أسطورة التنين الأخيرــ سلسلة ما وراء السجون - أحمد سمير - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسطورة التنين الأخيرــ سلسلة ما وراء السجون

نشر فى : السبت 8 فبراير 2014 - 11:30 ص | آخر تحديث : السبت 8 فبراير 2014 - 11:30 ص

(1)

المكان جامعة القاهرة..

الزمان عام 2003 خلال مظاهرات احتجاجات احتلال العراق..

ينطلق الطلبة لفتح بوابة الجامعة التى يغلقها الأمن المركزي لمنع خروجنا فنتدافع مع الجنود الذين يسدون البوابة.

تستمر المواجهة.. يشتد حماسي.. اندفع بين الجنود لإحداث ما أتصور أنه سيكون ثغرة يمر من خلالها الطلبة.

تمضي لحظات ثم أنتبه أن كل من حولى يرتدون أسود.. كلهم جنود أمن مركزى.

يتكاثفون حولى.. اكتشف فجأة الحقيقة البسيطة.. زملائي تراجعوا بعد فشل المحاولة.

أين ذهب من كانوا بجوارى.. متى قرروا الانسحاب؟.. متى أدركوا أن المعركة انتهت.. ولماذا واصلت في معركة سبق أن حسمت؟

نصف التفاتة للخلف كانت كافية.. نظرة الطلبة عالقة في ذهنى رغم أن الواقعة مر عليها سنوات.. كانوا ينظرون لى بدهشة ويتساءلون لماذا تقدمت بينما المعركة انتهت؟

(2)

ما زلت أذكر المشهد جيدا..

كان فريقنا مهزوما.. وقت المباراة الأصلى انتهى ونلعب في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع.. الجماهير رحلت من المدرج ولاعبونا يتناقلون الكرة بملل.

لاعب واحد كان مختلفا ومصرا على تغيير النتيجة.. استلم الكرة واندفع بها وما أن تخطى نصف الملعب حتى أطلق الحكم صافرة النهاية..

يبدو أنه لم يسمع أو لم يصدق.. لا أعلم.. واصل انطلاقته الحماسية حتى كاد يقترب من خط الـ 18، وفجأة توقف وانتبه أن اللاعبين يسيرون بهدوء وأن المباراة انتهت..

من كانوا يشاهدون المباراة معي في البيت انتابتهم هيستريا ضحك لسذاجته..

لكنى كنت أرى مأساتنا..

(3)

"فلان منا ومش حنسيبه"

كان هذا الهتاف يتردد فى مظاهرات2011.. قبل أن نقرر اليوم أننا "ممكن نسيبه عادى".

(4)

ماذا كان شعور السوري سليمان الحلبى وهو يرى فتاة مصرية من حى تل العقارب ــ المكان الذي أعدم فيه ــ تنظر له بلا مبالاة وهو على الخازوق؟

هل فكر لماذا جاء من بلاده ليقاتل، بينما آلاف من أبناء هذا الوطن لا تهمهم لا المعركة ولا الفرنسيين.. هل شعر بأنه يحب هذه الفتاة حتى وإن لم تتعاطف مع قضيته التى هى ــ تخيل ــ أن بلادها محتلة؟

بماذا كان يشعر الجندى، وهو يقف في سيناء وحيدا دون غطاء جوى ويطلق النار على الطائرات بسلاحه الآلى، بينما عبد الناصر قرر الانسحاب؟

بماذا يشعر من في السجن لأنهم هتفوا يسقط حكم العسكر، بينما بعض من كانوا يهتفون بنفس الهتاف معهم من سنتين سيذهبون للتصويت لوزير الدفاع في انتخابات الرئاسة القادمة؟

كلها أسئلة بلا إجابة.

(5)

الحرية للمعتقل الذى لا نعرفه.. الحرية للمعتقل الذى لا نحبه.. الحرية للمعتقل الذى يكرهنا.

هذا رائع.. ولكن كيف نسينا المعتقل الذى نعرفه.

كم مرة نويت الاتصال بأخته أو أمه لأطمئن عليه ثم ألقى بالهاتف بعيدا لأنى لا أجد ما أقوله.

أعلم أنه يوما ما سيخرج.. سألقاه في الشارع ويحتضنني شاكرا.. غالبا سيصافحنى مشدا على يدى بامتنان على ما بذلته كى يخرج.. وغالبا أيضا سأحاول ألا أضع عينى في عينه لأننى أعلم تماما أننى لم أفعل له أى شيء.

(6)

مرهق أن تخسر حريتك لأنك ترفض إجراءات ضد من سيشمتون في سجنك.. مزعج أن تسجن مع من كان أول كلمة نطقوها حين خرجوا من السجن التشكيك في دينك وعرضك ووطنيتك.

أخبروا أبناء من في السجن أن أباهم لم يكن مجنونا حين حبس من أجل حرية أول من سيستفيد منها الذين يشمتون فى سجنه الآن.. أخبروا آباء الطلبة الذين في السجن أن أبنائهم سجنوا لأنهم رفضوا أى ظلم أيا كان موجها ضد من.

أخبروهم أن السجن أحب من ظلم يدعوننا إليه.

(7)

يتطلع صديقنا إلى شباك السجن في انتظار رفاق كان يدافع عنهم.. ينتظر أن يسمع صوتهم بالخارج وهم يدافعون عنه.

نحن في انتظار أن يخرج.. المشكلة أنه في انتظار أن نخرجه.

مؤلم أننا سنفشل في الدفاع عنه.. المؤلم أكثر أننا لم نحاول أصلا.

(8)

عمر الفكرة ما منعت حبسه..

حان وقت الاستماع لأغنية يا ضحكة السجان.. ومن تركناه خلفنا كان يوما بجوارنا.. وهتاف "هاتوا أخواتنا من الزنازين" تحول إلى "أعمل نفسك ميت".

يرى سعد زغلول وهانى رمزى ومن كان كتفهم في كتفنا أنه مفيش فايدة.. ومن انطفا وميض الحماس بأعينهم لحقوا بأجيال باتت بلا يأس ولا أمل ولا حتى دهشة.

إنما أهلك الجيل الذي قبلكم أنهم توقفوا عن الدهشة أمام الظلم.. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية الكثير منا اخترق رصاص العسكر رأسه لكن الأكثر اخترق رصاص اليأس قلبه.

محزن أن نكتب في رثاء من في سجن السلطة.. المحزن أكثر أن نكتب فى رثاء من دخلوا بأنفسهم سجن الخوف من السلطة.

التعليقات