمال القطاع يسمح لإسرائيل بالقول إنها حققت أهدافها بحماية «غلاف غزة» وأسقطت تهديد حماس كليا من الجنوب. لكن ذلك الهدف الذى من غير المنتظر الإعلان عنه لأنه يشكل اعترافا كبيرا بهزيمة إسرائيل من خلال منعها من تحقيق الأهداف التى أعلنتها، لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها. إنه هدف تعمل عليه بعض الأطراف الوسيطة ضمن صيغ تدريجية مختلفة تشمل سياسة الهدن المتكررة والمطولة كإجراءات بناء ثقة للتوصل إليه.
ولا بد من التذكير أن إسرائيل ستستمر فى حرب ممتدة وغير محددة فى الزمان. حرب قد تشهد مع الوقت وبشكل تدرجى تخفيضا لحدة القتال دون وقفه إلى أن يأتى وقت «تجرع كأس السم» والقبول بوقف إطلاق النار على جبهتها الجنوبية أيا كان المسمى الذى سيوصف به الوضع الجديد. الوضع الذى، لإعادة التأكيد، ما زال بعيد التحقيق ولكنه البديل الممكن والواقعى عن الهدف الإسرائيلى المعلن فى حرب الإبادة والإلغاء التى تشنها إسرائيل ضد القطاع.
• • •
وفى إطار الترابط القائم بين «الساحة الفلسطينية الغزاوية» و«الساحة اللبنانية الجنوبية» الذى هو إحدى سمات الحرب الدائرة والذى يعترف به الجميع جرى الاحتفاظ لفترة طويلة منذ بداية الحرب بقواعد الاشتباك القائمة فى لبنان. وشهدت هذه الأخيرة فى مرحلة أولى تصعيدا متماثلا symmetrical أو متوازيا من حيث طبيعة الأهداف والقوة النارية والعمق الجغرافى. ولكن أخذت إسرائيل منحى الخروج عنه من خلال اغتيال صالح العارورى فى الضاحية الجنوبية فى بيروت، الأمر الذى يهدد باسقاط قواعد الاشتباك التى كانت قائمة قبل الحرب الحالية. أضف إلى ذلك التشديد الإسرائيلى على هدف إبعاد حزب الله إلى شمال الليطانى فى إطار استكمال تنفيذ قرار مجلس الأمن ١٧٠١ والاشتباك الدبلوماسى والسياسى الدائر حول التنفيذ الكلى لكافة مندرجات القرار، وليس بشكل انتقائى كما تطرح إسرائيل. فالخرق الجوى المستمر للأجواء اللبنانية من قبل الطيران الحربى الإسرائيلى يشكل أيضا خرقا فاضحا للقرار إلى جانب نقاط أخرى تتعلق بالاحتلال الإسرائيلى لأراض لبنانية ورفضها لأى صيغ للخروج منها. التصعيد الإسرائيلى المفتوح والمتزايد فى الجغرافيا وفى الأهداف على الحدود الشمالية (اللبنانية) يشكل وسيلة خطيرة «للتفاوض على أرض القتال» بغية تحقيق أهداف سياسية أمنية على الجبهة اللبنانية. قد يؤدى هذا الأمر إلى حدوث انزلاق نحو حرب مفتوحة تزيد من تعقيدات الوضع وتدفع نحو صراع إقليمى متعدد الأطراف والأبعاد ونلحظ بعض إرهاصاته.
نشهد سباقا اليوم بين الانفجار الكبير ذات التداعيات الخطيرة على الإقليم الشرق أوسطى من جهة وبين التوصل إلى تسوية من جهة أخرى قد تقوم على إحياء قواعد الاشتباك القائمة على الجبهة اللبنانية مع ربما بعض التغييرات التى قد تنتج عن تفاهمات تصيغها الأطراف الوسيطة. ونذكر بهذا الصدد، آخذين بعين الاعتبار بالطبع المتغيرات التى حصلت، بـ«تفاهم نيسان» لعام ١٩٩٦ والذى قام على قواعد اشتباك محددة وللتفاهمات التى أدت غداة حرب ٢٠٠٦ إلى قواعد اشتباك تريد إسرائيل إسقاطها حاليا.
على الجبهة الفلسطينية وخاصة الغزاوية المشتعلة لا بد من التوصل إلى وقف إطلاق النار، وهنا مسئولية أساسية للقوى الدولية الفاعلة والمؤثرة لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية والتوصل إلى تفاهم مضمون من هذه القوى وغيرها لإقامة وقف إطلاق نار على الحدود الإسرائيلية ــ الغزاوية، الأمر الذى ليس بالسهل لتقبل إسرائيل بسقوط أهدافها فى القطاع، ولكنه فى نهاية الأمر، يبقى ذلك كله، رغم العراقيل والصعوبات أمام تحقيقه، أمرا أكثر من ضرورى لمنع الحريق الكبير. ويسمح كشرط ضرورى، ولو غير كاف، بالعودة بعد ذلك إلى إحياء مفاوضات السلام بشكل جدى وعلى قواعد جديدة. أمر أمامه الكثير من الصعوبات والعوائق ولكنه بالضرورى حتى لا يبقى أى وقف لإطلاق النار أيا كان عنوانه مجرد لحظة التقاط أنفاس أو هدنة مطولة تعود بعدها المنطقة إلى التوتر والاشتعال والحروب المفتوحة. هذا هو أحد أهم التحديات التى يواجهها الشرق الأوسط فى مطلع هذا العام.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات